تتلقى قناة فدك الفضائية بين الفينة والأخرى عددا من الاتصالات المهمة من الشيعة الموالين تشتكي من خطورة خطاب أحد المنحرفين الذين يظهرون في واجهة المتصدين لعقيدة أهل الخلاف في إعلام النظام الإيراني، والذي يغلّب مصالحه السياسية على الإطروحات المطروحة ويحد من حرية التعبير للمتصلين الكرام في نقاش وبيان أخطاء ما يطرحه الطرف المباحث الذي نصّب نفسه متكلّمًا عن الشيعة.
كانت من أهم تلك الاتصالات اتصال مطوّل تلقته القناة في أثناء البث المباشر مع سماحة الشيخ الحبيب في مساء الجمعة الموافق للحادي والعشرين من شهر ذي الحجة لسنة 1432هجرية، من قِبل أحد الأكاديميين الشيعة في بلاد الغرب، والذي فنّد بدوره الأبحاث التي يطرحها ذلك المنحرف بتقسيمها إلى نوعين، مبيّنا خطورة الخطاب المطروح على الشخصية الشيعية المتأثرة بهذا الإعلام المرئي، لما يصنعه من اضطراب كبير يصيب الكثير من الشيعة بالفصام الفكري جاعلاً الفرد منهم أسدًا في الولاية من جهة، ومن جهة أخرى يضع لنفسه حواجز في مسألة البراءة من أعداء آل محمد كيلا يخدش ما يسمى عندهم بالوحدة الإسلامية، و التقريب بين المذاهب، و رموز الآخرين.
وأرجع المتصل الكريم هذا التوازن المفقود إلى خطاب ذلك الرجل المنحرف الذي يظهر في قناة الكوثر في برنامجه المسمّى (مطارحات في العقيدة) دون أن يسمّي المتصل هذا الرجل المنحرف ولا القناة ولا اسم البرنامج تعريضا به.
وكان المثال على القسم الأول: هو حديث ذلك الرجل المنحرف في إحدى الحلقات عن رزية الخميس آتيًا بكل مقدمات البحث والمحتوى لما دار في حجرة النبي صلى الله عليه وآله، بما في ذلك الجملة الوعيدية من رسول الله (أئتوني بصحيفة ودواة حتى أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا) وموقف عمر بن الخطاب وقوله (إن الرجل ليهجر) مع اختلاف الروايات عند المخالفين التي خففت حدة الكلمة التي رمى بها عمر رسول الله بالهجر إلى كلمة أخف وطءً هي (غلبه الوجع)، إلى جانب إتيانه بالكلمة الكفرية الأخرى لعمر بن الخطاب وهي (حسبنا كتاب الله)، ثم توجيهه سياق بحثه إلى منحى آخر كيلا يخرق الحواجز الآنفة الذكر (الوحدة الإسلامية، و التقريب بين المذاهب، و رموز الآخرين) فينأى بالنتيجة نحو سبعة قرون بعد ذلك التاريخ موهمًا المشاهدين بأن الحادثة غير مرتبطة بعمر بن الخطاب بل مرتبطة بابن تيمية الذي حاول تأويل القول (غلبه الوجع) بقول عمر (إن الرجل ليهجر).
وعلّق المتصل على المثال الأول.. هنا مكمن الخطورة حين يوجّه هذا الطارح متتبعيه لنتيجة توجـِد المفر لعمر من هذه الحادثة، بينما يجد كل باحث منصف أن عمر وفق الجملة الوعيدية لرسول الله هو (ضال) لمنعه كتابة الوصية بل هو (رأس الضالين) لتحريضه الآخرين على عدم الرضوخ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه قد كَفرَ كفرًا علنيًا كافيًا بأن يدخله النار بل يدخله قعر جهنم حتى لو لم تكن له إلا هذه الموبقة الوحيدة؛ ولهذا السقف المحدد يصب الطارح جم غضبه على (ابن تيمية) و(الوهابية) و(النهج الأموي)!
أمّا المثال على القسم الثاني: فهو محاولة هذا الطارح التفرقة بين فئتين من المخالفين، بجعله فئة المذاهب الأربعة في جهة، ومقابلها فئة (النهج الأموي) على حد تعبيره و(ابن تيمية) وأتباعه من الوهابية في جهة أخرى، مصوّرًا الفئة الأولى وكأنها حمائم بيضاء موالية لأهل البيت عليهم السلام لتصحيحها فضائلهم أمّا الفئة الثانية فيصوّرها بصورة غربان سود همهم الأول بغض أهل البيت عليهم السلام، بينما يجد الباحث المنصف أنه لا فرق بين الفئتين فالفئة الأولى رغم تصحيحها لتلك الأحاديث وتثبيتها إلا أنها بالنتيجة لم تلتزم بها أمّا الفئة الثانية فقد رفضتها من أساسها، وبذلك تكون الفئة الأولى قد وقفت مع الثانية في نفس الصف، وكما يقول المثل (لا أسوأ من عبد الحميد إلا أخوه عبد المجيد). وفصّل المتصل حديثه بنماذج طرحها هذا الطارح عبر مغالطاته للواقع، مشددًا على أن معاوية والنهج الأموي وابن تيمية والوهابية ما هم إلا نتاج فوقي لبناء تحتي كان موجودًا منذ حادثة العقبة ومنذ صلح الحديبية ومنذ رزية الخميس وسقيفة بني ساعدة واغتصاب الخلافة والهجوم على دار الزهراء عليها السلام.
من جانبه علّق الشيخ الحبيب على مداخلة الأخ الكريم واسمه الأستاذ ماجد من لندن، بأنه كان يشعر بأن نفسه تتحدث وأن المتصل قد لامس مكنونات صدره لقلقه على الخطاب الشيعي العام المتداول حاليا، مذكّرا المشاهدين الكرام بأن سماحته سبق وأن تطرق لهذا المتطفل على سلك العلماء في التعليقات على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة، التي تلت الاحتفال المبارك الأول بهلاكها من قبل هيئة خدّام المهدي عليه السلام، مشيرًا إلى فساد عقيدته التي تميل إلى الفلسفة والعرفان والتصوّف وأخطائه العلمية بأقواله المناقضة لأقوال أهل البيت عليهم السلام ودفاعه المستميت عن اللعينة عائشة بنت أبي بكر وإبرائها من مسألة متسالم عليها عند جميع الطوائف وهي مثلبة إفتاءها برضاع الكبير، حيث رمى القضية هذا المنحرف بأنها من منحولات الأمويين وابن تيمية متغابيًا نفسه ومستغبيًا الناس ليضيّع بذلك أصل المعركة الحضارية بين الشيعة وبين أهل الخلاف، والتي تعود بالأصل إلى حكم السقيفة والمتعاقبون حوله.
وأردف الشيخ الحبيب أن كل ما يجري من ويلات على هذه الأمة يرجع أساسه إلى (أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة) لا إلى (معاوية ويزيد وابن تيمية والوهابية)، معربًا عن أسفه الشديد لما خلّفه الزمان للشيعة بقدوم أمثال هؤلاء المنحرفين ليقوموا عبر وسائل الإعلام الشيعية بتوجيه دفة الأمور واختزالها نحو فروع المشكلة، فيقودون بهذا الفرد الشيعي ليكون منهزمًا حضاريًا أمام عموم طائفة أهل الخلاف ومتقبلاً لما تمخضت عنه مآمرة السقيفة في عزل الخلافة الإسلامية بإحاطة تلك الشخصيات بالحصانة من النقد كما يفعل بعض الخطباء ملتمسًا لنفسه الأعذار.
وأضاف سماحته أن الوهابية ليسوا منافسا حضاريًا للشيعة مطلقا، إذ أنهم لولا النفط الشيعي في المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية لما استمروا واستمرت خرافتهم، كما أنهم بحد ذاتهم لا ينتشرون في أوساط المخالفين إلا بالمال والدعاية المشوبة ولا يمكن أن يؤثر فكرهم على شيعي واحد، منوّهًا سماحته أيضا أن المعتقد البكري كذلك لا يمكن أن يؤثر على أبناء الشيعة، وما تصدّيه له إلا من أجل أن يغزوهم فكريا لينوّر أبنائهم بولاية أهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم، مشددًا على أن الخصم الحضاري الأبرز للتشيّع هو الإلحاد والفكر الإلحادي الذي تقوّيه الدول الغربية بجامعاتها ووسائل التفوّق الحضاري الذي يجعل للإلحاد مقبولية في أوساط الأمم، وأن ما يأتي بعده هو أديان أهل الكتاب مما يجعل المعتقد البكري في المرتبة الثالثة أو الرابعة، بينما يأتي المعتقد الوهابي في ذيل القائمة والذي ما كان الشيعة ليلتفتوا إليه لولا أنه أتى بالعنف.
ونبّه سماحته إلى نقطة مهمة وهي أن هتك الأنبياء في المعتقد البكري هو من صنع أبي هريرة الذي كان أحد أعمدة الآلة الدعائية لحكم السقيفة وحزب عائشة بكونه بوقا إعلاميًا لأبي بكر وعمر وعائشة، مستنكرًا أن يأتي أمثال هذا المنحرف الذي يظهر في إعلام النظام الإيراني ليمسك بالذيل الذي هو محمد بن عبد الوهاب ومن أشبه ويحاول تسقيطه تاركًا الرأس الذي لو سقط سقطت وراءه كل هذه الأذناب تلقائيا.
وفي ختام حديثه وجّه سماحة الشيخ الحبيب خطابه إلى الطرف البكري داعيًا إياه ألّا يستقبل هذا الخطاب الشيعي المنحرف الذي يريد أن يبرىء ساحة المجموع ويعزل فئة واحدة، على أنه الخطاب الشيعي الأصيل، مذكّرا إياهم بأن كافة مذاهبهم تقول بتجسيم الله وأن هذه العقيدة ليست عقيدة ابن تيمية وحده وإنما ابن تيمية مجرد متفحش في هذا القول ومثله الوهابيون الذين غالوا في التجسيم أو أهل الحديث بشكلٍ عام، لافتا النظر إلى خطورة خلط الأوراق وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها من قبل هذا الرجل الفاقد للعدالة والمصداقية مع الناس.