سلام عليكم في برنامج "المراجعات بثوبها الجديد" في حلقة اليوم كان الحديث عن كتاب الكافي والتطرق لبعض الإشكالات منها:
١. إبن النديم لم يذكر في الفهرست كتاب الكافي رغم زعمنا نحن الشيعة انه (اي الكتاب) كان مشهورا في بغداد وابن النديم بغدادي معاصر ، فلماذا؟
٢. لماذا عُرضت كتب الشلمخاني وغيره على الامام الحجة (عليه السلام) او السفراء الأربعه ولم يُعرض كتاب الكافي؟
٣. هل توجد تزكية من المعصوم على قراءه الكافي أو تزكية للمؤلف كما حصل مع الصدوق مثلا أو المفيد؟
٤. لا يوجد من معاصري الكليني أو فترة الكليني من ذكر الكتاب ما عدا شهادة أبو غالب التي لا يؤخذ بها لانه من الذين رووا الكافي فكانه يزكي نفسه، وأول ذكر للكتاب جاء بعد خمسين سنه من وفاة الكليني فلماذا إن كان الكتاب مشهورا موجودا؟
٥. لا توجد مخطوطة بخط الكليني للكافي ولم يترك مسودة وأقدم مخطوطة للكافي في القرن السابع للهجرة أي بعد ٣٠٠ سنة من وفاة الكليني ؟
٦. أين الدليل على توثيق الكليني ؟
٧. ذكر الشيخ البكري ان كل الكافي ضعيف فاجاب الشيخ احمد سلمان انه نعم جُل الروايات في الكافي الشريف ضعيفة فهل هذا صحيح؟ لاننا كيف نعتبره اصح الكتب عندنا بعد كتاب الله عزوجل وهو اغلبه ضعيف؟
والسلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بمراجعة الشيخ،
حين يتقمص البكري ثوب الناقد فإن جهله يفضحه! كما يفتضح الحمار إذ يقول الشاعر:
إذا ظهر الحمار بزيِّ خيلٍ
تكشَّفَ أمره عند النهيقِ
ج1: معلومٌ أن كتاب الفهرست للنديم ناقص لم يصلنا بتمامه، ففي مقدمة محققه (ج1 ص103) قال أيمن السيد: «اعتمدتُ في إخراج هذه النشرة لكتاب الفهرست لأبي الفرج محمد بن إسحاق النديم على ست نسخ ليس من بينها للأسف نسخة كاملة واحدة للكتاب». وقال عن نسخة المكتبة السعيدية - تونك بالهند: «وترجع أهمية هذه النسخة إلى أنها نُقلت عن أصل يتفق مع دستور المؤلف الذي كتبه بخطه، فهي تتفق مع نسخة الأصل وتختلف مع نسخة المكتبة الوطنية الفرنسية، ولاحتفاظها ببعض التراجم التي سقطت من الفن الأول من المقالة الخامسة نتيجة لضياع الكراسة الرابعة عشرة من نسخة الأصل. وكان يمكن لهذه النسخة أن تعوضنا عن هذه الكراسة بتمامها لولا أن فقدت منها هي الأخرى كراسة كاملة بين ورقتي ١٢ ظ و ١٣ و، أخلت بنهاية المقالة الرابعة وبداية المقالة الخامسة حتى أثناء ترجمة أبي الحسين الخياط. وانفردت هذه النسخة كذلك بذكر قائمة بمؤلفات ابن المعلم، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد، أخلَّتْ بها جميع نسخ الكتاب»!
وإنك لتجد في الكتاب مواضع عدة سقط منها ما كتبه النديم، كما في (ج1 ص70) إذ يقول: «ترتيب سور القرآن في مصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. قال ابن المنادي: حدثني الحسن بن العباس، قال أخبرت عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن الحكم بن ظهير السدوسي عن عبد خير عن علي عليه السلام أنه رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأقسم أنه لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف مجمع فيه القرآن من قلبه، وكان المصحف عند أهل جعفر. ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسني رحمه الله مصحفا قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب يتوارثه بنو حسن على مر الزمان، وهذا ترتيب السور من ذلك المصحف». وفجأة يتوقف الكلام هنا وينتقل إلى كلام آخر تحت عنوان: «أخبار القراء السبعة وأسماء رواياتهم وقراءاتهم» فلا تجد ترتيب السور في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام. وهذا يدل على أن نُسَخَ كتاب الفهرست للنديم ابتليت بكثير من السقط والضياع، وبهذا لا يبعد أن يكون في أصل كتابه ما ترجم به للكليني ومصنفاته بيد أن ذلك كان مما سقط وضاع، فإنه لولا أن المحقق عثر على نسخة واحدة من بين النسخ فيها ذكر المفيد ومؤلفاته لرأيت الناصبة اليوم ينبرون للتشكيك فيه وفي مؤلفاته بدعوى خلو فهرست النديم من ذكره وذكرها! كما شككوا في الكليني ومؤلفاته بالدعوى السمجة نفسها.
ثم هب أن النديم لم يذكر الكافي؛ فكان ماذا؟! لئن لم يذكره هو فلقد ذكره غيره في ذلك العصر، كالمفيد إذ قال: «وقد ذكر الكليني رحمه الله في كتاب الكافي، وهو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة.. إلخ» (تصحيح الاعتقادات ص70). ومعلومٌ أن المفيد توفي قبل النديم، فالكتاب إذن كان معروفا وله انتشاره آنذاك.
ج2: إنما يكون العرض للشك، فكتب الشلمغاني لعنه الله قد شُكَّ فيها بعد انحرافه ولذلك عُرضت على السفير الثالث لخبرته، وما من دليل لتحقق عرضها على الإمام صلوات الله عليه وعجل الله فرجه. وأما الكافي فكتاب لم يتعرض للشك، إذ هو مجموع من الأصول الأربعمئة المعتبرة، صنَّفه مؤلفه في الري على مدى عقدين حفظًا لتراث آل محمد صلوات الله عليهم، وتُحمِّل عنه هناك من تلامذته والرواة كسائر المصنفات الأُخَر لرجال الشيعة، ولم يحدثنا التاريخ أنه كان من دأبهم في عهد الغيبة الصغرى تعطيل حركة التصنيف ونشر الآثار الشريفة إلى حين عرضها على الناحية المقدسة، بل يوحي التاريخ بالعكس، وأن عدم إيجاب العرض كان لتمرين الشيعة على إعمال الاستنباط والاجتهاد الذاتي مع قرب الغيبة الكبرى.
ج3: هذه مغالطة منطقية تسمى (مغالطة الاحتجاج بالجهل)، فليست تنتفي شهرة وجلالة الكافي ومؤلفه بين الأصحاب لمجرد أنه لم تبلغنا تزكية من الإمام عليه السلام له!
ج4: وهذه مغالطة منطقية أخرى تسمى (مغالطة المصادرة على المطلوب) إذ تُرَدُّ شهادة أبي غالب الزراري بوجود الكافي آنذاك ويُفترَض أنه يزكي نفسه لأنه من رواته دون تقديم دليل مستقل يوجب هذا الرد!
على أن اتهامه بأنه إذ ذكر الكافي «كأنه يزكي نفسه» أبعد ما يكون عن الإنصاف، فإن ذِكره له جاء في سياق رسالته التي كتبها لولده والتي عدَّدَ في خاتمتها طرقه إلى مصنفات أصحابنا، وكان ترتيب الكافي بعد ما يربو على ثمانين كتابا من الكتب الكثيرة التي ذكرها، فقال: «وجميع كتاب الكافي تصنيف أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني بروايتي عنه، بعضه قراءة، وبعضه إجازة. وقد نسختُ منه كتاب الصلاة والصوم في نسخة، وكتاب الحج في نسخة، وكتاب الطهارة والحيض في جزء، والجمع مجلد واحد، وعزمي أن أنسخ بقية الكتاب إن شاء الله تعالى في جزء واحد ورق طلحي».
فها أنت ترى أن الرجل لم يكن في سياق التفاخر أو التباهي حتى يقال: «كأنه يزكي نفسه»! وإنما كان في السياق الطبيعي لذكر طرقه، حتى أنه ذكر عزمه على نسخ بقية الكتاب إذ لم يوفَّق له بعد، وكان قبل ذلك قد كتب لولده: «وقد بيَّنت لك آخر كتابي هذا أسماء الكتب التي بقيت عندي من كتبي وما حفظت إسناده وتيقنت روايته، فإن كان قد غاب عني شرحتُ لك ممن سمعت ذلك وأجزت لك خاصة روايتها عني على حسب ما أشرحه لك من ذلك عند ذكر اسمها. وأجزت لك ما عندي من الكتب القديمة، وذكرت لك ما منها بخط جدي محمد بن سليمان رحمها الله، وما فيها بخط من عرفت خطه، وما جُدِّدَ تلك من الكتب التي خَلِقَتْ. وجعلت جميع ذلك عند والدتك وديعةً لك، ووصَّيتها أن تسلمها إليك إذا بلغتَ، وتحفظها عليك إلى حين علمك بمحلها وموضعها إن حدث الموت قبل بلوغك هذه الحال، فان حدث بها حدثٌ قبل ذلك أن توصي بها مَن تثق به لك وعلمك. فاتق الله عز وجل، واحفظ هذه الكتب» إلى أن كتب: «ثبت الكتب التي أجزت لك روايتها على الحال الذي قدمت ذكرها وأسماء الرجال الذين رويتها عنهم». فبدأ بكتاب الصوم للحسين بن سعيد، وانتهى بكتاب ثعلبة بن ميمون. وإنما ذكر الكافي من بين هذه الكتب الكثيرة. فأين هذا من تزكية المرء نفسه؟!
ج5: وكذا لا مخطوطة بخط البخاري لصحيحه! أفهل يكون ذلك دليلا على عدم وجوده واشتهاره في زمان مصنفه؟!
إنما اشتهر الكافي كما اشتهرت كتب الحديث عن مصنفيها، بالإجازة وقراءة التلاميذ على الشيوخ، وهي وسائل تعتبر أعلى رتبةً واعتبارا ووثاقة في علم الحديث من الوجادة ولو كانت بخط يد المصنف.
والطرق إلى الكافي متواترة في الإجازات، فمنها طريق شيخ الطائفة الطوسي عن المفيد عن ابن قولويه عن الكليني، ومنها طريق الحسين بن عبيد الله الغضائري عن أبي غالب الزراري وابن قولويه وأحمد بن إبراهيم الصميري والتلعكبري وأبي المفضل جميعا عن الكليني، ومنها طريق المرتضى عن أحمد بن علي بن سعيد الكوفي عن الكليني، ومنها طريق ابن نوح عن ابن قولويه عن الكليني، وطريق ابن عبدون عن الصيمري عن الكليني، وطريق ابن عبدون أيضا عن عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز عن الكليني.
ولي إلى الكافي طرق موصولة في إجازاتي الروائية، وبعضها منشور.
ج6: فكاهي جدا هذا السؤال! إذ توثيقات الأجلة لثقة الإسلام الكليني ماثلة أمام العيان. ففي ترجمته في (رجال النجاشي ص377) قال: «شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم. صنَّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني - يسمى الكافي - في عشرين سنة». وفي (الفهرست لشيخ الطائفة ص135): «محمد بن يعقوب الكليني، يكنى أبا جعفر، ثقة، عارف بالأخبار».
ج7: ليس من كلمة أهل التشيع أن الكافي «أصح كتاب بعد كتاب الله» فهذه كلمة العامة العمياء في صحيح البخاري. وأما الحكم على جل روايات الكافي بالضعف، فهو من الضعف العلمي، إلا أن يُراد بهذه الكلمة وقوع ضعاف في الأسناد على بعض الآراء والمباني، وغني عن القول أن الضعف لمكان ضعيف في السند - على رأي من يضعفه - لا يلازم بالضرورة ضعف الحديث المروي، فالعبرة إنما هي بالمجموع والمنتهى. وأحاديث الكافي لا تخلو من اعتبار في الأغلب الأعم كما ذكرناه في دروسنا الحوزوية، وقد قال النائيني: «المناقشة في أسناد الكافي حرفة العاجز».
وإذا تعنت المخالف فلك النقض عليه بأن صحيح البخاري نفسه فيه مئات من الضعفاء والأحاديث الضعيفة! وذلك على آراء ومباني آخرين غير البخاري، وهم علماء كبار عندهم ذكرهم ابن حجر في مقدمة فتح الباري، فراجع، فإن الدارقطني لوحده طعن على مئتي حديث! ومن هؤلاء الضعفاء المجروحين من أقرَّ على نفسه بالوضع كإسماعيل بن أبي أويس الذي هو ابن اخت مالك بن أنس وصهره على ابنته! ومع ذلك تجد البخاري يوثقه ويروي عنه! (عمدة القاري للعيني ج1 ص8)
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
20 جمادى الأولى 1446 هجرية