1 شوال 1443

بدعوة من مسجد السبط الثالث المحسِّن الشهيد عليه السلام أمَّ سماحة الشيخ الحبيب المصلين لصلاة عيد الفطر السعيد لهذا العام 1443 هـ في أرض فدك الصغرى، حيث توافد إلى الصلاة جمع من المصلين.

وأدناه نص الخطبتين كاملتين:

بسم الله الرحمن الرحيم

[الخطبة الأولى]

القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد ..

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته. نحمده في جميع أموره، ونستعينه على رعاية حقوقه. ونشهد أن لا إله غيره، وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، أرسله بأمره صادعا، وبذكره ناطقا، فأدى أمينا، ومضى رشيدا، وخلَّف فينا ما إن تمسكنا بهما لن نضل بعده، كتاب الله الذي أنزله عليه، وعترته التي هي منه وإليه.

اللهم صل على محمد وعترته، واحشرنا في زمرته، وأدخلنا الجنة بشفاعته، في دار الكرامة، ومحل الإقامة. اللهم وكما أكرمتنا بمعرفته، فارزقنا نصرته، ووفقنا لنشر دعوته، واجعلنا ممن يسلم لأمره ووصيته، ويكثر الصلاة عليه عند ذكره، وعلى جميع خلفائه وأوصيائه، الأئمة الاثني عشر، النجوم الزهر، والحجج على جميع البشر.

أما بعد عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله (فإن الله يحب المتقين) (فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).

واعلموا أن هذا اليوم؛ إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو يوم عيد، كما قال إمام المتقين أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

ولقد مرَّ السبط الأكبر الحسن عليه السلام في مثل هذا اليوم بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم وقال: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه، والمسيءَ مشغول بإساءته عن ترجيل شعرٍ وتصقيلِ ثوب. ثم مضى الإمام صلوات الله عليه.

فجدّدوا -عباد الله- لربكم في هذا اليوم توبةً تستنزل الرحمة، فإنه قد (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

ثم اعلموا -أيها المؤمنون- أنكم إذا أردتم أن يكون الله معكم؛ يكفِّر برحمته سيئاتكم، ويجعل في جنته مساكنكم؛ فعليكم أن تجعلوا ما وصف في كتابه أوصافكم. (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)

إقامة الصلاة.. فتعاهدوا أمرها، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقرّبوا بها، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: “جعل الله جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة، وحبَّب إليَّ الصلاة كما حبَّب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء. وإن الجائع إذا أكل شبِع، والظمآنَ إذا شرب روي، وأنا لا أشبع من الصلاة”. وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: إن الصلاة لتحتُّ الذنوب حتَّ الورق عن الشجر، وإنها تستنزل الرحمة، وهي حصن من سطوات الشيطان. وكان صادق العترة عليهم السلام يقول: أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء عليهم السلام.

ثم إيتاء الزكاة.. التي قرنها الله بالصلاة في كتابه، وجلها قربانا لأهل دينه، فمن أعطاها طيِّب النفس بها فإنها تُجعل له كفّارة، ومن النار حجازا ووقاية. وأختها الصدقة التي يُقرض العبد بها ربّه، الذي مَن أقرضه قضاه، ومن شكره جزاه، ومن سأله أعطاه، ومن توكّل عليه كفاه.

ثم الإيمان برسل الله وأوليائه.. وتعزيرُهم والذب عنهم، وإرشاد البشرية لاتباع سبيلهم، (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (*) وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). ولقد كان من نبأ يد المرسلين صلى الله عليه وآله؛ يوم انتصب في غدير خم لنصب أخيه أمير المؤمنين عليه السلام؛ أن قال: “معاشر الناس؛ إن الله قد أمرني ونهاني وقد أمرتُ عليِّا ونهيته، فعلم الأمر والنهي من ربه، فاسمعوا لأمره تسلموا وأطيعوه تهتدوا وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله. معاشر الناس؛ أنا الصراط المستقيم الذي أُمرتم باتباعه، ثم عليٌّ من بعدي، ثم ولدي من صلبه أئمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون”.

ولقد أقسم باقر علوم النبيين، الإمام أبو جعفر محمد بن علي عليهم السلام، أن السبل المتفرقة التي تفرّقنا عن السبيل وتبعدنا عن الصراط المستقيم؛ إنما هي ولاية أبي بكر وعمر، عليهما لعائن الله. فلا ينبغي لمن في قلبه مقدار ذرة من الإيمان؛ أن يتهاون في دعوة الخلق إلى هذا الأمر، إلى الولاية والبراءة، حتى تجتمع البشرية على سبيل الله؛ صراط الله؛ حبل الله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (*) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (*) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (*) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (*) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (*) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

ولقد كان من نعم الله علينا؛ ولطفه بنا؛ أن أخذ بنواصينا بعيدا عما استهلك أقوامٌ آخرون منا فيه نفوسهم، واستنفدوا فيه مواردهم، وصرفوا فيه أعمارهم، مما بان أن عاقبته الفناء، أو كان في الشبكة كمثل الهواء، لا أحيى حقا ولا أمات باطلا، ولا أقام عدلا ولا أسقط جورا، ولا أحدث تحوّلا ولا غيَّر مجرى.

كنا -على خلافهم- نؤمن بأن المستقبل هو للتشيع، عملا عقديا وثقافيا دؤوبا، يتحرر به الإنسان الشيعي، ويستعيد به وجدانه الرافضي، ويسترد به تفوقه الحضاري، يمتلك الثقة بنفسه، ويخاطب العالم بأسره، مفصحا عن دعوته، صريحا في منطقه، بعزم أكيد، وقلب كزبر الحديد، حتى يدخل الناس في دين الله أفواجا، ويُسمع نداء الولاية والبراءة في مشارق الأرض ومغاربها، وإنكم لتسمعونه اليوم في غير بلد ومحل، حتى لقد رُفع في عواصم كبرى مع ظهور الفيلم العالمي سيدة الجنة عليها السلام، الذي أحيى أمرها في بلدان لم تكن تعرفها من قبل، حتى رقّت القلوب، ودمعت العيون، وتعلّقت الأرواح بهذه الصديقة القديسة، المظلومة الشهيدة، التي أريد محو آثار الجريمة التي ارتُكبت في حقها؛ فأبى الله تعالى إلا أن يظهرها، وكنتم أنتم خير معين على ذلك، فلله دركم وعليه أجركم.

والحمد لله أن وفقنا لتفجير صحوة إسلامية رافضية، بدأت منذ ما يربو على عشرين عاما، وها هي تتسع وتزدهر، وتؤتي أكلها وتثمر، بفضل صاحب اليد العليا، والحجة على البرايا، إمامنا وقائدنا وولي أمرنا، صاحب الزمان المهدي الموعود، صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف ونحن معه.

ألا وإن هذا الفتح ليس إلا واحدا من فتوحات، فغدا تقلع بكم -إن شاء الله- الطائرة الزهرائية التي ترفع اسم سيدة الجنة فاطمة عليها السلام في أعالي السماء لأول مرة في تاريخ البشرية. وفي المستقبل القريب -بإذن الله- لا تبقى للذين ظلموها وقتلوها باقية من قدر أو احترام. هذا إذا واصلتم العمل بجد، متكاتفين متآزرين، بنيات صادقة، لا ترجون بذلك إلا لقاء الله بوجوه قد ابيضت، يشع منها نور الإيمان والعمل الصالح.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (*) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (*) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا

[الخطبة الثانية]

الحمد لله كما حمده الأتقياء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، محمد وآله الأصفياء واللعنة على أعدائهم الأشقياء.

عباد الله؛ أروي بسندي عن سيدي المرجع الصادق الشيرازي عن أبيه الفقيه الميرزا مهدي الشيرازي عن المحدث الشيخ عباس القمي عن خاتمة المحدثين الميرزا حسين النوري عن الشيخ الأعظم الأنصاري عن المولى أحمد النراقي عن السيد بحر العلوم عن صاحب الحدائق الفقيه البحراني عن المولى محمد رفيع بن فرج الجيلاني عن العلامة المجلسي عن أبيه المولى التقي المجلسي عن الشهيد الثاني زين الدين الجُبَعي العاملي عن المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي عن المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الكركي عن شيخ الإسلام علي بن هلال الجزائري عن العلامة أحمد بن فهد الحلي عن الشيخ زين الدين علي بن خازن الحائري عن الشيخ ضياء الدين علي بن محمد العاملي عن أبيه الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي عن فخر المحققين محمد بن حسن بن يوسف بن المطهر الحلي عن أبيه العلامة الحلي عن خاله المحقق الحلي عن الشيخ تاج الدين الحسن بن علي الدربي عن الشيخ رشيد الدين محمد بن شهراشوب المازندراني عن السيد عماد الدين أبي الصمصام ذي الفقار الحسيني المروزي عن شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن المظفر البزّاز قال: حدثنا أبو عبد الله بن جعفر بن محمد الحسني قال: حدثنا إدريس بن زياد الكفرثوثيُّ قال: حدثنا حنان بن سدير عن سُديفٍ المكي قال: حدثني محمد بن علي عليهما السلام -وما رأيت محمديِّا قط يعدله- قال: "حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري قال: نادى رسول الله صلى الله عليه وآله في المهاجرين والأنصار، فحضروا بالسلاح وصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر فحَمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال: يا معاشر المسلمين من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهوديا. قال جابر: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله وإن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؟ فقال: وإن شهد أن لا إله إلا الله، فإنما احتجز من سفك دمه، أو يؤدي الجزية عن يد وهو صاغر ثم قال صلى الله عليه وآله: مَن أبغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهوديا، فإن أدرك الدجال كان معه، وإن هو لم يدركه بُعث في قبره فآمن به. إن ربي عز وجل مثَّل لي أمتي في الطين، وعلمني أسماءهم كما علم آدم الأسماء كلها، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت الله لعلي وشيعته. قال حنان بن سدير: فعرضت هذا الحديث على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام فقال لي: أنتَ سمعتَ هذا من سديفٍ؟ فقلت: الليلةُ سبعٌ منذ سمعته منه، فقال: إن هذا الحديث ما ظننت أنه خرج من في أبي إلى أحد".

اللهم نسألك أن لا نكون من المتهوّدين بعد الإسلام، وأن لا تميتنا إلا على موالاة سادة الأنام، محمد وأهل بيته الطيبين الكرام.

اللهم صلِّ على خير خلقك وأحبهم إليك، محمد المصطفى، وعلى ابنته البضعة الطاهرة فاطمة الزهراء، وعلى أئمة المسلمين علي أمير المؤمنين، والحسن المجتبى، والحسين سيد الشهداء، وعلي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن الزكي العسكري، والحجة القائم المهدي.

صورة من صلاة وخطبة العيد: