شيخنا الجليل السلام عليكم ومتباركين بهاي الايام العظيمة واعادها علينا في حال افضل.
قرأت من كم يوم مقالة لاحد الملاحدة عن التقويم القمري والنسئ وصار عندي لبس في الموضوع.
أرجو منكم شيخنا بيان الصحيح وازالة هذه الشبهات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ أفاد أن هذا الكلام لا يرقى إلى كونه بحثا علميا فهو مجرد خرابيش مبنية على أقوال مرسلة متضاربة عند العامة العمياء.
المعتمد عندنا في معنى النسيء هو ما كانت عليه العرب من التلاعب بحكم الأشهر الحرم ففي تفسير القمي: «قوله تعالى: (إِنَّمَا ٱلنَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ) كان سبب نزولها أن رجلا من كنانة كان يقف في الموسم، فيقول: قد أحللت دماء المحلين من طيء وخثعم في شهر المحرم وأنسأته، وحرمت بدله صفرا. فإذا كان العام المقبل يقول: قد أحللت صفرا وأنسأته وحرَّمْتُ بدله شهر المحرم. فأنزل الله: (إِنَّمَا ٱلنَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ) إلى قوله: (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ)».
وأبرز دليل على أن هذا هو معنى النسيء - وهو تغيير الحكم لا تغيير موضع الشهر - هو ما جاء في الآية نفسها حيث يقول تعالى: (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا). والقرآن - حتى عند غير المؤمنين بسماويته من الباحثين - هو أقدم وثيقة تاريخية للعرب ضُبطت ضبطا محكما، وهو مرآة تعكس الذي كان دائرا زمان نزوله، فالقدر المتيقن هو أن يكون معنى النسيء هو هذا الذي تحدث عنه القرآن، والذي يدور مدار الحكم لا الترحيل، فالشهر في محله لكنهم في عام يحلّونه وفي عام يحرّمونه. وأما ما زاد على هذا القدر المتيقن فيحتاج إلى عبء الإثبات، وقد عرفتَ أن ما ههنا ليس سوى أقوال مرسلة متضاربة عند العامة العمياء، ومنها ما ذكرته هذه الخرابيش من أنه صلى الله عليه وآله قد صام يوم عاشوراء بحسب التقويم اليهودي! وهو أمر منفي عن سيرته لما جاء عن أئمة أهل بيته عليهم السلام؛ وقررته التحقيقات الدقيقة.
والخلط الذي وقع فيه بعضهم هو الخلط ما بين النسيء الذي له معنى محدد هو المتقدم؛ وما بين كون أمة العرب أمية جاهلة لم تكن دقيقة الضبط والحساب، فكانت تكبس سنة وتهمل أخرى، وتجعل سنة ثلاثة عشر شهرا، وتأخذ من الأمم الأخرى وتتأثر بتقاويمها، ويقع عندها جراء ذلك كله اضطراب قد أتى الإسلام فضبطه مذ أشرقت شمسه حتى يوم الناس هذا.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
27 جمادى الآخرة 1444 هجرية
