الأربعاء 1 شوال 1437 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بدعوة من هيئة خدام المهدي (عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف) أمَّ سماحة الشيخ الحبيب المصلين لصلاة عيد الفطر السعيد لهذا العام 1437 هـ في أرض فدك الصغرى، حيث توافد إلى الصلاة جمع من المصلين.
وأدناه نص الخطبتين كاملتين:
[الخطبة الأولى]
بسم الله الرحمن الرحيم
القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.
الحمد لله الذي اسمه شفاء، وذكره دواء، وطاعته غنى، لا مضاد له في ملكه، ولا منازع له في أمره، ولا شريك له في خلقه، ولا شبيه له في عظمته. له الحمد الذي يبلغ أوله شكره، وعاقبته رضوانه، حمداً دائماً أبداً لا انقطاع لأمده، ولا نفاد لعدده.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنه لا شبيه له ولا نظير. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الخلق أجمعين، ومبرئ من كل عيب وشين. وأشهد أن عليا أمير المؤمنين ولي الله ووصي رسوله، وأن فاطمة الزهراء وأبناءها المعصومين حجج الله وهداة دينه. وأشهد أن أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة في النار، وكذا سائر أعداء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
أما بعد عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها للفوز العظيم. ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
إن من التقوى أن لا يُكتَم الحق مخافة أحد من الخلق، فكونوا عباد الله هكذا، فقد قال سيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «إن الحق أحسن الحديث، والصادع به مجاهد».
وإن من الحق الذي لا بد أن يُصدَع به ويُجاهَر، أمر ديننا الذي اختطفه المنافقون الأوائل من أهل السقيفة؛ فحرّفوه وبدّلوه. ما أعانهم على ذلك إلا خَوَرُ الناس وتقديمُهم دنياهم على دينهم، فلا تكونوا أيها المؤمنون من الخائرين، ولا تكونوا من الساكتين. اصدعوا بالحق لتكونوا من خيرة المتقين، ولتنالوا أجر المجاهدين.
ثم إن عليكم أن تكونوا يقظين نابهين، فلا يشتبه عليكم أمر الحق إذا انقلب عليه أهلٌ أو أصحاب، فلطالما كان الثابتون على الحق أقل ممن ينصرفون عنه مع توالي اللوابس. لقد كان المقداد رحمه الله برّا تقياً صادعاً بالحق مجاهدا، لم يزل على بصيرة من أمره في نصرة أهل بيت نبيه صلوات الله عليهم، رافضاً لكل من ناواهم وابتزّهم مقاماتهم، إلا أن ولده معبَد كان ممن حاد وانقلب، فقُتل في الجمل على جاهليةٍ ينافح عن رأس الكفر عائشة، وحين مرّ أمير المؤمنين عليه السلام على جثته بين القتلى قال: «رَحِمَ الله أبا هذا، إما إنه لو كان حيّاً لكان رأيه أحسن من رأي هذا. فقال عمار بن ياسر: الحمد لله الذي أوقعه وجعل خدّه الأسفل، إنا والله يا أمير المؤمنين ما نبالي من عَنَدَ عن الحق مِن ولدٍ ووالد»!
هكذا كان المتقون الصالحون منا لا يبالون؛ لا بوالد ولا ولد؛ ولا بأهل ولا أصحاب، إذا كانوا للحق معاندين وعليه منقلبين. فكونوا عباد الله مثل أولئك المتقدمين، الذين فازوا برضوان الله وحسن لقائه.
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾
[الخطبة الثانية]
الحمد لله كما يُحب أن يُحمد، والصلاة والسلام على نبيه محمد، وعلى آله الغر الميامين، واللعنة على أعدائهم أجمعين.
معاشر الناس؛ لا تزال حملات الإبادة الممنهجة تتعاقب على شعبنا الصابر في العراق، وكان آخرها ما ينعقد اللسان عن وصفه مما حدث في الكرادة. مذبحةٌ وما أبشعها، أشلاءٌ متناثرة تحت الأنقاض، وأطفال ما وُجدتْ إلا مشوية! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولئن كنا نسترجع في كل مصيبة كما أمرنا الله؛ فإنّه ليس ينبغي أن يكون عن عجز من رأي، أو ضعف من فعل، بل لا بد أن تحملنا هذه المصائب على اتخاذ قرار المواجهة بجد، فقد قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «من ركب جِدَّه قهر ضدّه».
إن علينا أن نترك الضعف والتردد وراء ظهورنا، ونتخذ القرار الصحيح الذي يمكن أن ينقذ هذا الشعب المظلوم وينهي مآسيه ويقهر أضداده. قد أثبتت التجربة فشل الصيغة السياسية الحاكمة في العراق الآن، وأنها رأس البلاء، ولئن لم يتم إلغاء هذه الصيغة الفاشلة فإن نزيف هذا الشعب سيستمر. وإن من الواضح أن الشعب ليس راضيا عن الصيغة الحالية والنظام الحالي، ما يعني واقعياً فقدان الحكم شرعيته.
إننا ندعو المخلصين الشرفاء في العراق إلى تنظيم صفوفهم وجمع الشعب للمطالبة بإجراء استفتاء عام على تغيير النظام وقيام الدولة الأمنية بصفة طارئة لمدة عشر سنوات، على أن تهتم بالدرجة الأولى بأمرين ضروريين هما: بسط الأمن بسحق الإرهاب؛ وإعادة البناء الفوري للبنية التحتية والخدمات. وذلك يستدعي حل الحكومة والبرلمان والأحزاب التي لم تأتِ جميعها لهذا البلد إلا بالخراب والدمار، حتى تداعت مقومات الدولة وبدأت بالانهيار.
تتأسس حكومة جديدة على أساس هذا التفويض الشعبي، وتتكون من كفاءات أمنية عسكرية نزيهة وصارمة، قادرة على اتخاذ القرار وتنفيذه فورا بلا تعقيدات ولا تعطيل، ويمكن للمرجعية الدينية أن تتولى رعاية مشروع الإنقاذ هذا، كما يمكن للأمم المتحدة أن تتولى الإشراف على الاستفتاء وتنظيم اجراءات الانتقال من النظام الحالي الذي أثبت فشله إلى النظام الجديد الذي يمثل الأمل الوحيد المتبقي لهذا الشعب.
فليتقدم أصحاب الكفاءة وليخوضوا الغمار بقائمة جامعة عنوانها وشعارها (الدولة الأمنية - يد تقاتل ويد تبني) ونحن واثقون من أن هذا الشعب الأبي سيلتف حول هذا المشروع وسيفرض إرادته بتنفيذه ما إنْ تتضح له معالمه، لأنه شعب قد فقد الثقة بالأحزاب والتيارات، وصبر وتحمل وأعطى فرصا كثيرة حتى طفح به الكيل، وهو إنما ينتظر الحل والخلاص.
نحن نعلن من جانبنا أننا مستعدون لمباركة من سيحملون هذا المشروع وينفذونه من قيادات وعناصر الجيش والشرطة والحشد، كما أننا سنجتهد قدر استطاعتنا في دعمهم ورعايتهم حتى يتحقق هذا الأمل. إن العراق يحتاج إلى نظام أمني حديدي قوي، وحكومة عسكرية صارمة شجاعة، تجعل الملف الأمني نصب عينيها حتى يرتعب منها العدو الإرهابي. لا أحزاب فاسدة، ولا سياسيين جبناء أو سُرّاق أو خاضعين لإرادات خارجية؛ يمكن أن يمضي بهم البلد إلا إلى مزيد من الدمار.
إن أسد الله الغالب علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما؛ حين وصل إلى البصرة لإخماد فتنة عائشة وإرهابييها، نطق بتلك الكلمة العظيمة التي بتطبيقها انتصر شيعته على القوم البغاة. لقد قال لهم كلمات تتوهج شجاعةً وبأساً وصرامةً؛ قال: «انهدّوا إليهم! وكونوا أشدّاء عليهم! والقوْهم صابرين محتسبين، تعلمون أنكم منازلوهم ومقاتلوهم، وقد وطّنتم أنفسكم على الطعن الدَّعْسيّ، والضرب الطِّلَخفِيِّ، ومبارزة الأقران».
التزموا بكلام مولاكم أمير المؤمنين عليه السلام. أقيموا الدولة الأمنية في العراق، تنتصروا على أعدائكم وتنعموا بالأمن والاستقرار إن شاء الله تعالى.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. وصل على عبادك الأطياب، محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن المجتبى، والحسين سيد الشهداء، وعلي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن الزكي العسكري، والحجة القائم المهدي.