السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... بأي دليل بلاغي تدَّعون ان الشيخ الوائلي قد ذكر المطربة أم كلثوم بقصد المدح و الإطراء، في قصيدته (محاورة مع النيل) ؟، بمعنى أخر من قال لكم بأنه كان يقصد مدحها ؟ ارجو أن تبينوا ذلك لغوياً و بشكل مفصل. كفاكم تفسيقاً للوائلي لمجرد أنه وصف مطربة مشهورة كأم كلثوم فهو لم يمدحها و إنما وصفها فقط، و ليس كل وصف هو مدح، ناهيك على أنه ميت و ليس حي ليردكم. عموماً هداكم الله وإيانا. أعلم انكم ستتجاهلون رسالتي هذه كما هي عادتكم و لكن فقط من باب المحاولة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبارك لكم ذكرى ميلاد الإمام العسكري عليه السلام، وكل عام وأنتم بخير.
القصيدة هي محاورة مع النيل وقد نُظمت في القاهرة عام ١٩٦٩م، ونقول بصرف النظر عن أنّ للقصيدة شارحا مُعتمَدًا من أهل الاختصاص قد تم انتخابه من قبل المؤسسة التي طبعت ديوان الوائلي وأنّ كلامه حجّة في هذا الموطن وسوف ننقله لكم ويتضح أنه فَهِم من البيت مدح المطربة المدعوة أم كلثوم.
أقول بصرف النظر عن ذلك فإنّه بمراجعة القصيدة من(مُستهلها، مطلعها) يتبيّن أنّ الرجل بصدد تعداد صورٍ ذات ألق وجمال رآها في بلاد النيل!
يا نيلُ جئـتك أستحثُّ رِكابـي
وأكادُ أستبِقُ الخَيَالَ لِما بِي
رحَلَتْ إليك على النُّعوتِ مشاعري
فـأســرتـهـا فـي واقــعٍ جــذَّابِ
ووقفتُ أرقبُ والتُّأمُّل جلوةٌ
صُورًا على أَلقٍ لدَيْكَ مــُذابِ
وقد راحَ بعد ذلك يُعدِّد ما رآه من صورٍ ذات ألَقٍ -من وجهة نظره- قد عاينها في بلادِ النِّيل إلى أن وصلَ إلى وصف ليالي النيل فجاءَ على صورةِ الطّرب الكلثومي!
يقول شاعرُ المُجُونِ الوائلي:
والمـستثير على تـشنُّجِ (سُومةٍ)
مُهجاً سبحْنَ مِن الجَوَى بعُبــاب
يقول شارح الأبيات:
سومة: أم كلثوم، المطربة التي سميت في القرن العشرين كوكب الشرق لعظمة صوتها وسحر غنائها وتمثيلها ظاهرة فنية فريدة في عصرها.
ولاحظ أنّ مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر التي تولّت طباعة ديوان الوائلي قد عرّفت من خلال هذه الديباجة بشارح ديوان الوائلي الكاتب السوري"أديب شيخ الأرض":
(لما كان للمرحوم من ثقافة عالية وفكر عميق، طلبنا من الباحث والكاتب سمير شيخ الأرض، وهو المعروف بمكانته الثقافية والأدبية والفكرية في سوريا، أن يقوم بهذه المهمة، في أثناء تدقيقه الكتاب وإشرافه على إخراجه وطبعه، فتفضّل بقبولها، وأحسن صنعاً فيما قام به من جهد، فاستوجب شكرنا وتقديرنا)
هذا ونُلفِتُ إلى أنّ الوائلي قد كان بصدد عقد مقارنة بين ليالي هارون العباسي لعنه الله وليالي النيل! فانتصرَ لِليالي سومة وعمر الخيام صاحب الرباعيات التي غنتها أم كلثوم الفاسقة، فهو يرى أنّ ليالي النيل تفوق ليالي هارون سحرا!
يقول الوائلي:
يا نيلُ لو ظفر الرشيد بليلةٍ
من(لـيلِكَ) الـمخمورِ بالأنخابِ
الـباعث الخيّام في خَطراتهِ
نغَمـاً عـلى شبـّـابةٍ وربــابِ
والمـُستثير عَلى تـشنُّجِ (سُومةٍ)
مُهجـاً سبَحْنَ من الجَوى بعُبَـابِ
لَسَلا لياليه وعَـافَ بـِساطـَهُ
وجَــثا على رمـلٍ هنا وتُرابِ
وحبا إلى كـأسٍ ولفّ ذِراعَهُ
خـصْراً وبـلّل ثغره برُضابِ
حتى إذا أهـوى الخمارُ برأسـه
وسجــا وآذن وعيهُ بــذهـابِ
أرضـى أمـانيهُ وأرسلَ طبعهُ
وانـفكّ مِن خطأٍ به وصـوابِ
ثمّ الطريف أنه لئلا يُتَّهم الوائلي تجده يقول إنه يمدح ليالي النيل ويصفها ولكنه ما دخلها ولا ولج فيها وإنما شاعر المُجُون البريء لمحها من وراء(الباب) فقط!
كان يسترق النظر والسمع فساعة لربه وساعة لسومة والعياذ بالله!
يقول الوائلي مؤكِّدا مدى إعجابه وانبهاره بليل النيل الذي يَعتَبرُ مجونه وفواحشه التي شرحها آلاءً تُحِيلُ البلوى نعيما وحلاوة!
يا نـيلُ (ليلُكَ) رغم أنِّيَ لَم ألِجْ
فيهِ لمحتُ رُؤاهُ (خلفَ البــاب)!
(آلاؤه) لو مَسّتِ البَلوى مَشـى
فيها (النّعيمُ) حَـلاوة وتَصَابِي!
ثم بعد كل هذا يأتيك الماحلون الذين لا يخافون الله ولا يستحونَ من موقفِ يوم الحساب فيسفِّهون أحلام الجماهير ويستخفُّون بأفهام الناس ويخبرونهم أنّ الوائلي كان في معرضِ الذَّم!
من أراد أن يخدع نفسه فيقول إنّ الجمل قد ولج في سَمِّ الخِيَاط فتحوّلت الأبيات إلى ذمٍّ فهو وشأنه إذ لا نَظَرَ لِذي هوى ولا عقلَ لِمن غَوى!
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
4 ربيع الآخر 1446 هجرية