أقام سماحة الشيخ الحبيب مجلس عزاء بمناسبة الليالي الفاطمية الثالثة بعد إقامة صلاة العشائين جماعة بإمامة المرجع الديني آية الله العظمى سماحة السيد محمد علي الطباطبائي (دام ظله الوارف). وحضر المجلس المرجع الديني آية الله العظمى سماحة السيد محمد علي الطباطبائي وسماحة المربي الفاضل الشيخ عباس آغائي وسماحة الشيخ المحاضر محمد سيروس وجمع من المؤمنين.
افتتح سماحة الشيخ محاضرته برفع أحر التعازي إلى مقام المولى صاحب الأمر بهذه المناسبة الآليمة، ثم تطرق سماحته لزيارة الزهراء (عليها السلام) التي يرويها الشيخ الصدوق: ”اُشْهِدُ اللهَ وَرُسُلَهُ وَمَلائِكَتَهُ اَنّي راض عَمَّنْ رَضَيتِ عَنْهُ، ساخِطٌ عَلى مَنْ سَخِطْتِ عَلَيْهِ مُتَبَرِّىءٌ مِمَّنْ تَبَرَّأْتِ مِنْهُ، مُوال لِمَنْ والَيْتِ، مُعاد لِمَنْ عادِيْتِ، مُبْغِضٌ لِمَنْ اَبْغَضْتِ، مُحِبٌّ لِمَنْ اَحْبَبْتِ، وَكَفى بِاللهِ شَهيداً وَحَسيباً وَجازِياً وَمُثيباً“. فعلق سماحته في أن هل ما يصدر منّا في زيارة السيدة الزهراء نطبقه واقعا أم أنه مجرد لقلقة لسان؟! وهل نبرأ ممن برأت منه الزهراء فعلا؟! إننا نجد من يدعي ولاية الزهراء (عليها السلام) يرضى عمن غضبت عليه ويغضب عمن رضيت عنه، وهناك فئة من ”الشيعة“ يدعو لحب من غضبت عليهم فاطمة الزهراء (عليها السلام) بالقول لا يجوز ”سب الخلفاء“. وهناك من يدعو للوحدة مع المخالفين وكأنه لا يمكن تحقيق التقارب والوحدة مع الآخر إلا بالدوس على مشاعر الزهراء (عليها السلام) فنرى المسلمين يتجرأون على ملكتهم وسيدتهم (فاطمة الزهراء عليها السلام).
وأضاف الشيخ: ”نحن نلعن من غضبت عنهم الزهراء (عليها السلام) كائن من كان، ونحن على منهجها (صلوات الله عليها)، فمنذ أيام أبيها (عليها وعليه وآله السلام) فارزة بين الحق والباطل، فمنذ أن ارتحل النبي شهيدا مسموما انقسم المسلمون إلى قسمين: إما شيعة لها أو مصطفين مع مناوئيها مع ادعّاء حبهم لها فنسألهم لِمَ لا يتبرأون ممن ظلمها؟ فإنه يجيب: لم يثبت عندي أنه ظلمها وقتلها وأسقط جنينها“.
ثم يكمل سماحته أنه بغض النظر عن الكثير من المحاضرات والأجوبة التي فصّل فيها وذكر ثبوت ظلم أبي بكر وعمر (لعنهما الله) للزهراء (عليها السلام) فإنه يكفي ارتحالها وهي غاضبة عليهما، ومن أغضب فاطمة (عليها السلام) فقد أغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أغضب رسول الله فقد أغضب الله تعالى. ولا ينكر تهديد عمر للزهراء عليها السلام بإحراق دارها إلا جاهل أو معاند، ومن في البيت؟ علي وفاطمة والحسن والحسين وبعضا من أصحاب النبي.
ثم يخاطب الشيخ الفرد البكري بقوله: ”أخاطب البكري الذي يقول أنه يبكي على الزهراء (عليها السلام) ويترضى على قاتلها، هل يرضى عمن يهدد بإحراق دار أمه؟!، فأقول له: اسأل ابن تيمية الذي يثبت أن أبا بكر وعمر كبسا بيت فاطمة حيث قال في (منهاج السنة النبوية - الجزء8 - الصفحة291): ”وغاية ما يقال إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء “ فنجد أن ابن تيمية يهوّن المسألة بقوله: ”وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ كَبَسَ الْبَيْتَ“، وهل الكبس أمر هيّن؟ فليراجع البكري معاجم اللغة يجد معنى ”الكبس“ هو اقتحام البيت فجأة، لو أن بيت امرأة مسلمة يُقتحم فجأة، هل يقبله أحد؟ فكيف بالبيت الذي لم يكن يدخله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يُأذن له؟! لأي شيء كُبس بيت فاطمة؟! لينظر ما فيه من مال الصدقة! وكأن الزهراء عليها السلام خائنة تسرق أموال المسلمين!“.
ثم أكمل سماحته هذا ما يقوله ابن تيمية فيما تعرضت له فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فلننظر ما يقوله فيما تعرضت له عائشة (لعنها الله) في نفس الكتاب، حيث أن في منطق البكري هتك الزهراء ليس بشيء، ولكن هتك عائشة أكبر إثما وأعظم جرما. ثم ذكر الشيخ قول ابن تيمية: ”فإن طلحة والزبير كانا معظمين عائشة موافقين لها مؤتمرين بأمرها وهما وهي من أبعد الناس عن الفواحش والمعاونة عليها فإن جاز لرافضي أن يقدح فيهما يقول بأي وجه تلقون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الواحد منا لو تحدث مع امرأة غيره حتى أخرجها من منزلها وسافر بها مع أن ذلك إنما جعلها بمنزلة الملكة التي يأتمر بأمرها ويطيعها ولم يكن أخراجها لمظان الفاحشة“ يعلق الشيخ بقوله أنه ليس يدري متى كان الرجال يطيعون النساء؟!، ثم يكمل قول ابن تيمية الذي كأنه يضع اللوم على علي بن أبي طالب (عليهما السلام): ”كان لناصبي أن يقول بأي وجه يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل امرأته وسلط عليها أعوانه حتى عقروا بها بعيرها وسقطت من هودجها وأعداؤها حولها يطوفون بها كالمسبية التي أحاط به من يقصد سباءها ومعلوم أن هذا في مظنة الإهانة لأهل الرجل وهتكها وسبائها وتسليط الأجانب على قهرها وإذلالها وسبيها وامتهانها أعظم من إخراجها من منزلها بمنزلة الملكة العظيمة المبجلة التي لا يأتي إليها أحد إلا بإذنها ولا يهتك أحد سترها ولا ينظر في خدرها، ولم يكن طلحة والزبير ولا غيرهما من الاجانب يحملونها بل كان في العسكر من محارمها مثل عبد الله بن الزبير ابن أختها وخلوة ابن الزبير بها ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز بالكتاب والسنة والإجماع وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها وأما العسكر الذين قاتلوها فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد يده إليها لمد يده إليها الأجانب ولهذا دعت عائشة رضي الله عنها على من مد يده إليها وقالت يد من هذه أحرقها الله بالنار فقال أي أخيه في الدنيا قبل الاخرة فقالت في الدنيا قبل الاخرة فأحرق بالنار بمصر“ (المصدر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية - الجزء الرابع - الصفحة 354). يعلق الشيخ بأن ابن تيمية اتخذ إحراق محمد بن أبي بكر في مصر بالنار أنه استجابة لدعاء عائشة حينما دعت عليه بعدما مدّ يده داخل المحمل!، والغريب أن لا يكون محمد بن أبي بكر أخو ”الملكة عائشة“ معظما! بينما يكون معاوية ”خال المؤمنين“ معظما!
ثم أضاف سماحته أنه قد يعترض بكري بقوله أن قول ابن تيمية المذكور سابقا يحكيه عن لسان ناصبي، فيقول الشيخ أن محط المحاسبة له هو قوله أن عليا لم يستطع ضبط عسكره فتجرأوا بهتك حرمة عائشة. ثم أن ابن تيمية لا يترضى على الإمام الحسين أو الإمام علي (عليهما السلام) بعد ذكرهما، بينما يترضى على عائشة ومعاوية بعد ذكر اسمهما! ثم أن ابن تيمية يقول: ”ولكن إن كان فعل طلحة والزبير معها ذنباً، ففعل عليّ أعظم ذنباً، فتقاوم كبر القدر وعظم الذنب“.
ثم يتعجب الشيخ من منطق البكري بقوله: ”إذا مُسّت عائشة لعنها الله تجد القيامة قد قامت، بينما إذا مُسّت الزهراء عليها السلام فلا ترى قيامة قامت!“.
وأكمل الشيخ ناقضا على البكري الذي يدّعي أن الذين حاربوا أبا بكر مرتدين وإن تشهدوا الشهادتين وصلّوا وزكّوا وامتنعوا أن يعطوا الزكاة إلا لآل محمد عليهم السلام، بينما يرى أن الذين حاربوا عليا (عليه السلام) مسلمون اجتهدوا!
واستدل الشيخ بقول يذكره ابن الحديد المعتزلي في كتابه شرح النهج (الجزء20 - الصفحة16) عن شيخه أبي جعفر النقيب الذي ينقل قول أبي المعالي الجويني: ”وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم؟! ولعن ظالم على والحسن والحسين تكلفا؟! وكيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة وبرئت ممن نظر إليها؟! ومن القائل لها: يا حميراء، أو إنما هي حميراء، ولعنته بكشفه سترها، ومنعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة وما جرى لها بعد وفاة أبيها. فإن قلتم: إن بيت فاطمة إنما دخل، وسترها إنما كشف، حفظا لنظام الاسلام، وكيلا ينتشر الامر ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة ولزوم الجماعة. قيل لكم: وكذلك ستر عائشة إنما كشف، وهودجها إنما هتك، لأنها نشرت حبل الطاعة، وشقت عصا المسلمين، وأراقت دماء المسلمين من قبل وصول علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى البصرة، وجرى لها مع عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة ومن كان معهما من المسلمين الصالحين من القتل وسفك الدماء ما تنطق به كتب التواريخ والسير، فإذا جاز دخول بيت فاطمة لأمر لم يقع بعد جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع وتحقق، فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد في النار، والبراءة من فاعله، ومن أوكد عرى الايمان، وصار كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها وجمع حطب ببابها، وتهددها بالتحريق من أوكد عرى الدين، وأثبت دعائم الاسلام، ومما أعز الله به المسلمين وأطفأ به نار الفتنة، والحرمتان واحدة، والستران واحد“.
يعلق الشيخ بقوله أن الحرمتان واحدة (حرمة فاطمة وحرمة عائشة) ليس صحيحا؛ فعائشة ليس لها حرمة في الإسلام أصلا، وما هي إلا وصلة مستعارة، وليس من العدل والإنصاف أن تساووا بين حرمة عائشة (لعنها الله) وحرمة فاطمة الزهراء (عليها السلام). فعائشة سفكت الدماء ولم تفعله فاطمة، وعائشة ركبت جملا وبغلا، ولم تفعله الزهراء، وعائشة أفتت بإهدار دم ولم تفعله فاطمة الزهراء.
ثم يبدي الشيخ استغرابه قائلا: ”إن كان هتك دار فاطمة هيّن لأمر لم يقع، فكيف بأمر عائشة لأمر قد وقع؟!“. ثم يخاطب الشيخ البكريين بقوله: ”لا تقل أنك تحب فاطمة وأنت تجد الأعذار لمن اعتدى على فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بينما تثلب من يمس عائشة! ولا تدعي حب فاطمة (عليها السلام) ويكون قولك مجرد كلام إنشائي“.
فيستشهد الشيخ بأبيات شعرية واردة في الصراط المستقيم للنباطي العاملي:
مـا صـحَّ أن المـسـلمـين بأمـة ... لـمحـمـد بـل أمـة لعـتـيـق
جـاءت تطــالب فـاطـم بتـراثـها ... فتقاعدوا عنها بكلّ طريق
وتسارعوا نحو القتال جميعهم ... لمّا دعتـهم ابنـة الصـديـق
فـقعـودهم عن هذه ونهوضـهم ... مع هذه يغني عن التحقيق
ثم اختتم الشيخ محاضرته بالقول: ”إننا اتخذنا موقف رفض الكل إلا من رضيت عنه الزهراء (عليها السلام) فنحن الرافضة، وأننا نحيي الصرخة.. صرخة فاطمة الزهراء (عليها السلام): وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، ونحن نأسف أننا لم نكن معها لننصرها. إن استجابة صرخة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يحتاج إلى ترجمة على أرض الواقع، كإسقاط من غضبت عليهم، واستمرار تمجيد من غضبت عليهم هو تخاذل عن نصرتها (صلوات الله عليها) كما هو موجود في المناهج الدراسية في العراق. فإننا نحن نصرخ في أيام عاشوراء لإيصال رسالة أننا نرفض يزيد ومن أعانه على قتل الحسين (عليه السلام)، بينما رفضنا لظلمة الزهراء عليها السلام طائفية! فإذا كان في بلدنا العراق واليد الطولى فيه لنا تمجيد لأبي بكر وعمر، فكيف ننشد الاستقرار والأمان وكف شر شرذمة تتسلط علينا؟! يخرج علينا المعمم على الشاشة يقرأ زيارة الزهراء ويقول: راضٍ عمن رضيتي عنه ساخط على من سخطتي عليه، ويخرج في اليوم التالي يترضى على أبي بكر وعمر. إننا نلعن يزيد ولا نعلن أبا بكر وعمر، وكأن يزيد أخطأ ولم يترك بعده أنصارا وجماعة تنادي باسمه فيُحترم! هل مبدأهم إرضاء الناس؟!
إن الأيام الفاطمية عليها السلام هي فرصة مناسبة لتصحيح علاقتنا أولا مع فاطمة الزهراء (عليها السلام)“.