هاجم الشيخ ياسر الحبيب سياسة نظام خامنئي الحاكم في إيران بدعم الحركة البكرية الإرهابية «طالبان» وإفساح المجال لها للاستيلاء على أفغانستان وتعريض الشيعة للويلات بعد جلاء القوات الأجنبية. مجددا سماحته الدعوة لتشكيل قوة أمنية شيعية رافضية عابرة للحدود تتولى إنقاذ الأفغان والقضاء على العصابات الإرهابية.
جاء ذلك في خطبة عيد الأضحى لهذا العام ١٤٤٢ التي سبقتها صلاة العيد بإمامة سماحته في أرض فدك الصغرى.
الشيخ الحبيب أكد أن الطريق لأن نكون أقوى قوة في العالم يعتمد أولا على التوكل على الله سبحانه وتعالى، منبِّهاً أن مفهوم التوكل أعمق مما يظنه عامة الناس حيث يوجب على الإنسان أن لا يخاف مع الله شيئا.
وكان جوهر خطبة سماحته الدعوة إلى نصرة الشيعة المظلومين في أفغانستان الذين هم في خطر محدق معهم بعد توالي سقوط الولايات بيد تنظيم طالبان الإرهابي وخذلان القوات الأجنبية وخيانة نظام خامنئي.
وفيما يلي النص الكامل لخطبة سماحته:
[الخطبة الأولى]
بسم الله الرحمن الرحيم
القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.
الله أكبر على ما هدانا، والله أكبر على ما أولانا وحُسنِ ما أبلانا، والله أكبر على برهانه الذي آتانا، والحمد لله الذي بالإسلام اصطفانا، والحمد لله الذي بالتشيع اجتبانا، والحمد لله الذي فضّلنا بالرفض على مَن سوانا، والحمد لله الذي من فتنته عافانا، والحمد لله الذي نصرنا وحمانا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عليا وليه وحجته، صلى الله عليهما وعلى آلهما الطيبين الطاهرين، مصابيح الدجى، وكلمة التقوى، وأعلام التقى، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا.
إن العلم قد تقدّم إليكم بأن طريق تقوى الله في طاعته، وطريق نسيانه في نسيان ما أمر. ولقد أمرنا - جل وعلا - بأن ننصر المستضعفين في الأرض، ولا سيما إذا كانوا إخوة لنا في الدين، فقال عزّ من قائل: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ). وأنذرنا - سبحانه - بعد ذلك بقوله: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ).
وهؤلاء إخواننا في أفغانستان؛ قد استنصرونا واستصرخونا بعدما بدأ يتحقق على أرض الواقع ما كنا - قبل أشهر - أول من حذر من وقوعه إذا استمرت الغفلة وتوالى الخذلان، فها هي حركة طالبان الإرهابية تفرض سيطرتها تباعا على الولايات والمناطق والنقاط الحدودية، مقترفة جرائمها من سفك للدماء، وترويع للناس، وتشريد لهم. والمؤشرات حتى الآن تشير إلى أن الحكومة الأفغانية في طور السقوط إلا أن تحصل على دعم خارجي استثنائي لا تلوح أية بوادر له في الأفق المنظور.
ومن جانب خامنئي ونظامه؛ فإنّ أحدا لا ينتظر منه شيئا بعد العلم بترنحه حسب ما تقتضيه مصلحته السياسية، فهو اليوم يتودد لطالبان، وغدا قد يقاتلها، وبعد غد قد يصالحها، وهكذا وهلم جرّا، والضحية في كل ذلك هم هؤلاء المساكين من شيعة أفغانستان.
نظام خامنئي قد أزكمت روائح خيانته الأنوف، فمن جانب يصرح كرام الدين رضا زاده عضو مجلس النواب الأفغاني عن ولاية غور أن إيران تمد طالبان بالسلاح إذ عثرت قوى الانتفاضة الشعبية على أسلحة مصنوعة في إيران بحوزة عناصر طالبان. ومن جانب آخر يصرح عبد الستار حسيني، النائب عن ولاية فراه أن الحرس الثوري الإيراني أرسل طائرات مسيرة لمسح وتصوير مديرية جوين وتزويد طالبان بالإحداثيات، الأمر الذي أدى إلى سيطرة طالبان على مناطق مهمة وقتل الجنود المقاومين. مضيفا أن إيران دائما تمد طالبان بالسلاح، وبيوت قادة هذه الحركة موجودة في إيران في مدينة زاهدان وزابول ومشهد وكرمان وأصفهان وحتى قم! ولدى طالبان مكتب تمثيل رسمي في طهران! ولا ننسى أن الاستخبارات الأميركية صرّحت قبل خمس سنوات أنها قتلت أمير حركة طالبان المدعو الملا أختر منصور بعدما تعقبته آتيا من إيران!
ولئن قيل أن هذه التصريحات الأفغانية لا عبرة بها لأن أصحابها قد يكونون على طرف الخصومة السياسية مع النظام الإيراني، فماذا يقال في تصريحات عناصر النظام نفسه يا ترى؟! فصحيفة كيهان التي تعكس موقف خامنئي قامت بتلميع صورة طالبان إذ زعمت في افتتاحيتها أن هذه الجماعة أجرت "إصلاحات داخلها" ولم تعد تشكل تهديداً للشيعة داخل أفغانستان ولا لإيران. ووكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري قالت صراحة أن ما يهم طهران الآن هو قيام حكومة مناهضة لأميركا في أفغانستان، أما طالبان والقاعدة فقد توصلت "الجمهورية الإسلامية" إلى اتفاق معهما بتغيير المسار نجحت فيه - كما تدعي - في إقناع الجماعتين بالتعاون معها في تأمين المصالح الإيرانية!
وقبل أيام فقط استضاف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قادة طالبان علنا وأمام وسائل الإعلام في مقر وزارته بدعوى مبادرة حوار بين الأفغان، مع أن ظريف نفسه صرّح قبل أشهر معدودة في سياق نفي تهمة التعاون مع طالبان أن إيران لم تسقطها من لائحة الإرهاب! وها هي سياسة نظامه تُفتضح اليوم بأن ذلك النفي إنما كان للاستهلاك الإعلامي ليس إلا، وأن الحقيقة أن العلاقات الودية بين الطرفين والاتفاقات المبطنة مستمرة منذ فترة طويلة.
أما حسام رضوي مدير عام مكتب الشؤون الخارجية التابع لإعلامية الحرس الثوري فقد بلغ من صراحته - بل قل: وقاحته - أنه في مقابلة مع التلفزة الحكومية الرسمية؛ أطلق تحذيرا موجها لإخواننا الشيعة الهزارة في أفغانستان من أن يواجهوا طالبان أو أن يتطوعوا لحربها، زاعما أن من سيُقتل منهم على يد طالبان سيكونون هم الملامين وليس طالبان! مطمئنا إياهم بأن طالبان لا تنوي إبادة الشيعة في أفغانستان، وأن الأميركان هم الذين يريدون خلق فتنة مذهبية هناك! ومعنى كلامه أن افسحوا المجال لهذه الحركة البكرية الإرهابية الغدّارة لتستولي على أفغانستان واطمئنوا أنتم فلن يصيبكم شيء أيها الشيعة!
هذا مع أن تقارير تتكلم عن أن نظام خامنئي يقوم بتسليح جماعات محسوبة عليه هناك، كان قد استعملها في سورية من قبل. ولهذا نقول إنه يترنح في خطواته بحسب مصلحته السياسية، فلا ينبغي التعويل عليه في شيء.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. عذرا يا شيعة أفغانستان! قد صارت أرواحكم ومصائركم ألعوبة بيد هؤلاء وأولئك؛ بيد خامنئي وأزلامه؛ والأميركان وحلفائهم. أنتم تدفعون ثمن كونكم شعبا مستضعفا في بلد فقير الموارد مزقته الحروب.
إن هذا الواقع المزري الذي يعرّض شيعة أهل البيت عليهم السلام في الأقطار إلى هذه الويلات والمظالم؛ ليستدعي منا نحن أن نأخذ بزمام المبادرة. لا بد من التجهيز لواقع جديد تتشكل فيه قوة شيعية رافضية عابرة للحدود، تحت غطاء أممي، تقدّم نفسها للمجتمع الدولي قاهرة للإرهاب، حامية للمدنيين الأبرياء وإن كانوا من غير الشيعة.
تحقيق هذا الواقع الجديد صعب جدا، لكنه ليس مستحيلا، إنما يحتاج أولا إلى عبادٍ أولي بأس شديد. عدِّتنا من هؤلاء عشرة آلاف. إن اكتملوا.. خرجنا على اسم الله، والولاء لبقية الله، عجل الله فرجه الشريف ونحن معه.
الحمد لله كما يُحب أن يُحمد، والصلاة والسلام على نبيه محمد، وعلى آله الغر الميامين، واللعنة على أعدائهم أجمعين.
عباد الله؛ استذكروا قول الله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الحقِّ.
واعلموا أيها المؤمنون أنّا إذا أحببنا أن نصبح أقوى قوة في الأرض؛ فإن ذلك يعتمد أولا على شيء واحد؛ هو الذي علَّمَنا إياه رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال: من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى.
بهذا التوكل لا نُغلب ولا نُهزم، عهدا معهودا من باقر العلوم صلوات الله عليه إذ قال: من توكل على الله لا يُغلب، ومن اعتصم بالله لا يُهزم.
بيد أن معنى التوكل خلاف هو ما شائع عند الناس، فإنهم يتوهمون أنه يتحقق بمجرد لقلقة لسان يقول فيها الإنسان: توكلت على الله.
كلا! لمّا سئل الصادق صلوات الله عليه عن حد التوكل قال: أن لا تخاف مع الله شيئا.
فهل أننا حين نقول: توكلنا على الله؛ نزعنا الخوف من قلوبنا حقا؟ أم ما زلنا نخاف هذا الطرف وذاك فنحجم ونتوقف؟
ثم إن للتوكل شروطا، منها العمل بالأسباب. "اعقلها وتوكل". ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما لا يزرعون. قال: ما أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. قال: لا، بل أنتم المتكلون. ومرَّ أمير المؤمنين عليه السلام يوما على قوم أصحاء جالسين في زاوية المسجد فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. قال عليه السلام: لا، بل أنتم المتأكلة.
إن التوكل يا معشر المؤمنين؛ ليس مجرد كلام يجري على اللسان، إنه تهيئة الأسباب مع نزع الخوف من القلب إلا من الله تعالى. حينئذ فلنبشر أنفسنا بأنّا غدونا القوة القاهرة التي لا تُغلب ولا تهُزم.