2010 / 02 / 19
جدّد الشيخ ياسر الحبيب دعوة الأمة الإسلامية إلى إحياء ذكرى استشهاد السبط الثالث المحسن بن علي (عليهما السلام) الذي اغتالته يد الإجرام في اليوم الثالث أو الرابع من ربيع الأول سنة عشر للهجرة، وذلك أثناء هجوم عصابة يتزعمها الطاغية عمر بن الخطاب (لعنة الله عليه) على دار سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) لإجبار الخليفة الشرعي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على مبايعة الطاغية أبي بكر بن أبي قحافة (لعنة الله عليه) بعد استيلائه على السلطة في انقلاب سقيفة بني ساعدة بعد استشهاد النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
اعتبر الشيخ الحبيب أن من المؤسف أن تمر هذه الذكرى الأليمة كل عام دون إحيائها بالمستوى المناسب، رغم أنها تعتبر أدهى وأمر وأشد مصيبة مرّت على أهل البيت (عليهم السلام) بنص الروايات، بل وحتى أشد إيلاما من مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام) في كربلاء. فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: ”لا كيوم محنتنا بكربلاء، وإن كان يوم السقيفة وإحراق الباب على أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة، وقتل محسن بالرفسة؛ لأعظم وأمرُّ، لأنه أصل يوم العذاب“. (الهداية الكبرى للخصيبي ص417)
وقال الشيخ أن من اللازم على الأمة الشيعية رفع مستوى الاهتمام بالذكرى المحسنية إلى مستوى ما يُقام في الذكرى الحسينية أو الفاطمية، فتُقام مجالس العزاء في كل مكان، وتُنظَّمَ المواكب والمسيرات، وتشتغل وسائل الإعلام والقنوات الفضائية بتعريف الناس بهذه المظلومية المنسيّة وتذكيرهم بهذا اليوم الأليم الذي فتح باب المصائب على عترة رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.
وأكد الشيخ أن ”رفع مستوى إحياء الذكرى المحسنية إلى مستوى الاستنفار العام كفيل بمنع وردع كل من تسوّل له نفسه المريضة التشكيك في شهادة الزهراء وجنينها السقط المحسن (عليهما وآلهما الصلاة والسلام) وهذا هو بالأصل الهدف من إحياء جميع الشعائر العزائية حتى تبقى تواريخها ومضامينها حية في الذاكرة العامة والوجدان العام فلا يجد المشككون مجالاً للتشكيك وسط هذا السيل الشعبي العارم ويضطرون حينئذ إلى مماشاته وهم صاغرون“.
ونبّه الشيخ إلى أن موسم الحزن والعزاء الذي يبدأ في الأول من محرم من كل عام لا ينتهي كما يظن بعض الناس بانتهاء شهر صفر وذكرى استشهاد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بل يستمر إلى يوم الثامن من ربيع الأول وهو يوم استشهاد الإمام الزكي العسكري سلام الله عليه، فينبغي على المسلم التزام لبس السواد طوال هذه الفترة وتجنب إظهار كل ما ينافي الحزن والمواساة لآل رسول الله (صلوات الله عليهم أجمعين) كإقامة الأفراح والأعراس وما أشبه. ولا يُنزع السواد إلا يوم عيد التاسع من ربيع الأول المشهور باسم (عيد فرحة الزهراء عليها السلام) التزاماً بما جاء عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث وصف هذا اليوم بأنه: ”يوم نزع السواد“. (بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج31 ص127).
• للاستماع إلى: قصة يوم العذاب - المقتل كاملاً
(اضغط هنا)
• لمشاهدة: وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر
(اضغط هنا)
• لمشاهدة: إثبات قيام عمر بن الخطاب بقتل المحسن الشهيد صلوات الله عليه
(اضغط هنا)
• لمشاهدة: مقتل المحسن بن علي عليهما السلام وقصة يوم العذاب
(اضغط هنا)
• للاستماع إلى: ومن يراعي مشاعر المحسن عليه السلام؟
(اضغط هنا)
• للاستماع إلى: خصائص المحسن الشهيد عليه السلام
(اضغط هنا)
• للاستماع إلى: وامحسناه - مجلس عزاء
(اضغط هنا)
اعتاد المؤمنون على سماع صوت الشيخ الحبيب كل عام وهو يقرأ مقتل السبط الشهيد المحسن بن علي (عليهما السلام) بقراءة رثائية. وقد تساءل بعض المؤمنين عن النص الذي يقرأه الشيخ حيث أراد بعض الخطباء وقرّاء العزاء قراءته في المجالس المحسنية، خاصة أنه يتضمن تفاصيل دقيقة لما جرى أثناء هجوم عصابة الانقلابيين على دار الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام.
في واقع الأمر إن هذا النص هو عبارة عن جمع لروايات الفاجعة من مصادر مختلفة قام الشيخ بصياغتها في صورة المقتل على ما تعارف عليه أهل الخطابة والعزاء.
وحيث إنه ازداد الطلب على هذا النص مكتوباً حتى تتسنى قراءته في المجالس المحسنية فإننا نقدّمه أدناه سائلين الله تعالى التوفيق والقبول لجميع المهتمين بإحياء مصائب أهل البيت عليهم السلام.
مقتل السبط الثالث المحسن بن علي عليهما السلام
لما كانت الليلة التي استشهد في صبيحتها رسول رب السماء محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، دعا أهل بيته الطاهرين علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليه وعليهم الباب وأمر النساء بالخروج من الدار وأوقف أم سلمه على الباب لئلا يقربه أحد. ثم أخذ يناجيهم مطولا وهم يبكون على ما جرى لرسول الله في مرضه الذي سببته جرعة السم التي سُقيها في إغماءته من عائشة وحفصة بأمر أبويهما.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): " فما لبثت أن نادتني فاطمة (عليها السلام) فدخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وهو يجود بنفسه - فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال، فقال لي: " ما يبكيك يا علي!؟ ليس هذا أوان البكاء.. فقد حان الفراق بيني وبينك، فأستودعك الله يا أخي! فقد اختارني ربى لما عنده.. وانما بكائي وغمي وحزني عليك وعلى هذه – وأشار إلى فاطمة - أن تضيع بعدي، فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد استودعتكم الله، وقبلكم مني وديعة. يا علي! إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنفذها فهي الصادقة الصدوقة.. " ثم ضمها إليه ولما أراد أن يكلمها غلبته عبرته فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاء شديدا وقالت: يا رسول الله! قد قطعت قلبي وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين، ويا أمين ربه ورسوله، ويا حبيبه ونبيه. من لولدي بعدك؟ ومن لأهل بيتك بعدك؟ من لعلي أخيك وناصر الدين؟ من لوحي الله؟ ثم بكت وأكبت على وجهه تقبّله، فقبل (صلى الله عليه وآله) رأسها وقال: " فداك أبوك يا فاطمة..! " فعلا صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه وقال: " أما والله لينتقمن الله ربي، وليغضبن لغضبك، فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين.. ".
ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترقرقت عبرته. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " فوالله لقد حسبت بضعة مني قد ذهبت لبكائه! وهملت عيناه مثل المطر حتى بلت دموعه لحيته وملاءةً كانت عليه، وهو يلتزم فاطمة لا يفارقها. ورأسه على صدري وأنا مسنده، والحسن والحسين يقبّلان قدميه ويبكيان بأعلى أصواتهما.. "
وبينما هم على تلك الحال وإذا بجبرئيل وميكائيل وسائر الملائكة المقربين ينزلون أفواجا من السماء إلى الأرض ويجتمعون في بيت خاتم النبوة وهم يضجون بالبكاء لرؤياهم بكاء رسول الله وابنته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهما السلام. يقول أمير المؤمنين عليه السلام:لقد رأيت بكاء من فاطمة، أحسب ان السماوات والأرضين قد بكت لها " .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للزهراء عليها السلام: يا بنية! الله خليفتي عليكم وهو خير خليفة، والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله وما حوله من الملائكة والسماوات والأرضون وما فيهما. يا فاطمة! والذي بعثني بالحق لاقومن بخصومة أعدائك، وليندمن قوم أخذوا حقك، وقطعوا مودتك، وكذبوا علي."
ثم دعا رسول الله قائلا: "! ويل لمن ظلمها..! ويل لمن ابتزها حقها..! ويل لمن هتك حرمتها..! ويل لمن شاقها وبارزها.. ويل لمن أحرق بابها..! ويل لمن آذى حليلها.. ! اللهم اني منهم برئ وهم مني براء ". ثم ضم (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة إليه وعليا والحسن والحسين وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وحرب وعدو لمن عاداهم وظلمهم وتقدّمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار. ثم والله يا فاطمة، لا أرضى حتى ترضي، ثم لا أرضى حتى ترضي.
ثم توجه بوجهه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أخيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: اعلم - يا علي! - اني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته".
وقضى أهل بيت الوحي (عليهم السلام) ليلتهم تلك في البكاء والنحيب حيث كانت آخر لحظات عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المظلوم الشهيد المسموم، وفي صبيحة ذلك اليوم وهو يوم الإثنين الثامن والعشرين من شهر صفر للسنة العاشرة من الهجرة، وبعدما استشرى السم في البدن الشريف لخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) وضع رأسه في حجر أخيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقرّب أذنه من فمه وأخذ يلقي عليه علوم النبوة وأسرار الولاية وعلّمه ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب. وبينما كان كذلك عرق جبينه.. وانتفض بدنه.. فأغمض عينيه.. وأسبل يديه.. ثم فاضت روحه الطاهرة.. فسالت بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخذها وأمررها على وجهه إلى أن صعدت لبارئها وبارئ الخلائق أجمعين.
وارتفعت أصوات الخلائق بالبكاء واهتزت السماوات والأرضون لفقد خاتم الأنبياء، وصرخ الحسنان: وا جداه.. وا رسول الله.. ونادت الزهراء: وا أبتاه.. وا محمداه... وا حبيباه... ثم سقطت مغشيا عليها.
رفع أمير المؤمنين (عليه السلام) جثمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهيأه للغسل. يقول سلمان الفارسي: أتيت عليا عليه السلام وهو يغسّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان أوصى أن لا يغسله غير علي وأخبر أنه لا يريد أن يقلّب منه عضوا إلا قلب له، وقد قال أمير المؤمنين لرسول الله: من يعينني على غسلك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: جبرئيل.
فلما غسله وكفنه، أدخل عليه السلام سلمان وأبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا، فتقدم وصفوا خلفه فصلى عليه، وعائشة في الحجرة لا تعلم، قد أخذ جبرئيل ببصرها، ثم جاءت أفواج الملائكة وصفّت خلفه وصلى بهم.
ولما تنامى العلم بأن رسول الله المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ارتحل إلى جوار ربّه، ضجت المدينة بالبكاء والعويل، وتوافد المهاجرون والأنصار على بيت النبوة والرسالة، فأدخل أمير المؤمنين (عليه السلام) عشرة من هؤلاء وعشرة من هؤلاء فيصلون ويخرجون بالتناوب، حتى لا يبقى أحد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه.
ولما رأى عمر بن الخطاب (عليه اللعنة) توافد الناس على بيت النبوة، وكان أبو بكر غائبا إذ كان في السنح في أعالي المدينة، خشي أن يبايعوا لوصي رسول الله وخليفته على أمته الإمام علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وأن تذهب أمانيه وأماني صاحبه بالخلافة، فطفق يحاول تأخير أمر البيعة للخليفة الشرعي، فأشهر سيفه وأخذ يجول في طرقات المدينة يتوعّد أهلها وهو يكذب ويقول: ما مات رسول الله ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال، وأرجلهم ممن أرجف بموته. إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، وإن رسول الله والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل قد مات. والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، يزعمون أن رسول الله مات. ألا لا أسمع رجلا يقول: مات رسول الله إلا ضربته بسيفي.
وأرسل عمر سالم بن عبيد إلى أبي بكر ليخبره بوفاة رسول الله وضرورة مجيئه لئلا تضيع الفرصة، فجاء أبو بكر مسرعا، ولما أن تلقّاه عمر سكن وقد كان للتو يحلف بالله أن رسول الله ما مات! فقال له أبو بكر: أيها الحالف على رسلك! ثم قال: من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت. فهدأت فورة عمر وأظهر أنه قد أفاق من سكرته. وكان قصده من كل هذا أن يؤخر البيعة لعلي عليه السلام حتى يأتي أبو بكر فيبرمها له حيلةً.
وبينما كان أهل بيت النبي مشغولين بالمصيبة العظمى والنازلة الكبرى وهم مجتمعون للعزاء والسلوى؛ كان أهل النفاق يطمعون بالخلافة والسلطة ويعدّون العّدة لاغتنام الغنيمة، فترك أبو بكر وعمر ومن إليهما جنازة رسول الله ولم يحضروها ولم يصلوا عليه، وتراكضوا يتعادون إلى سقيفة بني ساعدة بعدما علموا أن الأنصار مجتمعون هناك لإبرام أمر الخلافة. فسارعوا إليهم ينازعونهم في الأمر، ووقعت الفرقة، فهذا يتوعد، وذاك يهدد، وقيل منا أمير ومنكم أمير، ولعن بعضهم بعضا، وأطلت الفتنة بقرنيها، حتى حسمها الشيطان لحليفه، فاحتال عمر لأن تتم فلتة البيعة لأبي بكر بن أبي قحافة.
وجاء العباس عم النبي إلى أمير المؤمنين وقال له: يا علي.. ابسط يدك أبايعك فيقال عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله، ويبايعك أهل بيتك، فإن هذا الأمر إذا كان لم يُقَل. فأبى علي عليه السلام وقال: ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟
وبينا هما كذلك، إذ سمعا بصوت التكبير والتهليل بمسجد النبي صلى الله عليه وآله، وإذا بأبي بكر يحوطه عمر وأبو عبيدة بن الجراح وسائر الناس قد جاؤوا به يزفّونه زفّ العروس ليرتقي المنبر معلنا بداية ولايته وحكمه، فقال علي عليه السلام متعجبنا: "ما هذا؟!" فقال له العباس: "ما رئي مثل هذا قط، أما قلت لك؟!" وصاحت فاطمة عليها السلام: وا سوء صباحاه! فسمعها أبو بكر فقال: إن صباحك لصباح سوء!
وغضب بعض الأصحاب في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) من بيعة أبي بكر، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد بايعهم لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير. فانحاز سلمان والمقداد وأبو ذر والزبير وطلحة والعباس وجماعة من بني هاشم إلى بيت علي عليه السلام. فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيدبن حضير، وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقال لهم: بايعوا أبابكر! فقد بايعه الناس! فوثب الزبير إلى سيفه، فقال عمر: عليكم بالكلب فاكفونا شره.. فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده، فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبابكر! فقد بايعه الناس، وايم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف.. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع، حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: بايع أبابكر، فقال علي (عليه السلام): " أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأخذونه منا أهل البيت غصبا؟! ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعطوكم المقادة، وسلموا لكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيا وميتا. ( وأنا وصيه ووزيره، ومستودع سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر، أول من آمن به وصدقه، وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنة، وأفقهكم في الدين، وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لسانا، وأثبتكم جنانا، فعلام تنازعونا هذا الأمر..؟! ) أنصفونا - إن كنتم تخافون الله - من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون. يا معاشر المهاجرين والأنصار! الله الله ( لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري و ) لا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم وتدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس، يا معاشر الجمع! ( إن الله قضى وحكم ونبيه أعلم وأنتم تعلمون ) إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنه لفينا لا فيكم، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا، وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم.. ( فقال عمر: أما لك بأهل بيتك أسوة..؟! فقال علي (عليه السلام): " سلوهم عن ذلك.. "، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم، فقالوا: ما بيعتنا بحجة على علي (عليه السلام).. ومعاذ الله أن نقول أنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد، والمحل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ) فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها. فقال علي (عليه السلام): " احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا أقبل قولك، ولا أحفل بمقامك.. ولا أبايع "
فقال بشيربن سعد الأنصاري وكان ممن وطأ الأمر لأبي بكر - وقالت معه جماعة من الأنصار ): يا أباالحسن! لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك قبل الانضمام لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان (.. فقال علي (عليه السلام): " يا هؤلاء أكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه؟! ! " ) لبيعتي كانت قبل بيعة أبي بكر، شهدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر الله بها.. أو ليس قد بايعني؟ !... فما بالهما يدعيان ما ليس لهما وليسا بأهله ". والله ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه، ولا علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك يوم غدير خم لأحد حجة، ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ".. أن يشهد بما سمع ".
قال زيدبن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك، وكنت ممن سمع القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتمت الشهادة يومئذ فذهب بصري. وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشى عمر أن يُصغى ألى قول علي (عليه السلام) ففسخ المجلس وقال: إن الله تعالى يقلب القلوب والأبصار. فانصرفوا يومهم ذلك.
فجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيته معتزلا القوم، واشتغل بجمع القرآن ونظمه كما أوصاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فأكثر الناس في تخلفه عن بيعة أبي بكر، وبدأوا يتلاومون على خذلانهم لوصي رسول الله وبيعتهم لأبي بكر، فامتنع بعض الناس عن البيعة، فغاظ ذلك أبا بكر وعمر، فأرسل عمر إلى رجال من الأعراب ليستعين بهم على إكراه الناس على بيعة أبي بكر. يقول زائدة بن قدامة: كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليمتاروا منها، فشغل الناس عنهم بموت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فشهدوا البيعة وحضروا الأمر، فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: اخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه.. قال زائدة: فوالله لقد رأيت الأعراب قد تحزموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاؤوا بهم مكرهين إلى البيعة.
وتوافد بعض المهاجرين والأنصار على بيت النبوة وقالوا لعلي عليه السلام: أنت والله أمير المؤمنين، وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هلم يدك نبايعك: فوالله لنموتن قدامك، لا والله لا نعطي أحدا طاعة بعدك. قال (عليه السلام): " ولم؟ " قالوا: إنا سمعنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيك يوم غدير. قال (عليه السلام): " وتفعلون؟ " قالوا: نعم. قال (عليه السلام): إن كنتم صادقين فاغدوا علي غدا محلقين.. ". فما أتاه إلا سلمان وأبوذر والمقداد وقيل الزبير وعمار أتاه بعد الظهر، فلما رأى أمير المؤمنين ذلك قال لهم: ارجعوا، فلا حاجة لي فيكم، أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس، فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد !؟
ثم إن عمر أتى أبابكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فإن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر..! أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع.. يا هذا! ليس في يديك شئ منه مالم يبايعك علي، فابعث إليه حتى يأتيك فيبايعك، فإنما هؤلاء رعاع.. فبعث أبو بكر إلى علي عليه السلام قنفذا فقال له: اذهب فقل لعلي: أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر: قال لك: " والله ما استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدا غيري، لسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وارتددتم، يا قنفذ قل لأبي بكر: إنك لتعلم من خليفة رسول الله "، فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فأبلغه الرسالة فقال أبوبكر: صدق علي..! ما استخلفني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال عمر: يا قنفذ.. ارجع إليه فقل: خليفة المسلمين يدعوك. فرجع قنفذ إلى علي فأدى الرسالة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "من استخلف مستخلفا فهو دون من استخلفه، وليس للمستخلَف أن يتأمر على المستخلِف"!
ولما عاد قنفذ وأدى الرسالة، غضب عمر ووثب وقام، وقال: ألا تضم هذا المتخلف عنك بالبيعة..؟! فقال أبوبكر: اجلس، ثم قال لقنفذ: اذهب إليه فقل له: أجب أمير المؤمنين أبابكر.. فأقبل قنفذ حتى دخل على علي (عليه السلام) فأبلغه الرسالة، فقال: "كذب والله! انطلق إليه فقل له: لقد تسميت باسم ليس لك، فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك، سبحان الله! ما والله طال العهد فينسى، والله إنه ليعلم إن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وهو سابع سبعة - فسلموا علي بإمره المؤمنين" فرجع قنفذ فأبلغهما.
فوثب عمر غضبان فقال: والله إني لعارف بسخفه! وضعف رأيه! وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله.. فخلني آتيك برأسه، فقال أبوبكر: اجلس! فأبى، فأقسم عليه فجلس، ثم قال: يا قنفذ! انطلق فقل له: أجب أبابكر.. فأقبل قنفذ فقال: يا علي! أجب أبابكر، فقال علي (عليه السلام): "إني لفي شغل عنه، وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي وأوصاني إذا واريته في حفرته: أن لا أخرج من بيتي حتى أؤلف كتاب الله فإنه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل".
فسكتوا عنه أياما، فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادى علي (عليه السلام) بأعلى صوته: "أيها الناس! إني لم أزل مذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغولا بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسول آية منه إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلمني تأويلها.. لئلا تقولوا غدا إنا كنا عن هذا غافلين، لا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي.. ولم أذكركم حقي.. ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته". فقال له عمر مستهزئا: ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه! فدخل أمير المؤمنين (عليه السلام) بيته واعتزل القوم.
فلما كان الليل حمل علي (عليه السلام)، فاطمة (عليها السلام) على دابة، وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أتاه في منزله، وناشدتهم الزهراء حقه ودعتهم إلى نصرته، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به..! فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه..؟! " فقالت فاطمة (عليها السلام): " ما صنع أبوالحسن إلا ما كان ينبغي له وقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم".
فما استجاب منهم رجل غير أربعة، حلقوا رؤوسهم وبذلوا له نصرتهم، فلما أن رأى علي (عليه السلام) خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته مجددا .
ومضت أيام قلائل، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع؟! وإن لم تفعل لأفعلن. ثم خرج مغضبا وجعل ينادي القبائل والعشائر: أجيبوا خليفة رسول الله! فأجابه الناس من كل ناحية ومكان حتى اجتمع عنده ثلاثمئة رجل من الأوباش، فدخل بهم على أبي بكر وقال: قد جمعت لك الخيل والرجال. وكان من هؤلاء: عثمان بن عفان، وخالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، والمغيرة بن شعبة، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، وقنفذ ابن عم عمر، وأسيد بن خضير، وسلمة بن سلامة، وهرمز الفارسي، وآخرون.
فقال أبوبكر لعمر: من نرسل إليه؟ قال عمر: نرسل إليه قنفذا فهو رجل فظ غليظ جاف، فأرسله وأرسل معه أعوانا، وقال له: أخرجهم من البيت فإن خرجوا وإلا فاجمع الحطب على بابه، وأعلمهم إنهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا. فانطلق قنفذ واستأذن على علي (عليه السلام) فأبى أن يأذن لهم، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما جالسان في المسجد والناس حولهما - فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا! فإن أذن لكم وإلا فادخلوا بغير إذن.. فانطلقوا استأذنوا، فقالت فاطمة (عليها السلام): "أحرج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذن" فرجعوا وثبت قنفذ، فقالوا: إن فاطمة قالت: كذا وكذا.. فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن. فوثب عمر غضبان ونفخ شاربه وقال: ما لنا وللنساء..؟! فنادى خالدبن الوليد وقنفذا فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا وقال أبوبكر لعمر: إئتني به بأعنف العنف. .! وأخرجهم وإن أبوا فقاتلهم!
فأتوا بالحطب، والنار، وجاء عمر ومعه فتيلة من نار وهو يصرخ قائلا: إن أبوا أن يخرجوا فيبايعوا أحرقت عليهم البيت.. فقيل له: إن في البيت فاطمة والحسنان؟! قال: وإن!! فساروا إلى منزل علي (عليه السلام) وقد عزموا على إحراق البيت بمن فيه. يقول أبي بن كعب: فسمعنا صهيل الخيل، وقعقعة اللجم، واصطفاق الأسنة، فخرجنا من منازلنا مشتملين بأرديتنا مع القوم حتى وافوا منزل علي (عليه السلام). وكانت فاطمة (عليها السلام) قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما رأتهم أغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك أن لا يدخلوا عليها إلا بإذنها، فقرعوا الباب قرعا شديدا ورفعوا أصواتهم وخاطبوا من في البيت بخطابات شتى، ودعوهم إلى بيعة أبي بكر، وصاح عمر: يابن أبي طالب! افتح الباب..! والله لئن لم تفتحوا لنحرقنه بالنار..! والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم..! اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك..! إن لم تخرج يابن أبي طالب وتدخل مع الناس لأحرقن البيت بمن فيه..! يابن أبي طالب! افتح الباب وإلا أحرقت عليك دارك..! والله لتخرجن إلى البيعة ولتبايعن خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلا أضرمت عليك النار..! يا علي! اخرج وإلا أحرقنا البيت بالنار..!
فخرجت فاطمة (عليها السلام) فوقفت من وراء الباب، فقالت: " أيها الضالون المكذبون! ماذا تقولون؟ وأي شئ تريدون؟ " فقال عمر: يا فاطمة! فقالت: " ما تشاء يا عمر؟ " قال: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟ فقالت: " طغيانك يا شقي أخرجني وألزمك الحجة.. وكل ضال غوي ". فقال: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء! ! وقولي لعلي يخرج. فقالت: " لاحب ولاكرامة، أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر؟! وكان حزب الشيطان ضعيفا ". فقال: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها نارا على أهل هذا البيت وأحرق من فيه، أو يقاد علي إلى البيعة..! فقالت فاطمة (عليها السلام): " يا عمر! ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه؟ " فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم.. يا فاطمة! أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ويدخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا والله أضرمت عليهم نارا.. ادخلوا فيما دخلت فيه الأمة..! يا فاطمة! ما هذا المجموع الذي يجتمع بين يديك؟ لئن انتهيت عن هذا وإلا لأحرقن البيت ومن فيه أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه..! فقالت فاطمة (عليها السلام): " أفتحرق علي ولدي؟! " فقال: إي والله أو ليخرجن وليبايعن. فقالت عليها السلام: " يابن الخطاب! أتراك محرقا علي بابي؟! " قال: نعم. قالت: " ويحك يا عمر! ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله؟! تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتطفئ نور الله والله متم نوره؟! " فقال: كفي يا فاطمة! فليس محمد حاضرا! ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله! وما علي إلا كأحد من المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا..! فقالت - وهي باكية -: " اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك، وارتداد أمته علينا، ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل ". فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حماقات النساء! فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة..! ! فقالت: " يا عمر! أما تتقي الله عز وجل.. تدخل على بيتي، وتهجم على داري؟! " فأبى اللعين أن ينصرف، ثم أمر بجعل الحطب حوالي البيت وانطلق هو بنار وأخذ يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها. فنادت فاطمة (عليها السلام) بأعلى صوتها: " يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ". فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وبقي عمر ومعه قوم، فأدخل قنفذ يده يروم فتح الباب.. فأخذت فاطمة (عليها السلام) بعضادتي الباب تمنعهم من فتحه، وقالت: " ناشدتكم الله وبأبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكفوا عنا وتنصرفوا " فدعا بالنار وأضرمها في الباب، فأخذت النار في خشب الباب، ودخل الدخان البيت، فدفع عمر الباب برجله، فكسره ودخل مع الأوغاد، وكانت الزهراء خلف الباب تصيح، فألجأها اللعين إلى عضادة الباب وعصرها بين الباب والحائط عصرة شديدة قاسية حتى كادت روحها أن تخرج، فكسر ضلعا من أضلاعها، ونبت مسمار الباب في صدرها فنبع منه الدم، ثم لطم عمر خدّها حتى احمرت عينها وانقطع قرطها وتناثر إلى الأرض، ثم رفسها رفسة، ثم رفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، ورفع السوط فضرب بها ذراعها، ثم ضربها بالسوط على عضدها حتى التوى عليه وصار كالدملج الأسود، ثم جعل يضرب على كتفها، فرآها المغيرة بن شعبة فلطمها لطمة أخرى حتى أدماها، ثم سلّ خالد بن الوليد سيفا ليضربها به، ثم لكزها قنفذ بنعل السيف، ثم ضربها بالسوط مرة أخرى على ظهرها وجنبها إلى أن أنهكها، ثم رفس عمر بطنها رفسة أخرى حتى سقطت أرضا والنار تسعر وجهها وجسدها، فأسقطت جنينها المحسن الشهيد.
وصرخت صرخة جعلت أعلى المدينة أسفلها، وصاحت: " يا أبتاه! يا رسول الله! هكذا يصنع بحبيبتك وابنتك.. آه يا فضة! إليك فخذيني فقد والله قتل اللعين ما في أحشائي "، فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمر العين حاسرا، حتى ألقى ملاءته عليها وضمها إلى صدره وصاح بفضة: " يا فضة! مولاتك! فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة.
ثم وثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهمّ بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أوصاه به من الصبر والطاعة، فقال: " يا ابن صهّاك! والذي أكرم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلمت أنك لا تدخل بيتي ". فأرسل عمر يستغيث وهو تحت رجلي أمير المؤمنين، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج علي (عليه السلام) بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدته، فقال أبوبكر لقنفذ: ارجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار..! فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه، والتزم هو بأمر رسول الله بالصبر، فلم يقاومهم، فألقوا في عنقه حبلا وأخرجوه ملببا بثيابه يجرونه إلى المسجد، فتمالكت الزهراء نفسها وحالت بينهم وبينه وصاحت: " والله لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت.. "
فاستُخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله مكرها مسحوبا، وانطلقوا به، يسوقونه سوقا عنيفا، ويقودنه كما يقاد الجمل المخشوش وسط السيوف المشرعة وهو ساخط القلب، هائج الغضب، شديد الصبر، كاظم الغيظ. فجيء به مرهقا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة من الرجال .. واتبعه سلمان وأبوذر والمقداد وعمار وبريدة، وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم. وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر! أتيت على أخي رسول الله ووصيه وعلى ابنته فتضربها، وأنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به يا ابن صهّاك! ! وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتألم ويتظلم وهو يقول: " أما والله لو وقع سيفي في يدي، لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبدا، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم ولو كنت استمسك من أربعين رجلا لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني.. واجعفراه..! ولا جعفر لي اليوم، واحمزتاه..! ولا حمزة لي اليوم".
فمروا به على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقف عند القبر وقال: " يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) " فخرجت يد من قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرفون أنها يده، وصوت يعرفون أنه صوته نحو أبي بكر: "يا هذا! أَ كفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا؟!" وقال سلمان حينما رأى ذلك: أ يُصنع ذا بهذا؟ والله لو أقسم على الله لانطبقت ذه على ذه (أي لانطبقت السماء على الأرض)! وقال أبوذر: ليت السيوف عادت بأيدينا ثانية! ثم خرجت فاطمة (عليها السلام) واضعة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رأسها آخذة بيدي ابنيها - وهي تبكي وتصيح فنهنهت من الناس - فما بقيت هاشمية إلا خرجت معها فصرخت وولولت ونادت: " يا أبابكر! ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله.. خلوا عن ابن عمي..، مالي ولك يا أبابكر؟! أتريد أن تؤتم ابنيّ وترملني من زوجي؟! والله لئن لم تكف عنه لأنشرنّ شعري، ولأشقنّ جيبي، ولآتين قبر أبي، ولأصيحنّ إلى ربي.. فما صالح باكرم على الله من ابن عمي، ولا ناقة صالح بأكرم على الله مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي.. " فقال علي (عليه السلام) لسلمان: " أدرك ابنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان، والله إن نشرت شعرها، وشقت جيبها، وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربها، لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها.. " يقول سلمان عليه السلام: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقطعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ. فأسرعت إليها وقلت لها: يا بنت محمد! إن الله بعث أباك رحمة.. فارجعي. فقالت: " يا سلمان! يريدون قتل علي، ما على علي صبر "! فقلت: يا سيدتي ومولاتي.. إني أخاف أن يُخسف بالمدينة، وعلي (عليه السلام) بعثني إليك يأمرك أن ترجعني إلى بيتك. فقالت: " إذن أرجع وأصبر وأسمع له وأطيع " فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا.
ثم عدلت (عليها السلام) بعد ذلك إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله)، فأشارت إليه بحزنة ونحيب وهي تقول:
نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفراتِ
لا خير بعدك في الحياة وإنما * أبكي مخافة أن تطول حياتي
ثم قالت: " وا أسفاه عليك يا أبتاه، واثكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن، وأبوسبطيك الحسن والحسين، ومن ربيته صغيرا وواخيته كبيرا، وأجل أحبائك لديك، وأحب أصحابك عليك، أولهم سبقا إلى الاسلام، ومهاجرة إليك يا خير الأنام.. فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير ". ثم إنها أنت أنة وقالت: " وامحمداه..! واحبيباه.. !، وا أباه..! وا أبا القاسماه..! وا أحمداه..! وا قلة ناصراه..! وا غوثاه وا طول كربتاه..! واحزناه..! وا مصيبتاه..! وا سوء صباحاه..! " وخرت مغشية عليها، فضج الناس بالبكاء والنحيب، وصار المسجد مأتما.
فقال علي (عليه السلام): " ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيكم، يا أبابكر! بأي حق.. وبأي ميراث.. وبأي سابقة..! تحث الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فجلس عمر على ركبتيه وحسر عن ذراعيه، وانتهر عليا (عليه السلام) وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل، فقال له (عليه السلام): " فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ " قالوا: نقتلك ذلا وصغارا. فقال عليه السلام: " إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ". قال عمر أما عبد الله فنعم، أما أخا رسول الله فلا. فقال علي (عليه السلام): " أما والله لولا قضاء من الله سبق وعهد عهده إلي خليلي لست أجوزه لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا ". ثم أقبل علي (عليه السلام) عليهم فقال: " يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار! أنشدكم الله أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم.. كذا وكذا، وفي غزوة تبوك.. كذا وكذا.. " فلم يدع أمير المؤمنين (عليه السلام) شيئا قاله فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علانية للعامة إلا ذكرهم إياه. فقالوا: اللهم نعم، فلما تخوف أبوبكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه.. بادرهم فقال: كل ما قلت حق، قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول بعد هذا: إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة. فقال علي (عليه السلام): " هل أحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهد هذا معك؟ " فقال عمر: صدق خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سمعنا هذا منه كما قال، وشهد أبوعبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذبن جبل زورا على ذلك أيضا. فقال علي (عليه السلام): " لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي قد تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو مات لتزوُّن هذا الأمر عنا أهل البيت، فقال أبوبكر: فما علمك بذلك؟! ما اطلعناك عليها؟! فقال علي (عليه السلام): " أنت يا زبير.. وأنت يا سلمان.. وأنت يا أباذر.. وأنت يا مقداد.. أسألكم بالله وبالإسلام أما سمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ذلك وأنتم تسمعون: " إن فلانا وفلانا.. حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا؟ " فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يزووا عنك هذا يا علي "، فقلت: " بأبي أنت يا رسول الله! فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ " فقال لك: " إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن لم تجد أعوانا فبايعهم واحقن دمك ". فقال علي (عليه السلام): " أما والله لو أن اؤلئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن - أما والله - لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة. وفي ما يكذّب قولكم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قول الله: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما).
فقام بريدة فقال: يا عمر! ألستما اللذين قال لكما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " انطلقا إلى علي (عليه السلام) فسلما عليه بإمرة المؤمنين "، فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ فقال: " نعم ". فقال أبوبكر: قد كان ذلك يا بريدة ولكنك غبت وشهدنا والأمر يحدث بعده الأمر. وفي رواية قال أبوبكر: قد كان ذلك، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال - بعد ذلك -: لا يجتمع لأهل بيتي الخلافة والنبوة. فقال: والله ما قال هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال عمر: ما أنت وهذا يا بريده! وما يدخلك في هذا؟ قال بريدة: والله لاسكنت في بلدة أنتم فيها أمراء.. فأمر به عمر فضرب وأخرج. ثم قام سلمان فقال: يا أبابكر! اتق الله وقم عن هذا المجلس ودعه لأهله، يأكلوا به رغدا إلى يوم القيامة، لا يختلف على هذه الامة سيفان.. فلم يجبه أبوبكر، فأعاد سلمان فقال مثلها، فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر وما يدخلك فيما هاهنا؟ فقال: مهلا يا عمر! قم يا أبابكر عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به والله خضرا إلى يوم القيامة، وإن أبيتم لتحلبن به دما، وليطمعن فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون، والله لو أعلم أني أدفع ضيما أو أعز لله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدما قدما، أتثبون على وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!! فابشروا بالبلاء.. واقنطوا من الرخاء. ثم قام أبوذر فقال: أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها المخذولة بعصيانها..! إن الله يقول: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم، والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وهم كالسماء المرفوعة، والجبال المنصوبة، والكعبة المستورة، والعين الصافية، والنجوم الهادية، والشجرة المباركة، أضاء نورها، وبورك زيتها.. محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم، وعلي وصي الأوصياء، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وهو الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، ووصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ووارث علمه، وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم، كما قال الله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فقدموا من قدم الله، وأخروا من أخر الله، واجعلوا الولاية والوزارة لمن جعل الله.. ثم قام أبوذر والمقداد وعمار فقالوا لعلي (عليه السلام): ما تأمر؟ والله إن أمرتنا لنضربن بالسيف حتى نقتل. فقال علي (عليه السلام): " كفوا رحمكم الله! واذكروا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أوصاكم به.. " فكفوا.
وأما الزهراء فاطمة (عليها السلام)، فظلت آثار ضربها وعصرها في جسدها الشريف، وظلت مريضة عليلة حزينة ، ولزمت الفراش، ونحل جسمها، وذاب لحمها، وصارت كالخيال، ولم تدع أحدا ممن آذاها يدخل عليها، وما رئيت ضاحكة إلى أن قبضها الله إلى جواره شهيدة مظلومة مقهورة. ودفنها زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلا إذ أوصته بأن لا يصلي عليها أحد ممن ظلمها.