2015 / 06 / 29
ألقى الشيخ الحبيب خطابا خاصا موجها إلى شيعة الكويت حول حادثة تفجير مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) في الصوابر في الكويت ترحّم في بدايته على الشهداء الأبرار ودعا لهم بالرحمة والمجد والخلود، والذين استشهدوا في يوم الجمعة في شهر رمضان وفي بيت من بيوت الله عز وجل وهم صائمون ذاكرون لله مسبحون حامدون راكعون ساجدون.
وقال سماحته: ”هنيئاً لهم.. اسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعهم بمحمد وآله (صلوات الله عليهم) وأن يرفع في الجنة درجاتهم ويطيّب خواطر ذويهم، كما واسأله سبحانه أن يمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل وأن يكون ما وقع لهم رفعة لهم في الدنيا والآخرة“.
وفي سياق حديث الشيخ مخاطباً إخوانه في الكويت قال سماحته أنّه يعلم بأن المشاعر ملتهبة وأنّ الحزن قد خيّم على البلاد والعباد إلا أنّه مع ذلك يستبشر أن هؤلاء الشهداء السعداء ينتشون سعادة وفرحا إذ ختم الله عز وجل لهم بهذا الفوز العظيم.
وأكمل سماحته قائلا: ”إنّ ما وقع على هؤلاء الشهداء السعداء ليس خسارة لهم بل إنّه خسارة لنا إذ أنّا نخسرهم وهم من المؤمنين الأبرار“. ثم استطرد سماحته: ”إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم اغتيل في جامع الكوفة لم نسمع منه (عليه السلام) - بعد هذا حادثة اغتياله الإجرامي - كلمة ألم أوحزن أو ضعف أو انكسار، إنّما سمعنا منه كلمة عظيمة التي ما زالت تتردد بصداها بكل زمان ومكان وهي تكتب آية من آيات خلوده عليه السلام ومجده، حيث قال عليه السلام: فزت ورب الكعبة؛ إنه الفوز إذن! لقد فاز هؤلاء الشهدء الأبرار حيث قضوا نحبهم كما قضى أمير المؤمنين (عليه السلام نحبه). كان علي في المسجد وكان هؤلاء في المسجد، وكان علي ساجداً وكان هؤلاء ساجدون، كان علي صائماً وكان هؤلاء صائمون، فهنيئاً لهم لقد فازوا ورب الكعبة!“.
ثم أورد الشيخ حديثا من الكافي الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام): ”وشيعتنا والله لم يزالوا منذ قبض الله عز ذكره رسوله صلى الله عليه وآله ينصرونا ويقاتلون دوننا ويحرقون ويعذبون ويشردون في البلدان، جزاهم الله عنا خيرا“.
ثم قال سماحته أن ما يبعث في النفس الطمأنينة بل الفرح والإستبشار هو أن الصادق (عليه السلام) قد دعا لشيعته قائلاً: ”جزاهم الله عنا خيرا“، وأن كل امرئ في هذه الدنيا يتمنى أن ينال هذه الدعوة الصادقية العظيمة وأن يجزا خيراً عن أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، وأن هؤلاء الشهداء السعداء صاروا مصداقاً لهذا الحديث إن شاء الله بنصرتهم لأهل البيت وإحيائهم لأمرهم ومناداتهم بولايتهم والبراءة من أعدائهم.
وخاطب الشيخ شرذمة الإرهاب قائلا: ”إنكم لن تدخلوا الرعب في قلوبنا ولن تتمكنوا من إقعادنا ستبقى مساجدنا عامرة وحسينياتنا كذلك، وكلما قمتم بهذه الأعمال الإجرامية يا أيها الخوارج النواصب الإرهابيين كلما كان ذلك معجلاً بهلاككم ومعجلاً برفعتنا وقوتنا وانتشارنا. ماذا فعل هؤلاء المصلين والصائمون؟ ما كان ذنب أولئك الأطفال الذين ذهبوا ضحية هذه التفجيرات؟ وما ذنب النساء؟ إنها تساؤلات تهز وجدان البشر. إن الشيعة يتمكنون أن يردون بالمثل لكنهم لا يستحلون ذلك خوفاً من الله تبارك وتعالى ولأنهم يضبطون أعصابهم ونفوسهم بضابط الشرع. وإن الكويت التي لم تعرف تفجيراً إرهابياً على هذا النحو ولم يقع فيها قط لإنتهاك لبيوت الله أفاقت يوم أمس الجمعة على هذه النكبة، فلو كان هذا الحادث وقع في حق غير الشيعة لوجدت أبناء الطائفة التي أجرمت بحقها قد انفلتوا في ردود أفعالهم وقاموا بحوادث إجرامية كرد بالمثل. لماذا لا يقوم الشيعة بمقابلة الإساءة بالإساءة وإنما يقابلون الإساءة بالإحسان ولا يستحلون الإعتداء على الأبرياء ذلك لأنهم تربية محمد وآله؟
يا أيها الإرهابيون الجبناء لا تظنوا أنكم بمثل هذا الغدر يمكن أن تضعفوا الشيعة الأبرار أو تضعفوا عزائمهم، فإن أنقصتم منهم أرواحاً فوالله لقد زدتم بهذه العمليات الجبانة وأضفتم أرواحاً وأرواحاً بتشيع الآخرين بسبب نفورهم من إجرامكم، وإن قتلتم عشراً فسيتشيع ألف ويقبلون على سماحة الإسلام الحقيقي؛ إسلام محمد وآله عليهم السلام ولن يزيدهم ذلك إلا قوة وصلابة. إنكم تستحلون الغدر وقتل الأبرياء ونحن لا نستحل ذلك أبدا! إن هذا الفرق كافٍ لأن يسجل إسم الشيعة في سجل الأمم ذات المثل والمبادئ العالية“.
ثم أكمل سماحته بالقول أن الشيعة يسجلون في سجل البشر الذين يلتزمون بالقيم الإنسانية أما أنتم فلا تسجلوا إلا في سجل الخزي والإنسلاخ من الإنسانية إلى الحيوانية، وأن الأمم حين تُنكب إما أن تضعف أو تتقوى وتعود أقوى من السابق وفرصتكم اليوم يا أهل الكويت للمضي بهذا الإتجاه سانحة.
ثم خاطب الشيخ شيعة الكويت قائلا: ”أنتم على مفترق طريقين.. إما أن تمر هذه النكبة مرور الكرام فتسجل مجرد نكبة في تاريخ شيعة الكويت تستذكر فيما بعد ”حدث في مثل هذا اليوم“، وإما أن تنطلقوا باتجاه آخر تقوون فيه أنفسكم وتستفيدون من هذه النكبة في إصلاح شؤونكم وتعديل أوضاعكم بما يجعلكم أقوى من سابق عهدكم. إن الأمم الناجحة هي التي تختار الطريق الثاني أما الأمم الفاشلة فهي التي تختار الطريق الأول“.
وقال سماحته أن على شيعة الكويت من الآن التصعيد في المطالبة بتغيير الوضع تغييراً شاملاً بما يؤدي إلى:
أولاً؛ الحيلولة ما أمكننا دون تكرر هذه الحوادث الإجرامية الإرهابية.
ثانياً؛ تحقيق العدالة الإجتماعية بين مكونات وطوائف هذا الشعب.
ثالثاً؛ إزالة الحساسيات الطائفية.
رابعاً؛ إعطاء كل ذي حق حقه بما يجعل هذا البلد يتقدم وينعتق من هذه البؤرة الضيقة التي تجعله متخاصماً ومنطوياً على ذاته.
ثم أكمل الشيخ قوله أن قد بلغنه أن الكويت أعلنت الحداد وذهب أميرها إلى موقع الحادث وذرف الدموع وهذا لا بأس به، ولكن هذا ليس كافياً لتحقيق الثأر لهؤلاء الشهداء، حيث أن مظاهر الشجب والتنديد والتعزية من الشخصيات والوجهاء وإن قُدّرت فإنها لن تغير شيئاً من الواقع الفعلي، وأن كل هذا سيذهب ويندثر. وقال سماحته أن طائفة أهل الخلاف عليها أن تبدي مسؤولية في عدم تحميل شيعة الكويت جريرة ما تحسبه هي أنها جريرة، فما شأن شيعة الكويت بكل الصراعات الإقليمية السياسية العبثية المقيتة؟! هل حملكم شيعة الكويت ما يرتكبه أطراف منكم في الخارج؟!
ثم خاطب الشيخ المخالفين قائلا: ”يا اخواننا ممن تنتمون إلى الطائفة الأخرى! لا تنزلقوا في هذا المنزلق، ولا تستخدموا لغة التعميم وتتوجهوا ضد أناس قد حموكم يوماً ما في هذا البلد، فإن شيعة الكويت قد حموكم في أكثر من موقف في هذا البلد فلا تحملوهم جريرة الآخرين فما شأنهم وشأن السياسة؟! نحن أصحاب شعار: ”من آذى بكرياً فقد آذاني“ بل أكثر من ذلك. ولو أن جهة شيعية يثبت عليها أنها استهدفت فرداً من أهل الخلاف لعقيدته فسنكون أول من يجرمها ويدعوا إلى معاقبتها وهذا تعهد شخصي. نحن أناس إن شاء الله لا نعمم إنا لا نحملكم جميعاً جريرة جهة ما قد ارتكبت فعلاً إرهابياً ونريد منكم أن تبادلونا بالمثل. فإذا كان مسموحاً لأطراف من الطائفة البكرية أن تهاجم العقائد والمقدسات الشيعية وتترك على حالها ولا تجرم ولا تعتقل بالرغم من اللغة التحريضية. في المقابل لماذا لا يسمح للمواطن الكويتي من الطائفة الشيعية أن ينتقد عقائد الآخرين وإنما يتعرض إلى السجن والمحاكمة القضائية؟! لماذا حينما يكتب شخص من الطائفة البكرية تغريدة يهين فيها مقدساً أساسياً من مقدسات الشيعة وهو الإمام المهدي وأمه لا يعتقل إلا شهرين؟! وفي المقابل حينما يغرد شخص شيعي كحمد النقي وينتقد عائشة لعنها الله يحكم عليه ويضيع شبابه في المعتقل؟! إن انعدام العدالة والكيل بمكيالين هو الذي يجعل الفرد الشيعي يضج فإذا كنتم تريدون منعنا من مهاجمة مقدساتكم فامنعوا من يهاجم مقدساتنا. معظم الشيعة في الكويت وفي المنطقة عموماً يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية وهذا الكبت هو الذي يولد الإنفجار“.
واستطرد سماحته بالقول أن يتذكّر المخالفون كلمته هذه، فإذا بقوا على ما هم عليه ولم يغيروا منهجيتهم في الإدارة ولم يصطلحوا مع إخوانكم الشيعة، فإن الشيعة بعد عشر سنوات سيكونون جميعاً على تيار الرفض وحين إذن ستتغير خارطة المنطقة وبكل ثقة يقولها الشيخ ستموت دول وتنشأ دول أخرى.
ثم تساءل سماحته: ”هل هنالك خط وسط يمكن أن يجعلنا لا نتجه في هذا الإتجاه؟ أقول نعم الخيار بيدكم“. وأكمل سماحته أننا لسنا في طور مزاحمة المخالفين على حكوماتهم وامتيازاتهم، حيث أنّ الشيء الوحيد الذي نطلبه - شهد الله ورسوله علينا - هو حرية الرأي والتعبير والمعاملة بالمثل، فإنّ العقوبات القانونية لن تساهم في إبقاء عائشة مقدسة حيث أنّ ما يفرض على الناس بالقوة ينفرون منه وما يأتي بالإقناع هو الذي يتأصل في نفوسهم، وليستمر المخالفون في الدفاع عن عائشة ما شاءوا إذ لا مانع على الإطلاق، وليسعوا في إقناع الناس بأنها لم ترتكب إثماً، ولكن لا يلجأوا إلى القوة والمعاقبة القانونية والإجبار!
ثم ختم الشيخ خطابه الموجه إلى شيعة لكويت قائلا: ”أيّها الإخوة.. لا تضيعوا الفرصة.. حددوا مطالبكم وأعلنوا العصيان المدني السلمي والإحتجاج إلى أن تتحقق هذه المطالب. نسأل الله عز وجل أن يلحقنا بركب الشهداء“.