في جلسة ثنائية خاصة جمعتني بسيدنا المجدد الشيرازي الثاني رضوان الله عليه قبل ما يربو على عشرين عاما؛ كان قد عبَّر عن حزنه لما يرتكبه النظام الحاكم في إيران من «تدمير للدين باسم الدين»، وما زلت أتذكر كيف احمرَّت عيناه من الأسى وتغيَّرت نبرة صوته من الحسرة وهو يتحدث مهموما مغموما.
وما شهدته إيران أخيرا هو من شواهد ذلك، إذ اشتعل الشارع غضبا في مظاهرات احتجاجا على موت فتاة على إثر التعذيب بعد اعتقالها لتبرجها وعدم التزامها بالحجاب التام. وقد تخلل هذه المظاهرات مزيد من مظاهر التفسخ والانحلال الأخلاقي كنوع من التحدي والعصيان، شملت قيام مزيد من الفتيات بخلع الحجاب علانية، والهتاف بشعارات فيها سب فاحش لعلماء الدين وتهديدهم بالموت.
وغير مستور عن أحد أن النفور من الدين وأهله بات - مع شديد الأسف - في ازدياد لدى الإيرانيين في الداخل والخارج، ولا سيما لدى الطبقات الشابة، حتى مرق منهم من مرق إلى الإلحاد والكفر الصريح. ولا ينافسهم في هذا المروق إلا «السعوديون» - وحقَّت النسبة - حيث تتزايد لديهم مظاهر الإلحاد والفسق والدياثة مع شديد الأسف أيضا.
وهذا كله نتيجة متوقعة لعقود من سياسات القهر والتنكيل التي حين تتخذ غطاء دينيا فإنها لا تدفع المجتمع إلا إلى النفور من الدين.
هذا ما اتبعه نظام خميني المشؤوم نهجا وأسلوبا له منذ قيامه. إنها معالجة الأمور بالدموية والوحشية والرعونة، لا بالحلم والحكمة والرفق. وليس هذا يعني أن تترك الحزم؛ إنما يعني أن لا تتجاوز الحد، فأي داعٍ كان لتجاوز الحد وضرب تلك الفتاة وتعريضها لإصابات تؤدي لوفاتها وإفجاع أهلها بها؟! ومتى كان في ديننا شيء من هذا الهتك لإماء الله وإن كُنَّ خاطئات؛ اللهم إلا أن يكون في دين عمر؟!
ثم انظر كيف يتمادى هذا النظام الجائر ولا يتعظ، فبدلا من أن يحتوي ما وقع ويمتص نقمة الناس؛ تراه يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين موقعا عشرات من القتلى والجرحى! وموغِّرا صدور الأهالي أكثر فأكثر. ولا عجب؛ فهذا النظام لا يعرف إلا لغة الدم والبطش، ولا يبالي بما يهدمه من إيمان الناس بالإسلام والحكم الإسلامي جراء هذه الوحشية والهمجية.
إن هذا السلوك من هذا النظام قديم قدم تأسيسه، قد زرعه وسقاه مؤسسه المقبور، ففي عهده كانت الإذاعة الإيرانية تجري مقابلات متنوعة في الشارع، وجرى أن تكلمت إيرانية في إحدى المقابلات معبرة عن شديد إعجابها بشخصية بطلة مسلسل ياباني كان يبثه التلفزيون الحكومي، وخانها التعبير فقالت ما مضمونه أن نساء إيران عليهن تعلم الصبر والتحمل والكفاح من قدوات معاصرة كهذه البطلة اليابانية، لا من قدوات تاريخية كالسيدة الزهراء عليها السلام. وإنما أرادت أنه إذا كان يصعب الاقتداء بالقدوات التاريخية لتغاير الظروف الزمانية؛ فثمة «قدوات» تعيش في ظروفنا الزمانية نفسها؛ فلتُتَّخذ قدوة.
إلا أن خميني كعادته في الطيش والاستهانة بالدماء؛ ما إن بلغ مسامعه ما قالت المرأة حتى حكم عليها بالإعدام! وضمّ إليها المذيعة ومخرج المقابلة أيضا! وبعد توضيحات واسترحامات؛ خفّف عنهم حكم الإعدام إلى عقوبة أخف! هكذا جعل هؤلاء «الحكم الإسلامي» شيئا مرعبا مع أنه بالأصل حكم قوامه العدل والرحمة، ولئن لم ينتهِ هؤلاء عن هذا النهج فلا محالة سيصل هذا الشعب إلى نقطة الانفجار يوما، والخشية أن لا يكون انقلابه على «الحكم الإسلامي» فحسب؛ بل على الإسلام نفسه إذ يظن أن هذا الذي يرتكبه خامنئي وأزلامه هو الإسلام! ومع ذلك لا عذر لهذا الشعب ولا لغيره، فدين الله بريء من ممارسات الحكام.