السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سماحة الشيخ العزيز، تقبل الله أعمالكم بأحسن القبول، في تحاورٍ مع أحد طلبة العلوم الدينية - وفّقه الله - ، ذكر لي أن كتاب الاحتجاج مرسل الروايات، أي أن الشيخ الطبرسي (قدّس سره) لم يذكر الأسانيد في هذا الكتاب القيّم، ولذا لا يصحّ أن نعتمد على الأخبار التي رًوِيَت فيه، وتطرّق إلى أمرين: أولهما بطلان الاعتماد على رواية الإمام السجاد (عليه السلام): "عمّة زينب، أنتِ بحمد الله عالمة غير معلّمة ، وفهمة غير مفهَّمة" في بيان هذا المطلب والمقام لمولاتنا الحوراء زينب العقيلة (روحي لها الفداء). أمّا ما يتعلّق بآخر الإشكالين، صحّة نسبة رسائل الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين لتراب حافر بغلته الفداء) إلى الشيخ المفيد (رحمه الله ) له صلوات الله عليه. أوردت له مقدّمة كتاب الاحتجاج : (ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إمّا لوجود الاجماع عليه أو موافقته لما دلّت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، إلاّ ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام قال ليس في الاشتهار على حدّ ما سواه، وإن كان مشتملاً على مثل الذي قدمناه، فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أوّل جزء (خبر) من ذلك دون غيره، لأنّ جميع ما رويت عنه عليه السلام إنّما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها عليه السلام في تفسيره). ثمّ أتبع قائلاً: أنّ ابن بطريق الحلّي صاحب (نهج العلومِ إلى نفي المعدوم) كتابه مفقود، فكيف يتمّ الاحتجاج به؟ نرجو توضيح إجابة هذا الإشكال شيخنا الأستاذ مع التطرّق إلى الملاحظتين اللتين ذكرهما طالب العلم. وفقكم الله لمرضاته ومرضاه نبيّه وآله صلّى الله عليه وآله، مسقط - عُمان صباح يوم السبت الثامن عشر من شهر شوّال لسنة 1445هـــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ،
إن على طلبة العلوم الدينية أن لا يطيروا قبل أن يريشوا، وأن لا يتزببوا قبل أن يتحصرموا، وأن لا يضحكوا أهل العلم عليهم لما فيه - قبل النضج - دخلوا، فما كل ما فقدنا سنده سقطت حجيته واعتباره؛ إذ لطالما كفتنا قرائن الصحة وأغنتنا شهادة الناقل الحجة، وما كل ما فقدنا أصله طوينا عنه كشحا، وإلا فهذه الأصول الأربعمئة مفقود جلها، مأخوذ بما نُقل عنها وإن كان فيه انقطاع أو إرسال.
والخبر السجادي في بيان مقام العقيلة صلوات الله عليها؛ خبر محفوف بقرائن الصدق والصحة، فإن مضمونه أنها حائزة على العلم اللدني والفهم الاستثنائي، وذلك هو مقتضى ما روي من تعيينها وصية للحسين صلوات الله عليه في الظاهر، وأنه عليه السلام مسح على رأسها، إذ المسح في هذا المقام آية إفاضة العلم الخاص والكمال، كما يمسح صاحب الأمر صلوات الله عليه على رؤوس العباد فتجتمع عقولهم وتكمل أحلامهم، وهو المتسق مع ما حواه منطقها من عظيم المعرفة بالله وحكمته في أموره؛ والإنباء عن المستقبل الأكيد، بما لا يمكن التفريق بينه وبين سائر ما ورد من خطب المعصومين عليهم السلام في فحواه وأسلوبه، فإنها جميعا تجري مجرى واحدا كما هو واضح. فإذا ضممنا إلى ذلك شهادة الطبرسي رحمه الله في احتجاجه أنه إنما اختصر الأخبار بحذف أسنادها لإحدى ثلاث: وجود الإجماع، أو موافقة العقول، أو الاشتهار بين المؤالف والمخالف؛ كانت النتيجة أن الخبر من هذا المجموع مقبول حائز على الحجية.
وكذلك هي حال خبر رسائل مولانا بقية الله الأعظم صلوات الله عليه لشيخنا المفيد عليه الرحمة، فلقد نص ابن بطريق الحلي رحمه الله على أنه «ما ترويه كافة الشيعة وتتلقاه بالقبول» (لؤلؤة البحرين ص350). والإشكال بأن كتابه (نهج العلوم إلى نفي المعدوم) مفقود فكيف يتم الاحتجاج به؟ إشكال واهٍ لا يُلتفت إليه، لأن فقد عين الكتاب لا ينزع الحجية عما نُقل منه، وقد نقل منه صاحب الحدائق رحمه الله في اللؤلؤة ما تقدم إذ كان الكتاب بين يديه. وهذه جوامعنا ومصادرنا تتضمن منقولات من أصول وكتب سابقة فقدنا مخطوطاتها الأصلية، فكان ماذا؟!
ثم إن هذا النقل لم يقتصر على الطبرسي وابن بطريق الحلي، فلقد نقل القطب الراوندي رحمه الله أجزاء من هذه الرسائل أيضا في الخرائج والجرائح(ج2 ص902) . وتعدد الناقلين من الأعاظم مع تنصيص بعضهم على أن الخبر ترويه الشيعة كافة وتتلقاه بالقبول؛ يجبر إرساله، فكيف إذا نُشر أخيرا ما يثبت سنده المعتبر؟ فلقد عُثر على مخطوطة قديمة في مكتبة مجلس الشورى الإيراني برقم (10481) جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرنا الشيخ أبو الغنائم عبد الله بن محمد قال: أخبرني والدي أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري قال: أخبرني الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه قال: كنت جالسا على باب داري، فأقبل عليَّ رجلٌ بعد العصر، وكان إلى جانب الكهولية وعليه ثياب فاختية، فسلَّم عليَّ، وسلَّمَ إليَّ كتابا، وذلك في أيامٍ بقين من صفر سنة عشر وأربعمئة، ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، عنوانه: الأخ السديد والمولى الرشيد الشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد. بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد؛ سلام عليك أيا الولي المخلص في الدين.. إلخ».
وأبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري رحمه الله هو خليفة المفيد، الجالس مجلسه، من أعاظم فقهائنا المتكلمين من تلامذته، كما ذكره النجاشي رحمه الله. فها هو يروي عن أستاذه قصة هذه الرسائل التي وصلت إليه، وهو ما يؤكد أن رواية هذه الرسائل كانت قديمة قدم عصر المفيد، وأنه الذي حكاها لخواصه، لا أنها افتُعلت في عصر الطبرسي وابن بطريق والرواندي. ويؤكد ذلك أيضا أن خبرها كما نصَّ الأعاظم كان معروفا مشهورا عند الشيعة تتلقاه بالقبول، فلا يكون رد ذلك بعد كل هذا إلا جهلا أو تعنتا أو وسوسة لا قيمة لها في سوح العلم والتحقيق.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
23 ذو القعدة 1445 هجرية