في جلسة مميزة وهي الجلسة التاسعة من جلسات التواصل مع الشيخ الحبيب مساء يوم السبت الثامن عشر من شهر ذي الحجة 1441 هـ، والمصادف للذكرى المباركة بعيد الله الأكبر ويوم تنصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة شرعي من بعد رسول الله "صلوات الله وسلامه عليهم"، تشرفنا بالحديث من خلال اتصال مرئي مع الدكتور المتشيع المصري مصباح الدريني، وكما وصفه الشيخ الحبيب كان حقا بمثابة العطر والنور لهذه الجلسة، وأسعد قلوب المؤمنين بحديثه الشيق، ووضع النقاط على الحروف بإعلان تشيعه وسرد قصته وتجاربه في الحياة.
الدكتور هو أحد أوائل معهد الدراسات الإسلامية العليا لخرجي الأزهر، والمقيم بالولايات المتحدة، حيث كان معروفا لدى العالم البكري ومن علمائهم ومدافع عن معتقد عدالة الصحابة وغيرها من المعتقدات الباطلة، وقد حج لأكثر من 30 سنة مطبقا أحكامه على فقه المخالفين، وهو أستاذ لأكبر المدارس البكرية وأول خطيب ورئيس مجلس إدارة في مسجد بكري بالولايات المتحدة بمدينة لوس أنجلس.
وقد بدأ الدكتور الدريني حديثه في الجلسة المباركة بقوله: "أخشى أن لا أعيش بعد هذه الحلقة" طالبا من سماحة الشيخ الحبيب تلقينه الشهادات الإسلامية الحقه بالولاية لمحمد وآله الطاهرين "عليهم السلام" والبراءة من أعدائهم اجمعين "عليهم اللعنة وسوء العذاب"، وليعلنها مدوية على الهواء مباشرة أن (أبابكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة وحفصة في النار وبئس المصير).
ثم دعى له سماحة الشيخ الحبيب بطول العمر والعافية، وأن يزيده الله من فضله وبركاته ويرزقه شفاعة المصطفى محمد وآله الطاهرين "عليهم السلام".
وبعد الانتهاء من إعلان التشيع، قدم الدكتور شكره للشيخ الحبيب قائلا: "شكرا لكم على ما تقومون به من جهود، والذي لا يقوم بها غيركم، وأسال الله أن يجلل جهودكم بما يرضي الله ورسوله والأئمة الأطهار والزهراء عليهم السلام، ويرضي صاحب الزمان الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأن يجمعنا وإياكم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا".
هذا وافتتح الدكتور كلامه بقوله: وكما يبدأ الشيخ دائما حديثه بـ "القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني"، وجدت ذلك من قول الصادق عليه السلام، ولا يقولها بصفة مستمرة إلا شيخنا الجليل العظيم، وأنا اعتبرها منهاجا لي في هذه الحياة".
وقبل أن يسرد قصة تشيعه، بين فضيلة الدكتور أنه لا يملك شيئا من حطام الدنيا، لا من الأموال ولا الجاه ولا الألقاب، ولا تهمه هذه الأشياء على الإطلاق، إلا أمرا واحدا فقط، وهو أن يلقى الله بقلب سليم امتثالا لقول الله سبحانه وتعالى "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم"، وذلك بأن يكون من اتباع رسول الله ويقتدي بالأئمة الأطهار "عليهم الصلاة والسلام"، مطيعا لأوامرهم ونواهيهم، غير متشرف بأن يكون واحدا من علماء الأزهر! الذين لا يعترفون بحديث (من مات ولم يعرف امام ومانه مات ميتة جاهليه) بحجة أنه ضعيف بهذه الألفاظ! بل يقولون أن اصل الحديث هو (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليه)! فهل يا ترى بيعتكم هذه لهؤلاء الحكام والظالمين؟! أم هي للائمة الطاهرين عليهم السلام؟!
ثم بدأ الدكتور "حفظه الله ورعاه" بذكر قصة تشيعه المؤثرة، والتي بدأت في نفس هذه الليالي المباركه بعيد الغدير الأغر سنة 1432 هجري الموافق 15 نوفمبر 2011، بطريقة لا يصدقها العقل قد أعلن فيها الرفض والتشيع ودعوة الناس لهذا الدين الحق مباشرة في اليوم نفسه. وذلك عند رجوعه من آخر حجه، جلس في خلوة مع نفسه وبدأ بقراءة مقال عنوانه (من أصبح رافضيا؟!).
صاحب هذا المقال يعد من دعاة المخالفين في وزارة الشؤون الإسلامية فيما يسمى بالسعودية وهو المدعو "سعد بن ضيدان السبيعي"، وقد نشر هذا المقال في صحيفة لجينيات الإلكترونية التابعه لأحد طغاة آل سعود وهو خالد بن طلال بن عبدالعزيز، والتي تم حجبها لاحقا! وقد أراد من العنوان إيصال رسالة تحدي للقارئ بطرحه استفهام معناه (من هو المغفل الذي سيصبح من الرافضة بعد قراءة مقالي هذا)!
وعلق الدكتور الدريني على هذا المقال السخيف الذي يقطر منه النصب والعداء لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام، قائلا: "قرأت المقال ووجدته تسفيها وشتائم في الشيعة، ثم قرأت بعد ذلك التعليقات على هذا المقال والتي لم يخرج منها إلا الشكر والمديح لصاحبه والسب والشتم للشيعة، قرأتها حتى آخر نفس في صبري إلى أن وصلت للتعليق رقم (40)، مما اضطرني للرد على هذا المقال وهو ليس من طبعي اطلاقا أن أعلق على هكذا مقالات، والتاريخ كان في يوم عيد الغدير الأغر الذي لم اعرف عن هذا اليوم المبارك جيدا إلا بعد كتابتي لهذا التعليق - رقم 41".
وعلق الدكتور الدريني: "بعد قراءة مقالك هذا تبين لي الحق جليا، ووجدت مقالك منافيا لمكارم الأخلاق التي بعث بها المبعوث رحمة للعالمين، حيث قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فوجدت قلبي قبل لساني وجميع حواسي معه يلعنون أني بفضل الله وبرحمته أجيب سؤالك هذا بأني "أصبحت رافضيا"، والحمدلله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، وأشهد أن عليا أمير المؤمنين ولي الله، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله دعى بقوله: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أبعد عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، يعني أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير وهم السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة عليها السلام، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرا منهما وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليهم السلام جميعا"، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الغدير: من كنت مولاه فعلي مولاه، وهنئه عمر: بخ بخ لك يا ابن ابي طالب لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وادعو الكاتب والقراء والمعلقين أن يطيعوا ويتمسكوا بالكتاب والعترة ليفلحوا ولا يضلوا، والحمدلله رب العالمين".
ثم نوه قائلا: "من يقرأ تعليقي هذا يظن أنني كنت مستعدا للتشيع! أو كان لي تواصل بعلماء الشيعة وقد تأثرت بهم من قبل كتابة هذا الرد! أو غرتني أحد دول التشيع بالأموال! أو شيئا من هذا القبيل! الظن هذا كله غير صحيح لأنني للتو قد رجعت من الحجه رقم 33، وقد وقفت في كل حجة أمام قبر الرسول صلى الله عليه وآله وبعد السلام عليه، ألتفت لقبر أبي بكر وأقول له السلام عليك يا صديِّق هذه الأمة وأبكي! ثم انتقل إلى قبر عمر وأقول له السلام عليك يا فاروق هذه الأمة وأبكي!
وانا الآن بعد التعليق رقم 41، أقول: أبرىء إلى الله من 33 حجة قلت فيهم هذا الكلام!!
وبعد ركوبه سفينة النجاة أعلن الدكتور إغلاقه للمدارس البكرية التي كان يدرِّس فيها طلبة العلوم الدينية، والتي كان يدعى أنها أفضل المدارس الإسلامية لأنها تخرج الطلبة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله!
وقد كان الدكتور متألما كثيرا لأنه خرج على يديه من سيكون في هذه الأمة من الضالين المضلين فيما بعد، ولهذه الأسباب أعلن إغلاقها نهائيا ضاربا بعرض الجدار الأموال الطائلة التي كان يجنيها من هذه المدارس الضخمة.
كما أعلن أن المسجد الذي كان يؤم الناس فيه، بالمنع وعدم السماح له ولأي خطيب بكري آخر أن يقول غير أقوال محمد وآله الطاهرين، فالقول منه بعد هذا، في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام.
واستمر هذا الأمر العظيم، والبكرية في حيرة من أمرهم، إلى أن جاء يوم خطب فيهم حديث الكساء بالرواية الشريفة المروية عن سيدة نساء العالمين الزهراء "عليها السلام"، فتعجب الناس حيث أنهم لم يسمعوا هذه الرواية من ذي قبل إلا ما يروى عن الحميراء عائشة "لعنها الله"، أو ما يروى من طريق أم المؤمنين أم سلمة عليها السلام.
ثم بين الدكتور أن كل الأديان زيفت فيما بعد واختلفوا الناس واقتتلوا فيما بينهم، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، فالنصرانية اليوم غير التي جاء بها عيسى عليه السلام، واليهودية اليوم غير التي جاء بها موسى عليه السلام، وإسلام هذا اليوم أيضا غير الذي جاء به النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله، بدليل قوله تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ).
ثم قال الدكتور الدريني أنه بدأ بالتفرغ لمدة عشر سنوات، وأن لا يشغل نفسه بأي شيء على الإطلاق إلا للبحث والدراسة خصوصا فيما يتعلق بخطبة الغدير المباركة، للاثراء بما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الشأن.
كما جدد شكره لسماحة الشيخ الحبيب لما جاء به من بحث قيم في هذه الليلة المباركة عن حادثة الغدير، حيث ذكر فيها حبر من أحبار المخالفين وهو الطحاوي، قائلا: "شكرا أيها الشيخ الحبيب، فإن حكمتك وذكائك في افتتاح هذه الحلقة اليوم بأبي جعفر الطحاوي وتعريفه والاسهاب فيما يقوله عنه أهل الرجال، من أعظم ما سمعت، ثم بدأت تقول وتبين وترتب الأفكار حتى لا يكون لأي شخص إطلاقا حجة، أو سؤال لم يجب عليه).
وأضاف الدكتور "إن الطحاوي هذا طالما أخذوا منه المخالفين العقائد الباطلة، وكأنهم لغوا رسول الله والأئمة الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم، بحيث يشهدون بأن أبا بكر وعمر خير هذه الأمة ومن يقول غير ذلك فقط كفر! وقس على ذلك من أمثال سفيان الثوري وابن تيمية وأضرابهما! وقد أصبح قطار المخالفين قطار اجوف لا قيمة له على الإطلاق، يدعون بما ليس في كتبهم".
وقد ثابر وجاهد الدكتور كثيرا في البحث في كتب المخالفين للحصول عن خطبة الغدير كاملة، فلم يجد سوى قصاصة هنا وهناك، حيث عمدوا إلى مقص الرقيب والتحريف في المفردات والمعاني كعادتهم لاخفاء وإبعاد هذه الحقيقة المباركة عن سائر المسلمين.
كما عبر الدريني عن حبه الشديد لجميع المسلمين، وأنه يريد لهم الخير بأن يكونوا مخلصين لنبي الإسلام وعترته الطاهرة عليهم السلام، ودعاهم لاعتناق التشيع الحق ليصبحوا مثله سنيا قولا وفعلا أكثر مما كان عليه في السابق!
ثم ختم الدكتور حديثه بكلام الله عز وجل الذي نقله جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، بحيث لا وجود لهذا لدين الإسلامي على الإطلاق، بدون تنفيذك يا رسول الله لهذه الآية الكريمة!
وفي الختام، جدد سماحة الشيخ الحبيب الدعاء للدكتور بالحفظ وأن لا يحرمنا الله من أفضاله وبركاته، ثم أكد الشيخ بأنه واثق لو كان الدكتور متواجدا في مسجد السبط المحسن الشهيد عليه السلام، لقام الجميع له اجلالا وعانقوه، فقد دخلت كلماته إلى القلوب!