بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال
ما هو الواجب المتعين علينا اتجاه أهل السنة في المعاملة وفي الولاء و البراء ؟
خالد عبداللطيف عبدالله الراشد
باسمه جلّ ثناؤه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسعد الله أيامنا وأيامكم بالأعياد الشعبانية الثلاثة الأُوَل، ميلاد سيد الشهداء والأحرار أبي عبد الله الحسين وميلاد أخيه سيد الأبطال والشجعان أبي الفضل العباس وميلاد نجله سيد الساجدين والعابدين أبي محمد علي (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) سائلين الله تبارك وتعالى أن ينعم على هذه الأمة في هذه المناسبات العظيمة بالخير وأن يعجّل قيام وليّه المنتظر المهدي صلوات الله وسلامه عليه وأرواحنا فدى تراب نعليه.
إجمالا؛ ينبغي للمؤمن الموالي الواعي أن يتحرّك تجاه المخالفين في طريقيْن متوازييْن:
الأول؛ مخالطتهم ومعاشرتهم بالمعروف والإحسان وطيب المعاملة، وأن لا ينزوي عنهم بل يحرص على التعاطي المباشر المستمر معهم، مُظهرا مكارم أخلاقه، محبّبا نفسه إليهم، بما يؤدي إلى تحبيبهم بالتشيّع نفسه. فإن المرء إذا رأى أهل ملّة في قمة المكارم والمحاسن والسجايا والأخلاق النبيلة؛ كان ذلك دافعا له لأن يغدو منهم.
وعلى هذا دلّت جملة من الوصايا الواردة عن أهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم) منها ما عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) أنه قال: "يا معشر الشيعة.. إنكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زينا ولا تكونوا شينا. كونوا مثل أصحاب علي (عليه السلام) في الناس، إنْ كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون إمامهم ومؤذّنهم وصاحب أماناتهم وودائعهم، عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وصلوا في مساجدهم، ولا يسبقوكم إلى خير فأنتم والله أحق منهم به". (البحار عن المحاسن ج18 ص636).
ومما يُستفاد من هذا النص الشريف أن على الشيعة أن يصبحوا كأصحاب أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) في التقدّم على الناس، أي أن يكون كل واحد من الشيعة في بلده أو محلّته أو عشيرته هو المبرّز فيهم، يلتفّون حوله ويثقون به. وأن يتواصل الشيعي مع المخالف في أفراحه وأحزانه، وأن يكون السبّاق إلى كل خير لأنه أولى به منه. وبذا تكون له السمعة الطيبة التي تجعل الناس تتمنى أن تغدو مثله، وتقبل كلامه إذا ما وجّههم إلى طريق الولاية.
أما الطريق الثاني؛ فأن يتصدّى المؤمن الموالي الواعي لبيان أحقية ومظلومية أهل البيت صلوات الله عليهم، وأن يحضّ المخالفين على موالاتهم والبراءة من أعدائهم، فينبري لكشف مخازي أعدائهم وظَلَمتهم (عليهم اللعنة) حتى يسقطوا عن الاعتبار، ويعظّم آل محمد (صلوات الله عليهم) ويظهر فضائلهم ومناقبهم وعلوّ شرفهم، كما يحطّ ممّن ناواهم وعاداهم وخالفهم. وأن يُعزّ الإسلام الأصيل – أي التشيّع – مثبتا أنه الدين الحق، ويُذلّ الإسلام المزيّف – أي التسنّن البكري العمري – مثبتا أنه الدين الباطل، فيبصّر المخالفين بالصراط المستقيم.
وعلى هذا دلّت جملة من الروايات كما عن أبي محمد العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال لأحد تلامذته لما اجتمع قوم من الموالي والمحبين لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحضرته، وقالوا: "يابن رسول الله.. إن لنا جارا من النُّصاب يؤذينا ويحتج علينا في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان على أمير المؤمنين عليه السلام، ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها. فقال (عليه السلام) لأحد تلامذته: مُر بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلمون فتسمع عليهم، فيستدعون منك الكلام فتكلم، وأفحم صاحبهم، واكسر غرّته وفلّ حدّه، ولا تبقِ له باقية. فذهب الرجل وحضر الموضع وحضروا، وكلّم الرجل فأفحمه وصيّره لا يدري في السماء هو أو في الأرض! قالوا: فوقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وعلى الرجل والمتعصّبين له من الحزن والغمّ مثل ما لحقنا من السرور، فلما رجعنا إلى الإمام (عليه السلام) قال لنا: إن الذي في السماوات من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله كان أكثر مما كان بحضرتكم، والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته من الشياطين من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم، ولقد صلّى على هذا الكاسر له ملائكة السماء والحجب والكرسي، وقابلها الله بالإجابة فأكرم إيابه وعظّم ثوابه، ولقد لعنت تلك الملائكة عدوّ الله المكسور وقابلها الله بالإجابة فشدّد حسابه وأطال عذابه". (البحار ج2 ص11).
ومما يُستفاد من هذه الرواية الشريفة أن المؤمن الغيور الفاهم الذي يضطلع بمهمة نسف المباني العقيدية التي يقوم عليها الدين المخالف يصليّ عليه الله تعالى ويثيبه بأعظم الثواب، وأن الاحتكاك بالنواصب والمخالفين ومجادلتهم ومناظرتهم إنما هو من جملة الوظائف الشرعية المطلوبة. فإن ذلك هو ما يبصّر العامة بأحقيتنا وأننا على دين ومنهج رسول الله وآله الأطهار أرواحنا فداهم.
وقد رغّب الشارع المقدّس بهذه المهمة ترغيبا عظيما، فروى أبو محمد العسكري عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليهما) أنه قال: "من كان همّه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين لنا أهل البيت، يكسرهم عنهم، ويكشف عن مخازيهم، ويبيّن عوراتهم، ويفخّم أمر محمد وآله صلوات الله عليهم؛ جعل الله همّة أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره، يستعمل بكل حرف من حروف حججه على أعداء الله أكثر من عدد أهل الدنيا أملاكا قوة، كل واحد يفضل عن حمل السماوات والأرض، فكم من بناء وكم من نعمة وكم من قصور لا يعرف قدرها إلا رب العالمين"! (البحار ج2 ص10).
وإننا لننبّه مجددا إخواننا المؤمنين – حرسهم الله تعالى – إلى ضرورة الجمع بين الوظيفتين وفهمهما جيدا، وأن لا تطغى واحدة على أخرى، فإن كثيرا من الموالين أخذوا بالوظيفة الأولى بعدما فهموها خطأً، فشرعوا في ملاينة ومداهنة أهل الخلاف بما يتعدّى حدّ حُسن المعاملة إلى حدود التنازل عن ثوابت الولاء والبراء ولو ظاهرا، ظنا منهم أن ذلك مما تقتضيه هذه الوظيفة وأن ذلك مما أمر به الشارع، فكان عملهم مسببا للوهن والخنوع وحاجزا عن تبصير المخالفين بالحق بعد إذ كتموا أهم ما فيه.
كما أن بعضا من الموالين أخذوا بالوظيفة الثانية بعدما فهموها خطأُ، فشرعوا في تغليظ المعاملة مع المخالفين ومقاطعتهم وجرح ذواتهم، ظنا منهم أن ذلك مما تقتضيه هذه الوظيفة وأن ذلك مما أمر به الشارع، فكان عملهم مسببا للنفور والاستكراه وحاجزا عن تبصير المخالفين بالحق بعد إذ تخاشنوا معهم.
واللازم هو الجمع بين الوظيفتيْن والسير في الطريقيْن فيكون المؤمن في كل معاملاته مع المخالف ليّنا مؤديا لواجب المعاشرة الطيبة في سائر شؤون الحياة، وفي الوقت نفسه يكون في نقاشه معه حازما غير متوارٍ أو متراجع بل يعرّفه بالحقائق بكل شجاعة وجرأة وصراحة.
وفقنا الله وإياكم لذلك. والسلام. الثالث من شعبان المعظم لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.