2015 / 05 / 12
أقامت هيئة خدام المهدي (عليه السلام) حفلها السنوي بذكرى ميلاد الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لسنة 1436 هجرية، وذلك بمشاركة الشعراء: عادل الخطيب، وعبد الجليل الخفاجي (قصائد باللغة العربية)، وإسلام عباس (قصائد باللغة الإنجليزية) إلى جانب الشيخ الحبيب الذي ألقى بهذه المناسبة السعيدة كلمة مطوّلة استمرت نحو خمس وأربعين دقيقة، جاء فيها:
”وردَ في الخبر عن الثقة الجليل الفضل بن شاذان، بثلاثة أسناد، عن عائشة وأنس بن مالك من طرق العامة، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه بطريقٍ خاص إلى العباس بن عبد المطلب هذه الرواية التي جاءت في كتاب الأمالي للشيخ الطوسي: «عن الفضل ابن شاذان قال: حدثني إبراهيم بن علي، بإسناده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت: أي رب، إني مؤمنة بك، وبما جاء به من عندكَ الرسول، وبكل نبيٍ من أنبيائك، وبكل كتابٍ أنزلته، وإني مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنه بنى بيتكَ العتيق، فأسألكَ بحق هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنه إحدى آياتكَ ودلائلكَ لما يسّرت عليّ ولادتي.
قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب: لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله (تعالى)، فرُمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلِمنا أن ذلكَ أمرٌ من أمر الله (تعالى)، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام وأهل مكّة يتحدّثون بذلكَ في أفواه السكك، وتتحدث المخدَّرات في خدورهن.
فلّما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي (عليه السلام) على يديها، ثم قالت: معاشر الناس، إن الله (عزّ وجل) اختارني من خلقه، وفضّلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سِرّاً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسّر عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً، وإن الله (تعالى) اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين، لأني ولدتُ في بيته العتيق، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها، فلّما أردتُ أن أخرج وولدي على يديّ هَتَفَ بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمّيه عليّا، فأنا العلي الأعلى، وإني خلقته من قدرتي، وعز جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، ووُلِدَ في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي وخيرتي من خلقي محمد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجَحَدَ حقّه.
قال: فلما رآه أبو طالب سرّه وقال علي (عليه السلام): السلام عليكَ يا أبه، ورحمة الله وبركاته. ثم دَخَلَ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلّما دَخَلَ اهتز له أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحكَ في وجهه، وقال: السلام عليك، يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، ثم تنحنح بإذن الله (تعالى)، وقال: {بسم الله الرحمن الرحيم ● قد أفلح المؤمنون ● الذين هم في صلاتهم خاشعون} إلى آخر الآيات. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أفلحوا بكَ، وقرَأَ تمام الآيات إلى قوله: ﴿أولئك هم الوارثون ● الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون﴾، ثم قال (صلى الله عليه وآله): أنتَ والله أميرهم، تميرهم من علومكَ فيمتارون، وأنتَ والله دليلهم وبكَ يهتدون»“.
وعقّب الشيخ الحبيب بأن ها هنا ثلاث اعتراضات قد أثيرت من قِبل العدو، أولها: ”أنه كيف يخاطب الله أم علي؟ وثانيها هو: أن كيف ينطق عليٌ وهو في المهد؟ وثالثها: أن كيف ينطق علي بالقرآن قبل نزوله؟“، متفضلا سماحته بالرد على هذه الاعتراضات الثلاث وفق الأدلة النقلية والبراهين المنطقية مع بيان المصادر من القرآن الكريم ومن كتب أهل الخلاف ومبانيهم التي أصّلها أعلام علمائهم، فكان إجمال الرد:
1- بخصوص الاعتراض الأول: جاء في كتاب الله العزيز أن الله سبحانه قد أوحى إلى أم موسى بأن تلقيه في اليم ولا تخاف ولا تحزن فإنه سيرد إليها ويجعله الله من المرسلين، وعليه فمن يُأوّل هذا (الوحي) بأنه (إلهام) لا يكون إلا متخرصاً، لأن التدبّر بهذه الآيات التي جاءت في سورة القصص يؤكد لنا أن الخطاب ليس إلهاماً بل وحياً، وبعيداً عن ذهاب بعض علماء المخالفين إلى القول بنبوّة أم موسى ومخالفة آخرين لهم، فأنّا نقول قد ثَبَتَ لدينا هنا بأنَّ الله تعالى يُخاطِب بخطاب ما أمّهات عباده الصالحين من أنبياءه وأوليائه، فليس كل من يوحى إليه يكون نبياً بالضرورة.
2- بخصوص الاعتراض الثاني: جاء في سورة مريم، بكتاب الله العزيز، أن عيسى (عليه السلام) قد نطق وهو في المهد، وعليه فليس صعبا على الله تعالى أن يُنطِق علياً (عليه السلام) وهو في المهد أيضاً كما انطقَ المسيح ابن مريم.
فإن اعترض المخالف بأن هناك فارقاً بين الإثنين بكون عيسى (عليه السلام) نبي، فأن تكون له كرامة خارقة للعادة أمر معقول بخلاف الحال مع علي (عليه السلام)، أجبنا عليه بأن هذا الكلام مخالف لأصول عقيدتك، فقد جاء في (العقيدة الواسطية/ لابن تيمية) وهو كتاب معتمد لدى الحلقات العلمية عند طائفتك ما هذا نصه: "ومن أصول أهل السُنّة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق للعادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات" فضلاً عن إننا وجدنا بأن الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) قد شبّه علياً بأنه كان مباركاً كالمسيح. (راجع المعجم الكبير/ للطبراني/ جزء 1/ حديث 944)
وعليه فلم الاستغراب من انطاق الله علياً وهو في المهد صبيا؟
3- بخصوص الاعتراض الثالث: أن عيسى بن مريم نطق بالقرآن أيضا قبل نزوله، فإن قيل أنّ تلك ترجمة ما قال قلنا: أن الجنة أيضا نطقت بالقرآن قبل نزوله، وذلك عندما خلقها الله حيث قالت الجنة: "قد أفلح المؤمنون" (أنظر ما ورد بسند أنس بن مالك في: المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري - حديث رقم 3410) و (ما جاء بسند ابن عباس في: الأحاديث المختارة للضياء المقدسي - حديث رقم 3960).
فالجنّة خلقٌ من خلق الله وقد أعدّت للمتقين ونطقت بالقرآن، فكيف لا ينطق به من أوحى الله إلى نبيّه حينما أسرى به إلى سدرة المنتهى بأنه إمام المتقين؟ (راجع: معرفة الصحابة للحافظ أبو نعيْم الأصبهاني - حديث رقم 3642). ثم لماذا الاستنفار ضد هذه الفضيلة في علي (عليه السلام)؟! بينما يروي العدو أن الطاغية عمر بن الخطاب كان من المُحدّثين والملهمين من الله تعالى في كل شيء، وأنه في كثير من الموارد قد نطق بالقرآن قبل نزوله فجاءت الآيات موافقة لألفاظه التي نطق بها، ولا من أحد يتحسّس من ذلك ويصفه بالغلو والكفر؟! مع أنه مروي فيمن عملَ ما عمل من المنكرات المتعددة والتي منها ما آذى بها رسول (صلى الله عليه وآله) وابنته الزهراء (عليها السلام)، وهو ذلك الشخص الذي وُلِد ثم وُجِد مرمياً على إحدى المزابل، فأين القياس بينه وبين من وُلِد في داخل الكعبة الشريفة؟!“.
وأردف الشيخ الحبيب أن الأسوأ من هذا هو أن بعضاً من أهل الخلاف رووا بأن هناك من تكلّم بالقرآن الكريم قبل نزوله وهو كافر من أهل الجاهلية الذين لم يؤمنوا ولم يدخلوا في الإسلام، حيث قالوا بأن الشاعر الجاهلي أمرؤ القيس قد أتى ببعض آيات القرآن في أبياته قبل نزولها، ويروجون لهذا الكذب دون أي حياء. (راجع: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي القاهري - الجزء 2 - الصفحة 236).
وتابع سماحته أن هناك آية في كتاب الله تدلنا بإحدى معانيها على أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان عالماً بالقرآن قبل أن يوحى إليه، {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وهي في سورة طه، فالقرآن نزل دفعة واحدة في ليلة القدر كما نزل تدريجيا، ورسول الله عالم به وبمضامينه لكماله (صلى الله عليه وآله) وبسبق وجوده في عالم الأنوار، فإذا ثبت هذا في حق النبي ثبت في حق الوصي لكونه نفس رسول الله كما جاء في القرآن الكريم.
وفي الختام شدّد الشيخ الحبيب على أن هذه الاعتراضات الباطلة لا يثيرها إلا من ملأت المجافاة للنبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) قلبه، نتيجة الابتعاد عن الحقائق القرآنية والنبوية الشريفة، فالإمام علي (أرواحنا فداه) شريك النبي في نوره، يبقى متألقا في سماء الإسلام والمجد والفضيلة والنبل، لا يدانيه أحد في شرفه ولا يعلو عليه أحد في عظمته إلا سيّده رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله).