وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ
كيف نثبت للبكرية ان الرساخون في العلم هم اهل البيت عليهم السلام لان منهم يقول ان قوله تعالى وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا ان مع ان واو العطف تاتي مع يقولون آمَنَّا فيكون المفهوم انهم امنو بالتاويل ولا يعني ان يشرك الراسخون بالعلم انهم يعلمون التاويل . جزاكم الله خير واسال الله ان يبارك في وطن الرافضة الجديد وان نكون من انصار الحجة عجل الله فرجة الشريف .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد الإمام الصادق عليه السلام، ولعنة الله على قاتليه.
هم قد اختلفوا في الوقف في هذه الآية أصلا إلى قولين، القول الأول يقول الوقف على لفظ الجلالة، والقول الثاني على قوله (والراسخون في العلم) وهو الذي ذهب إليه كثير من المفسرين وأهل الأصول عندهم، كما أشار إلى ذلك ابن كثير في تفسيره حيث قال:
”اختلف القراء في الوقف هاهنا، فقيل: على الجلالة، كما تقدم عن ابن عباس أنه قال: التفسير على أربعة أنحاء: فتفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها، وتفسير يعلمه الراسخون في العلم، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل. ويروى هذا القول عن عائشة، وعروة ، وأبي الشعثاء وأبي نهيك، وغيرهم. ومنهم من يقف على قوله: (والراسخون في العلم) وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول، وقالوا: الخطاب بما لا يفهم بعيد. وقد روى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به. وكذا قال الربيع بن أنس. وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: (وما يعلم تأويله) الذي أراد ما أراد (إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، فاتسق بقولهم الكتاب، وصدق بعضه بعضا، فنفذت الحجة، وظهر به العذر، وزاح به الباطل، ودفع به الكفر. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)“.
وقال القرطبي في تفسيره في رده على الخطابي: ”قلت : ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره فقد روي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل، وأنهم داخلون في علم المتشابه، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به. وقال الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم: و يقولون على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخين، كما قال: الريح تبكي شجوها والبرق يلمع في الغمامه.
وهذا البيت يحتمل المعنيين؛ فيجوز أن يكون (والبرق) مبتدأ، والخبر (يلمع) على التأويل الأول، فيكون مقطوعا مما قبله، ويجوز أن يكون معطوفا على الريح، و (يلمع) في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا. واحتج قائلو هذه المقالة أيضا بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم ، فكيف يمدحهم وهم جهال وقد قال ابن عباس: (أنا ممن يعلم تأويله) وقرأ مجاهد هذه الآية وقال: أنا ممن يعلم تأويله، حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي… والوقف على هذا يكون عند قوله والراسخون في العلم. قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر : وهو الصحيح؛ فإن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب. وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع“.
ومما تقدم يُعلم تهافت هذا الإشكال من أغرار الطائفة البكرية الذين لم يطالعوا تفاسيرهم وأقوال كبار علمائهم في هذا الشأن.
وبما أنهم قد جوزوا لابن عباس ومجاهد ومن أشبه أن يكونوا من الراسخين في العلم الذي يعلمون تأويل القرآن، فلم لا يكون أهل البيت عليهم السلام منهم؟ كيف لا وقد قرنهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرآن في الحديث الصحيح المعروف بحديث الثقلين (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)، وهم الأحق بذلك.
هذا ناهيك عما ورد عنهم صلوات الله عليهم في تفسير هذه الآية الواردة في أمهات مصادرنا نحن الشيعة ومنها:
ما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله".
وما عن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول الله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ}؟ قال: يعني تأويل القرآن كله {إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ} فرسول الله أفضل الراسخين، قد علمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله منزلا عليه شيئا لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، فقال الذين لا يعلمون: ما نقول إذا لم نعلم تأويله؟ فأجابهم الله {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} والقرآن له خاص وعام، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، فالراسخون في العلم يعلمونه. (تفسير البرهان)
وهذه الرواية الأخيرة توضح بطلان القائلين بالقول الأول - أي الوقف على لفظ الجلالة -، إذ كيف يُتعقَّل أن الله سبحانه وتعالى ينزل آياته على رسوله صلى الله عليه وآله ولا يعلم بتأويل تلك الآيات؟
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
26 شوال 1445 هجرية