بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ الفاضل المجاهد ياسر الحبيب حفظه الله تعالى وسدد خطاه وجعله من المدافعين عن دين أهل البيت عليهم السلام والفاضحين لأعدائهم ، ونبارك لكم ذكرى أيام ميلاد سيد الكائنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وميلاد الامام جعفر الصادق صلوات الله عليه ، لدينا بعض التساؤلات التي نرجو من سماحتكم الكريمة التفضل علينا بعلمكم وحلمكم الواسع .
س1:هل كان جميع أجداد وآباء أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنبياء بدلالة قوله تعالى في هذه الآية الشريفة:”وتقلبك في الساجدين" أي في أصلاب النبيين من نبي إلى نبي حتى أخرج الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم نبيا وأخرج أهل بيته صلوات الله عليهم أئمة هداة ، مما قد يحتمل منه نبوة كل من عبد المطلب وعبد الله والد النبي وعمه أبي طالب عليهم السلام جميعا ؟
س2:جاء في أصول الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :” إن الله عز وجل أخبر محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بما كان منذ كانت الدنيا ، وبما يكون إلى انقضاء الدنيا ، واخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه فيما سواه "هل يعني ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم بالمقدر الغير المحتوم أم أن المقصود أن العلم المحتوم المستثنى هو العلم الإلهي الذاتي حيث أن كل ما يعلم الله سبحانه وتعالى وقوعه فإنه حتما سيقع سواء باختيار المخلوق أو بغير اختياره وعلم الله بالإشياء قبل وقوعها كعلمه بعد وقوعها ، وقد جاء في أصول الكافي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال :" إن لله علمين : علم مكنون مخزون ، لا يعلمه إلا هو ، من ذلك يكون البداء وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه" هل الضمير في كلمة -نعلمه – راجع إلى علم الأئمة عليهم السلام بالعلم المكنون المخزون والذي منه البداء أم راجع إلى العلم الآخر ، كيف نوجه هذه الروايات وأمثالها وخصوصا بعد صدور الإخبار من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بالمقدرات الغير محتومة والتي ترجع إلى لوح المحو والإثبات؟
س3:ما معنى الأصحاب في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام في نهج البلاغة:”... نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سُمِّي سارقاً." ، وهل يصح تأويل أو توجيه بعض أحاديث الأصحاب التي قد ينسبها العامة إلى الغاصبين بما يناسب المقام طبعا بأن المقصود بها هم أهل البيت عليهم السلام ؟
س4:ما مدى صحة الحديث النبوي الشريف :"إنما أقضي بالبينات والأيمان ، وبعضكم ألحن في حجته من بعض ، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة من النار" وهل هناك شواهد عليه ، وهل هناك تطبيقات عملية له بالنسبة للأنبياء والمعصومين عليهم السلام ؟
س5:هل المشيئة التي كانت أول ما خلقها الله سبحانه وتعالى هي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال عنها الامام الرضا عليه السلام أنها الذكر الأول ، والذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت هم أهل الذكر الذين قال الله عنهم :”... فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" ، ومن المعلوم أن بعض الروايات تشير إلى أنهم عليهم السلام عين الله وقدرته ويده وحبله وما إلى ذلك ؟
نسأل الله لنا ولكم حسن العاقبة والتوفيق لكل خير بجاه محمد وآله الطيبين الطاهرين .
باسمه تعالت قدرته. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ج1: لا يبعد هذا، ولعدم ورود النص القاطع عليه يبقى في دائرة الاحتمال دون نفي أو إثبات، إذ إن (الساجدين) محمول على الموحّدين في تفاسير أهل البيت عليهم السلام، فالتعدي إلى غيره من المعاني يحتاج إلى دليل آخر.
ج2: قوله عليه السلام: ”وأخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه في ما سواه“ يعني أنه تعالى أخبره بالمحتوم كما أخبره بما يُستثنى منه، أي أنه أخبره أيضا بغير المحتوم مما يمكن أن يقع أو لا يقع دون أن يعيّن النتيجة، لا أنه لم يخبره به أصلا. وهذا هو مفاد الاستثناء الوارد، فإنه استثناء من المحتوم لا استثناء من الإخبار، وذلك بدلالة ”ما سواه“ إذ الضمير راجع إلى المحتوم. فيكون المعنى أنه أخبر نبيّه (صلى الله عليه وآله) بالمحتوم وما سواه، غير أنه استثنى مما سواه الحتمية في الوقوع.
وأما قوله (عليه السلام) في الرواية الأخرى: ”فنحن نعلمه“ فالضمير فيه راجع إلى العلم الآخر لا العلم المكنون المخزون، وإلا كان تناقضا لأنه نصّ على أنه لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى. والمعنى هو كالسابق، أنه تعالى علّمهم ما يمكن أن يقع أو لا يقع، والفائدة من هذا التعليم أنهم حين يُخبرون عن فرد من أفراده فإنهم لا يخبرون به على نحو الجزم والبتّ، لئلا يستلزم ذلك تكذيبهم فيكون قبيحا.
ج3: معنى الأصحاب هنا معطوف على معنى الشعار، فالشعار كما هو معلوم هو الثوب الملاصق للجلد وشعر الإنسان، أي الثوب الداخلي الباطن، فيكون ذكره هنا كناية إما عن أنهم (عليهم السلام) بطانة الدين، أو أنهم بطانة الرسول صلى الله عليه وآله. فعلى الأوّل يكون معنى الأصحاب أنهم أصحاب الدين وأهله، وعلى الثاني يكون المعنى أنهم أصحاب الرسول وخاصته. وكلا المعنيين واردان ويُحتمل أن يكونا جميعا مقصوديْن.
والخطبة هي في مقام التأكيد على أحقية أهل البيت (عليهم السلام) إذ ما قبل هذا المقطع قوله عليه السلام: ”قد خاضوا بحار الفتن، وأخذوا بالبدع دون السنن، وأرَزَ المؤمنون، ونطق الضالون المكذّبون“ والمقصود هم أبو بكر وعمر وعثمان ومن مال إليهم وعدل عن شرعية أهل البيت عليهم السلام. ثم إنه (عليه السلام) أكد على أن البيوت لا تؤتى إلا من أبوابها الذين هم آل محمد (عليهم السلام) فمن أتاها من غير أبوابها سُمِّيَ سارقا، وهم الذين طلبوا هذا الدين من غيرهم، أي من مثل أبي بكر وعمر وعائشة وأضرابهم عليهم لعائن الله.
ومهما يكن؛ فإنه يصحّ تأويل الأحاديث التي وردت فيها لفظة ”الأصحاب“ إلى أن الآل هم المقصودون بها، وذلك بشفاعة السياق والقرائن. وعلى الإجمال فإن ما صحّ صدوره عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) من مدح لأصحابه يكون أول معانيه منصرفاً إلى المخلصين المنتجبين منهم، كالمقداد وسلمان وأبي ذر عليهم رضوان الله. نعم إذا لاحظنا قرينة على أن المقصود هم أهل بيته (عليهم السلام) صرفنا المعنى إليهم، إلا أن ذلك نادر.
ج4: الحديث صحيح ومعتبر، وقد عمل به النبي الأعظم والمعصومون (صلوات الله عليهم) فلم يقضوا بعلمهم اللدني، غير أنه لم يثبت عندنا أن قضية واحدة منهم كانت على خلاف الواقع، فالحديث وإن كان بلسان الحال إلا أنه في مقام التعليم للغير أن الحكم في القضاء طريقي لا موضوعي، فلا ينقلب الحق إلى باطل أو العكس في الواقع، وإنما يكون هو في الظاهر، والله يتولّى السرائر. فلا يجوز مثلا لمن كذب عند القاضي وأقام شهودا على أن فلانة هي زوجته؛ أن يستحل وطئها ولا شيء عليه في ذلك لأنها قد أصبحت زوجته بحكم القاضي! كما ورد في صحيح البخاري نسبة إلى بعض فقهائهم: ”إنْ لم تُستأذن البكر ولم تُزوَّج، فاحتال رجل فأقام شاهدي زور أنه تزوجها برضاها، فأثبت القاضي نكاحها، والزوج يعلم أن الشهادة باطلة، فلا بأس أن يطأها وهو تزويج صحيح“! (صحيح البخاري ج8 ص62).
ج5: قد ذكرنا في جواب سؤال مماثل سابق إلى أننا نتوقف في تفسير المشيئة بصرف معناها إليهم عليهم السلام، ونكتفي بإثبات ما أثبتوه من أنهم ”محال مشيئة الله وإرادته“ ولا نتجاوز أكثر من هذا، لأن المشيئة عندنا كالإرادة من صفات الأفعال. فارجع إلى ذلك الجواب إذا شئت. (*)
والروايات التي تشير إلى أنهم (عليهم السلام) عين الله ويده وما إلى ذلك؛ إنما نحملها على معنى كونهم محالّ المشيئة على المعنى الذي قرّرناه.
بصّرنا الله وإياكم بدينه ورزقنا رضاه. والسلام.
ليلة الثالث من ربيع الآخر لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.