طرح الشيخ الحبيب بحثا مفصلا حول الآية الكريمة «الْحَمْدُ لله فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» مؤكداً سماحته أن هذه الآية ترتبط بالزهراء (عليها السلام) قبل أن يستعرض سماحته المقدّمات الاستدلالية التي تؤدي إلى استخراج هذه الجواهر من القرآن الحكيم ناصحاً الفقهاء والمحققين بعدم الانغلاق على المناهج التفسيرية الرائجة في المحيط الحوزوي.
وأكد الشيخ في بداية تلك المحاضرة المفصلة على كثرة الآيات القرآنية التي ذكرت أن الله تبارك وتعالى فاطر السماوات والأرض، مشيراً (حفظه الله) إلى أن تفسير جمهور المفسّرين يقول بأن المعنى في هذه الآية هو أن الله تعالى أنشأ السماوات والأرض أي أنه بدأ خلقها.
وأضاف: ”أن القرآن الكريم يفسّر بعضه بعضا لا سيّما لو أحطنا ذلك وعطفناه على مجموع التراث الذي جاءنا عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)“، كما نوّه سماحته إلى أن المعنى الآخر لهذه الآية هو ”أن الله تعالى اشتق السماوات والأرض من شيء ما بملاحظة أن مادة (فَطَرَ) جاءت بموارد عديدة في كتاب الله عز وجل بمعنى الشق والاشتقاق“.
وأردف سماحته أنه بالرجوع إلى معاجم اللغة في أصل مادة (فَطَرَ) نجد - مثلا - أن ابن منظور في كتابه ”لسان العرب“ يفسّر هذه المادة بالشق والاشتقاق ويعتبر هذا التفسير هو الأصل، وكذلك يقول غيره من أرباب اللغة، بينما يرجع المعنى الفرعي (ابتدأ) بالأصل إلى المعنى الأول أي أنه يعني (ابتدأ شيء من شيء) وذلك هو معنى الفطرة أيضا.
وفي مقدمة ثانية لدخول البحث دعا الشيخ الحبيب إلى التدبر بالأحاديث الشريفة التي تقوّي هذا المعنى وترجّحه على المعنى الأول، مذكّراً بالحديث الشريف الذي يذكر أن الله سبحانه وتعالى اشتق من اسمه اسم (فاطمة) صلوات الله عليها، وما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن عبدالله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه الإمام زين العابدين (عليهم السلام) أنه قال: ”كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالساً وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال: والذي بعثني بالحق بشيرا ما على وجه الأرض خلق أحبّ إلى الله عز وجل ولا أكرم عليه منّا. إن الله تبارك وتعالى شقّ لي اسماً من أسمائه فهو محمود وأنا محمّد، وشق لك يا علي اسماً من أسمائه فهو العلي الأعلى وأنت علي، وشقّ لك يا حسن اسماً من أسمائه فهو المحسن وأنت حسن، وشق لك يا حسين اسماً من أسمائه فهو ذو الإحسان وأنت حسين، وشق لكِ يا فاطمة اسماً من أسمائه فهو الفاطر وأنتِ فاطمة“. (معاني الأخبار - الجزء 3 - الصفحة 55).
وعقّب سماحته على هذا الحديث بمساندة كتب اللغة، مبيّناً وجه الاشتراك بين اسميّ (الفاطر وفاطمة) وكيف أن اسم فاطمة مشتق من اسم (الفاطر) مع اختلاف المادتين؛ ليوضح أن (فَطَمَ) تعني قَطَعَ شيء عن شيء، بينما (فَطَرَ) تعني شق شيء عن شيء، فكلاهما بمعنى متجانس ومتشابه.
وبالعودة لآية البحث طرح الشيخ هذا التساؤل المشروع: ممّ اشتق الله تعالى السماوات والأرض؟ ليجيب عليه بالحديث الشريف الذي رواه شيخ الطائفة الطوسي بإسناده في مصباح الأنوار في جواب منه «صلى الله عليه وآله» لعمّه العبّاس يقول فيه: ”ثم فتقَ نور ابنتي فاطمة فخلقَ منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض“. (كنز الدقائق - الجزء 2 - الصفحة 525).
وبهذا النموذج التطبيقي كشف سماحته أن تفسير هذه الآية في سورة فاطر هو ( أن الله تعالى شقّ السماوات والأرض من نور فاطمة) لإثبات أن هذه الآية هي من جملة الآيات المرتبطة بالزهراء (عليها السلام)، داعياً (حفظه الله) من استمع لهذه المحاضرة أن يعيد النظر بمناهج التفسير الرائجة للقرآن الحكيم - كالتفسير بالمأثور والتفسير المشفوع بالقواعد العقلية المنطقية وغيرها من مناهج التفسير القويمة - بالاتجاه نحو هذا المنهج التفسيري لأنه يفتح آفاق كثيرة لمن يتدبر في القرآن، وعليه ينبغي استنقاذ الأمّة من إضاعة الاستفادة من درر القرآن الكريم ومفاهيمه وتعاليمه بإيقاف انغلاقها على تلك المناهج التفسيرية الدارجة.
وفي الختام نبّه سماحته - في نهاية المحاضرة - أن هذه الأمّة عوّض الله حرمانها من زيارة قبر الزهراء (صلوات الله عليها) الذي خفي عنّا بسبب من ظلموها (لعنهم الله) بزيارة السيدة الجليلة فاطمة المعصومة في قم المقدسة، مستدلا سماحته بما نقله السيّد محمود والد المرجع الراحل السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي (أعلى الله مقامه) والذي روى عن والده أنه ذهب يوما ما إلى المدينة المنوّرة وتشبّث بضريح رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله) باكياً ومتوسلاَ به كي يعرّفه مكان قبر ابنته سيدة نساء العالمين (صلوات الله عليها) ليزورها عند قبرها لاشتياقه الشديد إليها، فرأى في المنام أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول ما مضمونه: ”يا سيّد محمود.. لا يُؤذن لنا بكشف مكان مدفن وقبر ابنتي فاطمة، ولكن إذا زرت عمّتك فاطمة بنت موسى بن جعفر في قم فكأنك زرت أمك الزهراء“.