السلام عليكم ورحمة الله شيخنا الحبيب ياسر. اجمع المؤرخون من الطرفين على حدوث الكسوف الجزئي للشمس في يوم وفاة ابراهيم عليه السلام بن رسول الله صلى الله عليه وآله في 10 للهجرة. وهذا مما قد ثبتت صحته فلكيًا اذ حدث في سنة 632 في يناير يوم 27 ميلادي كسوف جزئي فوق المدينة المنورة (حيث كانت ذروة الكسوف "الكلي" في الهند)، وهو يوم وفاة ابراهيم عليه السلام بن النبي، وهذا اثبات لصحة الموروث النقلي التأريخي وعدم تحريف التأريخ الهجري والميلادي. حتى دوكنز اللاأدري اعترف بذلك في حسابه الرسمي بتويتر سنة 2015. ووردت في هذا الشأن رواية مشهورة نقلت في مصادر كثيرة بين الطرفين وهي: قال احدهم: كسفت الشمس لأبراهيم، فقال الرسول بعد ذكر الله وحمده وصعوده على المنبر: لم تكسف لأحد لا في حياته ولا مماتة بل الكسوفين آيتين من آيات الله عز وجل، فاذا كسفتا أو واحدة منهما فصلوا. الكافي 3 : 463 | 1 كما رواها شيخ الطائفة في التهذيب بالأسناد عن الشيخ الكليني عن الشيخ القمي عن والده تقدست اسرارهم عن عثمان عن علي بن عبدالله عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. من الواضح ان "الكسوفين" وردت للتغليب، فللشمس كسوف وللقمر خسوف. لكن لدي سؤالين أتمنى الإجابة عنهما، وهما: ••الاول: بالنسبة ل(فاذا كسفتا أو واحدة منهما)، بحسب الظاهر فأن الحديث يعطي احتمالين، اي: "عند حدوثهما معا، او حدوث أحدهما فقوموا للصلاة". وهنا يكمن الاشكال في "حدوثهما معا" -- او بالأصح نقلاً: (كسفتا)؛ لأن هذا مستحيل فلكياً اي لا يمكن حدوث كسوفين -اي بمعنى كسوف وخسوف- في نفس الوقت وانما اقل وقت هو اسبوعين. ولا يقال: المقصد هو التتابع الزمني القريب لا في نفس الآن الواحد؛ وذلك لأن للحديث تكملة وهي: "أو في احدهما". فعند تفسيرك ل(كسفتا) على انها تقصد التتابع القريب فسيستلزم هذا الأنفصال أو الأنفراد بين الكسوفين، وهذا نفس معنى "احدهما" التي تدل على الانفصال ايضاً -أي حدوث كل منهما على حده بشكل منفصل-، بينما الحديث قال "أو"! وعليه تكون (كسفتا) و(أو واحدة منهما) ليسا بنفس المعنى وانما هنالك فرق بينهما ! اللهم الّا ان يقال ان المقصد اذا حدثا بشكل منفصل وعلى التتابع اي في نفس الشهر (انكسفتا)، او حدثا منفصلين بشكل زمني بعيد أي بعد اكثر من شهر واحد او شهرين أو سنة (أو واحدة منهما)، فبكليهما قوموا للصلاة. --ولكن هذا اقل ظهورا بكثير. مع العلم ان هذا هو المصدر الوحيد لعله الذي قال "انكسفتا أو واحدة منهما' في حين باقي الروايات هي "فاذا أنكسف احدهما" كما في المقنعة للشيخ المفيد قدس الله سره وغيرها من الروايات التي رواها شيخنا الحر العاملي رحمه الله في هذا الشأن. وهنا ممكن ان نرمي الاشكال على هذه الرواية -آنفة الذكر- بالتحديد بانها رويت بالمعنى وانها زيادة من الراوي (علي بن عبدالله) لا أكثر ولا اقل، لا على النص الأصلي. لكن هذا يأخذنا لأشكال آخر وهو ان الرواية بالمعنى قد يقع فيها اخطاء كثيرة مثل هذه التي تستلزم مخالفة علم الفلك، واذا كانت روايات كتبنا اكثرها من قبيل الرواية بالمعنى وكانت بنفس شكل الزيادات هذه، فأن كثير من الرواية عندئذ حتى عند صحة بعضها عن الإمام إلا انها لن تخلوا من الخطأ لزيادة من الراوي في البعض الآخر منها أي في نفس الرواية ذاتها، ألا يشكك هذا في وثاقة الراوي؟ علما انكم علمتمونا يا شيخنا ان تجويز الرواية بالمعنى هي على حد موافقة المعنى الاصلي للحديث، ولا تجوز اذا ما تجاوزت هذا الحد لأنه سيكون كذبا، اللهم الا ان يكون الراوي حتى مع عظم شأنه ووثاقته متوهما غافلا غير متعمدا؛ فيكون غير مكلفا بعدم الجواز هذا فيخالف علم الفلك في روايته مثلاً. ••الثاني: قول الرسول بانها لم تكسف لأحد في حياته او مماتة، هل هذا يدل على عدم امكانية الائمة صلوات الله عليهم مثلا على فعل ذلك اذا لم يحدث البداء؟ ام ان المقصد انكار المصداق الخارجي لها فمع قدرتهم على كسف الشمس وخسف القمر إلّا انهم لم يفعلوا ذلك؛ وعليه فأنهما لم يكسفان لأحد؟ ام هنالك احتمال ثالث؟ واسف على الاطالة خصوصا ان في كثير من كلامي حشو بلا فائدة. انيرونا بالجواب المحمدي حفظكم الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بمراجعة الشيخ،
ج1: قد يقال - على تقدير سلامة اللفظ - إن عدم اجتماع كسوف الشمس وخسوف القمر إنما هو بحسب الجاري من السنن الكونية، وليس يمتنع تغيرها أو تطورها في آخر الزمان على سبيل خرق العادة بحيث يكون الاجتماع ممكن الوقوع، كما لو مرّ جرم سماوي كبير في ما بين الشمس والأرض، فإن النتيجة تكون حصول كسوف للشمس وخسوف للقمر. وفي التنزيل: (وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ). وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: «(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فتخرج يومئذ الشمس والقمر وهما منكسفتا النور» (إلزام الناصب ج2 ص156) ، وعن الباقر عليه السلام: «إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السماوات والأرض، ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه، ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض» (كمال الدين ص655). إلا أن هذا الوجه بعيد لما هو ظاهر من أن الأمر بالصلاة في قوله: «فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا» ناظر إلى ما هو الجاري من السنن الكونية الباعث على التكليف عادةً، ولا تعلق له بما ينفرد على سبيل الآية والمعجزة في آخر الزمان كعلامات الظهور، فضلا عما بعد انقضاء التكليف من علامات القيامة.
وقد يقال الذي سقتم من تحميل الراوي علي بن عبد الله البجلي أمر الزيادة في اللفظ أو الاشتباه في النقل باعتبار انفراده به، إلا أن الحق أنه لم ينفرد، فثمة رواية رواها صاحب المحاسن عن الحسين بن خالد الصيرفي عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وفيها: «فإذا انكسفا أو أحدهما صلّوا» (المحاسن ج2 ص313).
وقد يقال إن (أو) جاءت للإضراب لا للتعديد، أو أنها من لفظ الرواة وجاءت منهم للشك، وذلك لورود الحديث عند الخاصة والعامة في غير هذين الطريقين بلفظ: «فإن انكسف أحدهما» كما عند الصدوق، وبلفظ: «فإذا انكسفتا» - على التغليب - كما عند الخطيب، فكأن الرواة إذ اختلط عليهم ما سمعوا شكّوا فقالوا: (أو). إلا أن هذا الوجه محض تبرع.
والذي يهون الخطب أن الحديث بطريقيه عن البجلي والصيرفي مبتلى بالضعاف، كأبي سمينة ومحمد بن أسلم، وهما على ضعفهما ليسا منا. وأما البجلي فمجهول. وإن ذكر رجالٍ بالضعف يعني - في جملة ما يعني - أنهم كانوا لا يضبطون النقل، يزيدون وينقصون، ولذا لا يمكن الاعتماد على روايتهم - من حيث المبدأ - كما يعتمد على رواية الثقات الأثبات. وبذا ينحل الإشكال الذي ذكرتم، إذ ليست الرواية عن الثقات المعروفين بضبطهم حتى نبحث في علة وقوع هذا الخلل منهم في الرواية، وهل أنهم رووا بالمعنى أم لا.
ج2: إنما قال صلى الله عليه وآله: «لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته» ولم يقل إن أحدًا لا يقدر على ذلك بإذن الله. وبعبارة أخرى؛ إن المنفي هو وقوع الكسوف أو الخسوف لمجرد موت أحد أو حياته، حتى ولو كان لله وليا، لا أن المنفي قدرة الولي على إيقاع الكسوف أو الخسوف بأمر الله وإذنه وباستعمال الاسم الأعظم مثلا.
ثم إن النفي لا يشمل ما لو أراد الله تعالى إظهار آية غضبه في الكسوف مثلا حين قبض أحد من أوليائه، كما وقع حين شهادة أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، فلقد كُسفت الشمس يومئذ، وذلك لما أحدثته هذه الأمة من قتله وسفك دمه، فما كان الكسوف لمجرد الموت، بل كان آية غضب الرب على ما سبّب حادث الموت أو القتل. فتنبّه.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
20 رجب الأصب 1446 هجرية