اعتبر الشيخ ياسر الحبيب أن مفهوم الحرية الذي جاء به الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) يتفوق على سائر مفاهيم الحرية الإنسانية التي جاء بها غيره، لأن هذه المفاهيم تجعل الحرية ناقصة وبعبارة أدق هي حرية مقنعة بالعبودية للدنيا، وهذا المفهوم رفضه الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام.
جاء ذلك في خطاب متلفز وجّهه الشيخ إلى الأمة الإسلامية في محرم الحرام 1431 بمناسبة ذكرى استشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، دعا فيه إلى استرخاص الدنيا واستعظام الآخرة لنيل الحرية الكاملة بالسير في طريق الحسين عليه الصلاة والسلام، مذكرا بأن هذه الأيام الحسينية «فرصة لنا للتحرر من هذه القيود الدنيوية».
وأشار سماحته إلى الحرية المقنعة تحت هيمنة رأس المال قائلاً: «انظروا مثلاً إلى المجتمعات الغربية اليوم، إنها مجتمعات تبدو حرة، لإفريقي مهاجر أن يصبح فيها رئيساً لحكومة، كما حصل تقريباً في الولايات المتحدة الأميركية، ولأيٍّ كان الحرية في أن ينقد أكبر رئيس، أو يهاجمه، أو يسخر منه، أو حتى يرشقه بالبيض. نعم هذه حرية، ولكن، ماذا عن عبودية المجتمعات الغربية لرأس المال؟ صاحب رأس المال هو السيد، يحرّك الاقتصاد، ويحرّك السياسة، ويحرّك الاجتماع، ويُخضع له الآخرين. إن لم يعمل المواطن الغربي ليلاً ونهاراً في خدمة صاحب رأس المال فلن يكون إنساناً. إن لم يوظف المواطن الغربي طاقاته لأن يكوّن رأس مال ويحجز لنفسه مقعداً وسط طبقة الأثرياء فلن يكون سيداً».
وأضاف: «سيد الأحرار والمعلم الأكبر للحرية، الإمام الحسين صلوات الله عليه، يرفض هذا المفهوم للحرية، يرفض هذه الحرية الناقصة، أو المقنعة، أو المحدودة بحدود الدنيا الوضيعة، لذا فإن الحسين (صلوات الله عليه) يقدّم للبشرية مفهوماً آخر للحرية، ذلك المفهوم الحقيقي، الذي يجعل الإنسان إنساناً بحق، حراً بحق، سيداً بحق، لا يبيع نفسه للدنيا، ولا يجعل الدنيا ثمناً لنفسه. كيف لا وهي دنيا! دنيا ساقطة وضيعة، لا عُليا. كيف تعلوك الدنيا وهي تحت رجليك؟
يقول إمامنا الحسين صلوات الله عليه: إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها، بحرها وبرها، وسهلها وجبلها، عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله؛ كفيء الظِّلال».
ويعلق الشيخ على ذلك بقوله: «أجل؛ كل ما في هذه الدنيا عند ذاك الذي يعرف الله جل وعلا، كفيء الظِّلال. ليس عاقلاً من يتعلّق بالظل ويركض وراءه! إنما هو ظل، ليس هو نفسه الأصل حتى تتعلق به. الدنيا وما فيها ظل؛ والأصل الآخرة. هناك؛ في الآخرة؛ تجد النعيم الحقيقي الذي لا يزول، أما هنا؛ في الدنيا؛ فلا تجد إلا الظِّلال، سرعان ما تفيء ثم تتلاشى. سويعات.. وترحل أنت عن هذه الدنيا رغماً عن أنفك، فتذهب تلك الظِّلال التي كنت مخدوعاً بها».
ثم ذكر الشيخ بقية حديث الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) الذي جاء فيه: «ألا حرٌّ يدع هذه اللُّماظة لأهلها، فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها، فإنه من رضي بالدنيا فقد رضي بالخسيس».
وقال الشيخ: «تأملوا في كلام سيد الأحرار (صلوات الله عليه) حين يقول: ألا حرٌّ.. هنا يتجلى لكم مفهوم الحرية عنده أرواحنا فداه (...) دعوا هذه الدنيا بما فيها، تزوّدوا منها للآخرة، ولا تكونوا خدماً لهذه الدنيا، اجعلوها خادمة لكم».
ولمعرفة ما إذا كان الإنسان مقيّداً بالعبودية للدنيا أم لا.. نصح الشيخ قائلاً: «انظر لنفسك أيها الأخ؛ إن وجدتها متعلقة بشيء من الدنيا غير ذي صلة بالآخرة ولو من باب المقدّمات؛ فاعلم أنك مجانب لطريق الحسين عليه السلام، قد قيّدت نفسك بقيود العبودية للدنيا دون أن تشعر».
وعن سبب تركيزه في خطابه هذه السنة على هذه النقطة قال الشيخ: «رأيتُ من المهم أن يتركز خطابنا هذه السنة على ضرورة نبذ الدنيا، فنحن بشر، قد ننقاد من حيث لا نشعر إلى هذه الدنيا تحت مسميات وعناوين مختلفة، ننخدع بما نحن عليه، ونغرق في المزيد فنبتعد عن طريق الحسين (عليه السلام) الذي كان طريقاً يبتعد عن الدنيا تمام البعد، وليست خاتمته إلا الجنة».
وفي ختام كلامه أكد الشيخ على أن «أول ما ينبغي للإنسان أن يتحرّر منه؛ هو الدنيا».