السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
هل قال الصحابي شهيد الطف عابس بن أبي شبيب الشاكري سلام الله عليه حُب الحُسين أجنني.
لان كما تعلمون ان هذه المقولة دائماً تُنقل على المنابر و عندما بحث وجدت الاقاويل فيها مختلفة لهذا ارجوا الاجابة، و اذا أمكن ان تذكروا سيرة عابس و مقتله يوم العاشر و لو بأختصار.
و السلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد الإمام الحسين وأصحابه صلوات الله عليهم ولعنة الله على قتلتهم وأعدائهم أجمعين.
يرى الشيخ أن كثيرا من العبارات التي تصف مجريات ملحمة الطف الخالدة هي بالأصل عبارات أدبية، ولا يعني ذلك أنه ليس لها واقع فأكثرها لها واقع في النصوص التاريخية المعتبرة وصيغت العبارات الأدبية تعبيرا عنه في المقاتل المتأخرة.
يقول سماحته: إن عبارة «حب الحسين أجنّني» هي من هذا القبيل، فواقعها الذي تعبّر عنه هو ما جاء في أوثق المقاتل القديمة كمقتل أبي مخنف الذي ينقل عنه الطبري، حيث روى أنه عندما أحاط الفجرة الأدعياء بعابس بن أبي شبيب الشاكري رضوان الله عليه ورضخوه بالحجارة من كل جانب: «ألقى درعه ومغفره وشدَّ على الناس».
ولا شك أن المقاتل الذي يلقي درعه ومغفره - وهي وسائل الوقاية له - يُرى فعله وكأنه ضربٌ من الجنون إلا أن الحقيقة أنه ليس كذلك، فلقد اعتاد أبطال العرب في حروبهم مثل هذه الأفعال التي تعبِّر عن الاستماتة في القتال وبها يدخل الرعب على العدو، ومنها كسر أجفان السيوف وعقر الدواب وإلقاء الدروع ونحو ذلك.
ولقد غفل الذين يستنكرون هذه العبارة عن أن هذا الضرب من الجنون إذا كان في الحرب فهو ممدوح، إذ ليس يُرى في عيون العقلاء إلا شجاعة وبسالة وبذلا للروح وتوطينا للنفس على الموت، لأن الجنون الحقيقي المذموم هو أن يطيش عقل المقاتل ويفزع في الحرب فيفرّ مرتعدا ملحوقا بعار الدنيا وعذاب الآخرة، ولذا يجب في تلك اللحظة مداواة هذا الجنون المذموم بذلك الجنون الممدوح؛ ومداواة جنون العدو بما يقابله بحيث يزول معه الخوف من النفس حتى تمضي على التحدي والإقدام؛ كما قال الأول:
فدت نفسي وما ملكت يميني ... فوارس صدقوا فيهم ظنوني
فوارس لا يملون المنايا ... إذا دارت رحا الحرب الطحونِ
فنكب عنهم درء الأعادي ... وداووا بالجنون من الجنونِ
(راجع الحيوان للجاحظ - باب آخر في ذكر الغضب والجنون في المواضع التي يكون فيها محمودا - ج3 ص54)
ومن المعلوم أن باب المشاكلة والمجاز في اللغة واسع، فلا حرج في استعمال لفظ الجنون في مثل هذا الموضع وفي توصيف فعل هذا البطل الفذ؛ من هذا الباب على أدنى تقدير.
والحاصل أن عابسا إن لم يكن قد نطق بهذه العبارة بلسانه؛ فلقد نطق بها بأفعاله، سلام الله عليه وبركاته ورضوانه.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
22 محرم الحرام 1442 هجرية