فتح سماحة الشيخ الحبيب ورقته البحثية التي حملت عنوان (لا دنيا مع الحسين) في ليلة السابع من محرم لسنة 1432 للهجرة النبوية الشريفة الموافق (1433) في تقويم السنة العمرية التي تبدأ من محرّم تطابقا مع تقويم أهل الجاهلية.
الورقة البحثية الجديدة خصصها الشيخ كسابقاتها من الأوراق المطروحة في شهر محرم الحرام لتكون درسًا جديدًا من جملة الدروس والعبر المستلهمة من سيرة سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام، فأكد فيها سماحته على أهمية السعي لشراء الآخرة ببيع الدنيا، واستفتحها بأحد أبرز أحاديث الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام البليغة، وهو الجواب الذي كان رد الإمام الحسين عليه السلام على رجل من أهل الكوفة كتب إليه يسأله عن خير الدنيا والآخرة، حيث أجابه الإمام بهذا الجواب المختصر: ”إنّ من طلبَ رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس“ (الاختصاص للمفيد/ص225)
الشيخ جعل من هذا الحديث الحسيني الشريف القاعدة التي ارتكز عليها محور الجلسة، وعبّر عنه بأنه ”حديث يحتاج إلى ألف عالم محقق يمضون ألف شهر وألف سنة حتى يفهموه على وجوهه المختلفة في التطبيقات“ مؤكدًا على مسألة اتخاذه حديثا للتطبيقات لا لرفعه كشعار من الشعارات كما حدث مع حديث ”هيهات منـّا الذلة“ الذي برع الشيعة في رفعه بينما خالفوا تطبيقه في الواقع بشكلٍ عام.
وضرب سماحته مثالاً معاصرًا لمخالفة هذا الحديث هو تقاعس فئة كبيرة من رجالات الشيعة عن المضي في طريق معمّمي العالم الأول الذين يؤمنون في منهجيتهم أنه لابد في عالم انكشاف الأوراق العقائدية والفكرية والثقافية والسياسية والإيديولوجية وتطور وسائل الإعلام، لابد من ضرورة إظهار ما في طيّات الكتب من أمور العقيدة والأمور الحساسة لدى الطوائف الأخرى، لعدم إمكانية إخفاء ذلك وعدم تحقق المصلحة في الإخفاء بل تحقق الضرر المتمثل بنشوء الانطباع لدى الخصم بأن الشيعة مجرمون يحاولون التستر على جريمتهم، وبناءًا على هذا الاعتقاد يرون أن موارد التقيّة محددة بحيث لا تصبح طريقا للذل، وعليه يسيرون ببيان الحق والتصريح بمواقف أئمة أهل البيت من ظلمة وقتلة أهل البيت، ويأكدون على الثوابت العقائدية بالدليل والبرهان والمنطق والصراحة والثقة بالنفس، مُرجعًا سماحته هذا التقاعس في الكثير من رجالات الشيعة الذين لم ينضموا إلى هذا العالم للسبب الجوهري وهو خوفهم من سخط الناس.
وزاد سماحته في توضيح المثال أن هذه الفئة ترى منها الاستبسال في تسقيط معاوية ويزيد، رغم سقوط قدسية يزيد عن الاعتبار حتى في الطرف المخالف الذي صار يلعن ويسب ويشتم يزيدًا بل وألـّـف علمائه مصنفات في النيل من يزيد الذي انحصر احترامه في يومنا هذا عند شرذمة منبوذة من الوهابية والخوارج الذين لا قيمة لهم، بينما لا تنبس هذه الفئة ببنت شفة
في شأن أبي بكر وعمر وعائشة.
منوّهًا أنه إلى هنا فأن هذه الفئة يمكن نعتها بالتقصير، أمّا من ينكر منهم على من يقوم بهذه الوظيفة فأنه يكون آثم ومقصّر وجبان، خصوصًا عندما يأتي ويغلّف جبنه بالطابع الشرعي باستخراج الروايات التي لم يفهمها أصلا, كروايات التقيّة وما أشبه، لكي ينزلها في أطار أدانة اتجاه العالم الأول بدلاً من أن يبذل جهده ليكون إلى جانبهم في الطريق.
وكمثال على الفئة الآثمة المتفرّعة من الفئة الثانية فبعد أن ضرب سماحته مثالاً على ذلك بما سمّاه ”الأصوات النابحة علينا داخل التشيّع“، قاصدًا المعممين الذين أصدروا البيانات الملتهبة في الدفاع عن عائشة وخرجوا على وسائل الإعلام بالتمجيد والثناء بهذه المرأة ناعتين إياها بأم المؤمنين والسيّدة الطاهرة التي لا نقبل بالمساس بعرضها وما إلى هنالك، عاد سماحته لترتيب النتيجة التي ذكرها سيّد الشهداء عليه الصلاة والسلام على ذلك ألا وهي سخط الله على هؤلاء الذين ابتلينا بهم ممن يرفعون شعارات الوحدة والتقارب والإخاء وتصفية الأجواء بالدوس على الثوابت العقائدية والمبدئية للتشيّع، مبينـًا أن الله سيوكل أمرهم إلى الناس ليرون ما يحدث لهم.
ولتقريب الصورة إلى الأذهان أضاف سماحته مثالاً معاصرًا متجسدًا بنظام إيران الذي تنازل عن الحق في سبيل إرضاء الناس بسخط الله «عز وجل» فخسر الدنيا والآخرة في هذا المضمار، إذ أن كل محاولاته المستميتة لإرضاء أهل الخلاف من الباب السياسي قد باءت بالفشل، فها هم الآن يطعنونه في الظهر بعدما نجح لفترة ما في تجنيد القرضاوي للدفاع عنه وعن سياسته ومشروعه للتقارب، حيث كان قادة النظام يجللون القرضاوي ويعظمونه ويقتدون به في صلاتهم ويسدون إليه كل أنواع الاحترام والتقدير والإكرام، إلا أنه ما لبث أن غيّر الموجة بتغيير لهجته في الكلام ضد هذا النظام وضد المد الشيعي جاعلاً إياهم قضية العصر باتهامهم بالوقوف خلف انتشار التشيّع في مصر.
وكنموذج ثاني جنـّد نظام طهران حزب النهضة التونسي على مدى سنوات قبل أن تجري ثورة تونس ويفوز هذا الحزب بأغلبية مقاعد البرلمان، وتهاون قبال الأمر في تطاول رئيس هذا الحزب (راشد الغنوشي) على الإمام المنتظر «صلوات الله عليه» حينما استهزئ به أثناء مؤتمر في لندن أقيم في أيام ”الضجة المفتعلة من أنصار عائشة“ وحضرهُ بعض المعممين من ممثلي هذا النظام، فتلى ذلك أكمال المشوار بذهاب وفد من هذا الحزب لزيارة البحرين والالتقاء بآل خليفة ومن ثم التصريح من هناك بتثمين ما صنعته حكومة البحرين في مواجهة الفتنة الطائفية التي لم تكن من الربيع العربي ولا ثورة ولا هم يحزنون.
وكنموذج ثالث – وإن لم يكتمل – أكمل الشيخ سيناريو دعم حكومة إيران لحركة حماس في غزة، متنبئـًا بصورة ناصعة الوضوح ألا وهي أن في حالة زوال دولة الكيان الصهيوني وقدوم حكم حماس على كافة أرجاء فلسطين فأن أول ما سيقومون به هو إدارة الظهر للشيعة والابتداء في ركل النظام الإيراني، وهذا الأمر واضح إذ أن المتشيّعين تحت حكم هذه الحركة يأنون من الاضطهاد المفروض عليهم بعدم السماح لهم بإقامة المجالس الحسينية.
وفي حديث آخر مشابه عرض الشيخ الحبيب قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، الموجود في نهج البلاغة: ”لا يترك الناس شيئا من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضر منه“ ودعا سماحته المنحرفين الذين يمشون في اتجاه إرضاء الغير على حساب الثوابت الدينية الشيعية أن يستلهموا الدرس من أمير المؤمنين بأن استصلاح دنياهم بهذا الطريق سيفتح عليهم بابًا يأتيهم بما هو أضر عليهم في وضعهم الدنيوي.
وأشار سماحته.. أنه من أسوأ الأمور المشاهدة لاستصلاح الدنيا على حساب الدين هي أن يدخل رجل الدين في المعترك السياسي فيصبح ذيلاً للأنظمة السياسية، فتراه يدعو مثلاً إلى السمع والطاعة للحاكم غير الشرعي خلافـًا لقولنا في المناجاة لأهل البيت ”وأبرأ من كل وليجة ومن كل مطاع سواكم“ كما ورد في الزيارة الجامعة، ولا عذر له لو اعتذر أن ذلك مطلوب من باب التوازنات السياسية إذ لا حق له أن يدخل في السياسة معتمرًا عمامة رسول الله المقدسة فيُحسب كل كلامه وتصرفاته على الشرع.
وأكد الشيخ «حفظه الله» أن رجل الدين الشيعي ليس مجبورا على التصادم مع الحكومات، بل هو مجبور على الصراع المبدئي مع المبادئ المنحرفة المنتشرة في كوكب الأرض، اقتداءًا بسيرة أئمتنا وعلماؤنا الأبرار عبر التاريخ في التعامل الندّي مع الحكومات، حيث خطّوا باختصار منهجًا عظيمًا لا يسبغ رداء الشرعية على الأنظمة الحاكمة وهو باختصار منهج المعارضة الإسلامية، تلك المعارضة التي واصلها علمائنا الأخيار حتى مع الحكومات التي تدّعي التشيّع كحكومة الدولة الحمدانية وحكومة الدولة البويهية وحكومة الدولة الصفوية وصولاً إلى حكومة إيران الحالية.
وكنموذج صارخ لاستصلاح الدنيا بآلة الدين ذكر سماحته مثالا حاضرا في لبنان، حيث الهيمنة الشيعية لما يسمى حزب الله، الحزب الذي يقاوم العدو الصهيوني، وهو الأمر الحسن الذي لا خلاف فيه ولكن موطن الخلاف في أن هذا الحزب يحارب أيضا عددًا من الأمور التي هي من الدين باسم الدين، وبشكلٍ هامشي تحدّث الشيخ عمّا يرتكبه هذا الحزب من منكرات وفسق وفجور كأن يأتي أفراده بمطربات يغنين له فيما يسمى عندهم بعيد المقاومة والتحرير وهو الأمر الذي يكون الآمر به فاسق والراضي به فاسق لقاعدة ”لا يطاع الله من حيث يعصى“؛ وتألّم سماحته من مرارة ما يتفوّه به المفتونون بهذا الحزب عندما يواجههم المؤمنون بهذه المخازي حيث يلوون الحديث إلى ما حققه هذا الحزب من إنجازات في الانتصار على الصهانية كما يفعل أهل الخلاف عند مواجهتهم بمخازي صلاح الدين الأيوبي بليّ الحديث إلى ما حققه صلاح الدين الأيوبي من إنجازات في الانتصار على الصليبيين فضلا عن اختلاقهم التبريرات والأعذار الواهية، قبل أن يعود سماحته إلى محور حديثه وإشكاله الشرعي على هذا الحزب في محاربته لتيّار البراءة واظهارها في حق أعداء رسول الله وأهل بيته الطاهرين.
ونزل سماحته على المدعو حسن نصر الله عبد الكريم الذي خرج على شاشة التلفاز وهو يقول (السيدة عائشة أم المؤمنين) في خطابه الذي نال فيه من احتفال هيئة خدام المهدي عليه السلام لسنة 1431 هجرية والذي أقيم بفرحة الإمام الحسن المظلوم الذي رمت عائشة جنازته بالسهام ومنعت من دفنه في حجرة جده رسول الله صلى الله عليه وآله.
مُرجعًا سماحته قيام هذا الرجل بهذا العمل المشين إلى السبب الرئيسي وهو مراعاة الوضع السياسي، بالنفاق مع نفسه ومع حزبه الذي لا يوالي عائشة ولا يحترمها.
وأشار الشيخ الحبيب في إطار حديثه عن محاربة هذا الحزب لتيّار البراءة إلى قصة نقلها له أحد المؤمنين في لبنان في أيام التسعينات من القرن الماضي، حيث طبع بمعاونة جماعة من المؤمنين كتاب ”الاستغاثة في بدع الثلاثة“ لعلي بن أحمد الكوفي، وهو كتاب برائي جيّد يمكن طباعته في لبنان لأن لبنان المتنفس الوحيد للنتاج الشيعي في الوطن العربي، وإذا بهم يتفاجئون باستدعاء اللجنة الأمنية لهذا الحزب والتي هددتهم بمنتهى العنف بأنه إذا انتشر هذا الكتاب فأنهم سيرون سوء العواقب، فاضطروا أن يركنوا هذا الكتاب في المخازن بعد أن طبعوه بداعي البيع والاسترباح لا بداعي التوزيع المجاني.
ووضّح سماحته أن السبب الجوهري من وراء قيام هذا الحزب بهذه المهمة بالحِجر على حركة النشر والتوزيع وتنصيب نفسه وصيًا على الناس فيما يقرؤون وما لا يقرؤون تضييقـًا منه على حرية الإنسان يرجع إلى خوفه من تغيّر الوضع إلى ما يهدد مصالحه السياسية وتوازناته التي يمضي بها مع نظرائه، ولذا فأنه يعمل من خلال هذه المهمة على استصلاح دنياه بتعطيل أمر من صلب المنهج الشيعي الحسيني وركائزه العقائدية، حيث أن الإمام الحسين قد صنع هذا الصنيع أي الجهر بالبراءة من طغاة السقيفة، والغريب أن هذا الحزب مع ما يفعل يدّعي بأنه من أنصار الحرية.
وكمثال تجريبي تحدى الشيخ أي شخص لبناني في الضاحية الجنوبية أن يقوم برفع لافتة بمناسبة أيام عاشوراء مكتوب عليها: (قال الحسين عليه الصلاة والسلام في عمر بن الخطاب: انزل أيها الكذاب عن منبر أبي رسول الله صلى الله عليه وآله) دون أن يأتيه رجال ما يسمى حزب الله ويعتقلونه ويضربونه وينزلون هذه اللافتة التي تحمل كلام الحسين المقدّس.
ولتتعظ هذه الفئة بما ينتظرها من مستقبل ضربَ سماحة الشيخ الحبيب «حفظه الله» مثالا بحسين علي المنتظري الذي كان الخليفة الموعود للخميني منذ انتصار الثورة في إيران إلى ما قبل شهرين من هلاك الخميني، حيث قام لأجل استصلاح دنياه والتقرب إلى المخالفين – إذا حكمَ البلاد – بنفي ظلامة سيدة نساء العالمين «صلوات الله عليها وأرواحنا فداها» في مؤلف مطبوع ومنشور، إلا أنه خسر الدنيا والآخرة بعد ذلك بعزله عن منصبه ووضعه تحت الإقامة الجبرية ليعيش فيها إلى آخر حياته، مؤكدًا سماحته أن هذا هو المصير الحتمي لسائر المنحرفين الذين يريدون استصلاح دنياهم عبر هذا الطريق وهو أن الله سيصفعهم في الدنيا من جانب آخر.
وأردف سماحته أن ”طلب رضا الناس بسخط الله عز وجل لاستصلاح أمرًا من أمور الدنيا“ قد أصبح حالة مرضية خطيرة تنخر كالسرطان في الجسد الشيعي، إذ أصبح أكثرية من يدّعون تمثيل التشيّع دنيويون سواءً شعروا بذلك أو لم يشعروا، إذ جعلوا أول ما يفكرون به هو إرضاء الناس وقد انتشرت هذه الحالة في أوساط الخطباء الذين يفكرون كثيرا في ردة فعل الغير قبل أن يتحدثوا في أمرٍ من أمور الدين وذلك خشية السخط الذي قد يطالهم، ولهذا تركَ الكثير منهم أمر تعرية أبي بكر وعمر وإفراح قلب الزهراء عليها الصلاة والسلام بكسر هذين الصنمين، مع أن ذلك يستجلب رضا الله والوحدة الإسلامية الحقة لا الوحدة الإسلامية الباطلة التي كانت الزهراء أول من خرقتها باستشهادها بالآية الكريمة في خطبتها الفدكية {وقاتلوا أئمة الكفر} في إشارة منها إلى وجوب محاربة أبي بكر وعمر «عليهما لعائن الله» والذين بقى منهجهما المنحرف إلى الآن موجودًا.
وأضاف «حفظه الله» أن على الذين يذهبون ويتكلمون في بعض الأمور غير الصدامية أن يعلموا أن هذه الأمور في زماننا أصبحت ليست صدامية إلا أنها كانت في العهود السابقة صدامية، إذ أن مجرد الدعوة إلى الحسين عليه السلام في الولائيات كانت جريمة، فالسلطات كانت تعتقل من يقوم بهذه الدعوة كحكومة بني أمية و حكومة بني العباس ولولا جهاد الشيعة الأبرار الذين قدموا دماؤهم في هذا الطريق لما ارتفع المحظور وصار هذا الأمر شيئا ممكنا، فأتى تدريجيًا بارتفاع حظر النيل من يزيد ومعاوية وتقريبا حتى النيل من عثمان إذ أصبحت بعض المنابر تتحدث فيما فعله في أبي ذر ومجريات الثورة عليه وكل ذلك دون أن يحصل شيء يُذكر، لافتا سماحته النظر إلى ضرورة استصلاح مشكلة غلبة الدنيا على الدين في كافة الميادين وليس فقط في الميدان الخطابي والحوزوي بل حتى في الميدانين الاجتماعي والاقتصادي.
كما أضاف سماحته أيضا.. أنني لست مستعدًا لكي أحترم من يدعو إلى موالاة إمام جائر ويؤصّل لذلك شرعًا بأن يجعل طاعة هذا الإمام جزءًا واجبًا من الدين، مشددًا سماحته أن خامنئي هو إمام جائر والحديث فيه لا يحتاج إلى نقاش إذ هو حي يرزق والمظالم في حكمه واضحة للعيان وليست غائبة ومدفونة في بطون الكتب التاريخية كما هو الحال مع عمر بن الخطاب.
وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: ”لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر“ (الكافي/ج1 /ص375/ ح3) ، ولا فرق فيما إذا كان هذا الإمام الجائر في تونس أو مصر أو ليبيا أو البحرين أو إيران أو سوريا، فمسطرتنا واحدة بخلاف من يلفـّون لف النظام الإيراني من الذين يفتح الواحد منهم عينه بشكل جيد جدًا على انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين ويغلق عينه بشكل جيّد جدًا عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
وعليه فأن سؤالنا لحسن نصر الله وما يسمي نفسه حزب الله: لماذا تدين الله بولاية إمام جائر؟ إلا أن يكون لا دين لك.
سماحة الشيخ الحبيب انتقل إلى نقطة أخرى بعد هذا السؤال ليفنـّد الجواب المطروح من الناحية الفقهية في حال التبرير للمذكور من قبل بعض الأفراد عند القول:
أن هذا من التحالف السياسي المطلوب:
حيث قد يبرر البعض أن الرجل يريد أن يقاوم العدو ولم يجد إلا هذه الدولة لكي يتحالف معها حتى تمده بالأموال والسلاح، وهذا تحالف يمكن أن يجاز شرعًا بنحوٍ من أنحاء التجويز.
فكان نقض سماحته لهذه الإجابة: هذا من حيث المبدأ صحيح أيها الأخوة و لكن له شرائط .. من بينها هذين الشرطين:
الشرط الأول: أن يكون ذلك بإمضاء حاكم شرع عادل، يجيز للمكلف التحالف مع نظام جائر من أجل قضية قد تعد في ميزان الشرع قضية ذات أولوية. والرجل المذكور ليس لديه فقيه عادل تجتمع فيه شرائط المرجعية أمضى له هذا، فإذا قال أن خامنئي أمضى له يعود الكلام إلى أصله إذ أن خامنئي سياسي لا فقيه ولا بطيخ.
الشرط الثاني: في حالة وجود إمضاء من مرجع تقليد عادل، يجب ألا يكون هذا التحالف مدعاة لإضفاء الشرعية على الإمام الجائر بحجة هذه القضية بحد ذاتها، فمثلاً لو أفتى مرجع تقليد جامع للشرائط لأحد بجواز التحالف مع حكومة موسكو مثلا، فليس من حق هذا المكلف أن يأتي غدًا لدواعي هذا التحالف ويقول أن رئيس روسيا هو ولي أمر المسلمين ويجب طاعته!
واسترسل الشيخ في حديثه.. لقد جيء لي في التسعينات من القرن الماضي بالمناهج التي يقدّمها حزب الله اللبناني للناس، ففوجئت بصفحة أصول الدين وأنا أقرأ ذلك بعيني – وهذه المناهج موجودة عندي في البيت – بأن أصول الدين ستة: أولها التوحيد، وثانيها العدل، وثالثها النبوة، ورابعها الإمامة، وخامسها ولاية الفقيه، وسادسها المعاد، ثم يأتي في الشرح على الأصل الخامس بتزيين الصفحة بالصورتين المباركتين للخميني وخامنئي ويبدأ يمنهج للأولاد على أن هؤلاء هم ولاة المسلمين الذين يجب اتباعهم، مدخلاً بذلك هذه البدعة الواضحة في الدين بأن جعل ولاية هذين الرجلين أصلاً من أصول الدين أي أنه دان الله بولاية إمام جائر فلا دين له.
وأضاف سماحته حديثـًا آخر لأحد أئمة أهل البيت عليهم السلام وهو الإمام الباقر «صلوات الله عليه» الذي قال: ”لا دين لمن دان الله بطاعة من عصى الله“ (الكافي/ ج2/ ص373 /ح4)، مشددًا على أن خامنئي على أقل التقادير يعصي الله تعالى والأمر مشاهد وواضح في تلفزيون نظامه إذ أن المعاصي فيه ظاهرة بما فيها التبرج والسفور والأغاني وحتى الرقص الذي يأتون به من باب الهزليات لتسقيط خصومهم السياسيين كأمثال بوش وشارون وكوندليزا رايس، ناهيك عن الحكم بغير ما أنزل الله، والنتيجة هي أن من يدين الله بطاعة من عصى الله فلا دين له.
وتابع سماحة الشيخ حديثه بالتأكيد على أن ما يتحقق من انتصارات لأمثال هؤلاء لا يعفيهم من المسائلة أمام الله عمّا ارتكبوا من خروقات للشرع، محذرًا من الوقوع في المرض البكري وهو الانبهار بالإنجازات المنسوبة إلى أفراد معيّنين – كعمر بن الخطاب أو صلاح الدين الأيوبي – ومن ثمّ غض الطرف عن الخروقات الدينية التي جاء بها هؤلاء الأفراد والتي تخرجهم من الدين، مشيرًا سماحته إلى الحديث النبوي الشريف ”أن الله عز وجل لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر“.
وفي جملة من الأمثلة السريعة ضرب الشيخ «حفظه الله» نماذج على هذه الأقوال كالقول أن صلاح الدين الأيوبي فتح القدس، وأن يزيد فتح القسطنطينية، وأن صدّام التكريتي أطلق اول صواريخ سكود عربية على إسرائيل، متبعًا إياها بالقول أن حسن نصر الله حرّر جنوب لبنان من الصهاينة.
مفندًا سماحته عمل هذا الأخير بأنه حتى لو كان صادق النيّة مع الله في هذا العمل الحسن بأن دافعه نصرة دين الله حقـًا فأنه يكفي فقط ما فعله في الدفاع عن عائشة لإحباط كل أعماله إذ أن هذا الأمر ليس هيّنـًا عند الله تعالى، فمن يعرف موقف أئمتنا عليهم السلام من عائشة يفهم ما نقول، ومن يستشعر حرارة الإيمان في قلبه ويحترق صدره على ما فعلت عائشة في حق رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قتلته بالسم يفهم ما نقول، ومن يقرأ ماذا قال أئمتنا عليهم السلام في عائشة وآهاتهم مما ارتكبته عائشة يفهم ما نقول.
وبيّن سماحته أنه في المنطق الإسلامي الشيعي لا وزن للفتوحات والانتصارات العسكرية ولا غيرها من الأمور الحسنة في تقييم شخصية ما إذا ما كان صاحب الشخصية يخرق الشرع في الجوانب الأخرى، وإلا لأصبح آل سعود الذين وسّعوا الحرمين الشريفين في مكة والمدينة ووزعوا ملايين النسخ من القرآن الكريم فوق رؤوسنا رغم ما يرتكبونه من قتل وذبح وظلم وجور.
ومن باب استلطاف الأجواء ذكر الشيخ «حفظه الله» حادثة لطيفة شاع خبرها إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» بأن معاوية «لعنه الله» قد شرع يبني له مسجدًا عظيمًا في دمشق، فأرسل إليه الإمام معيّرًا بثلاث أبيات من الشعر يقول فيها:
• سمعتك تبني مسجدا من خيانة.. وأنت بحمد الله غير موفقٍ
• كمُطعمة الرمّان مما زنت به.. جرت مثلاً للخائن المتصدّقِ
• فقال لها أهل البصيرة والتقى.. لكِ الويل لا تزني ولا تتصدقي
مضيفا سماحته.. أن هذه الأبيات تنطبق على حسن نصر الله، داعيًا إيّاه – إن لم يستطع الحفاظ على دينه – أن يترك مقاومة العدو الصهيوني إن لم يجد غير هذا الطريق كيلا يضطر أن يقول أن خامنئي إمام وولي أمر المسلمين فيصير شأنه من شأن ما تكتبه الصحف في بعض الأحيان أن الراقصة الفلانية قد أقامت موائد الرحمن في شهر الصيام لتحصل على الأجر والثواب، كما دعا إيّاه إلى تصحيح مساره الشرعي إن شاء الاستمرار في المقاومة دون الدوس على الثوابت العقائدية.