بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين وإلعن أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ الفاضل ياسر الحبيب حفظه الله تعالى وحشره مع محمد وآله الطيبين الطاهرين ،
كيف كانت طريقة قتل عمر لعنه الله على يد البطل أبو اسلام فيروز النهاوندي رضوان الله عليه إذ قد يستشعر من الموقف انه رضوان الله عليه قد فتك بالمجرم الملعون عمر واغتاله غيلة وإن كان عمر نفسه مستحقا للقتل ، حيث أنه قد يستشكل من قبل البعض بأن الاسلام قيد الفتك كما روي عن مسلم بن عقيل عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحادثة المشهورة مع عبيد الله وهانيء بن عروة ، وكما قد يظهر أو يتبادر من بعض مواقف أمير المؤمنين عليه السلام كموقفه من ابن جرموز لعنه الله الذي قتل الزبير لعنه الله وهو يصلي وكذلك موقفه من قتل عثمان عليه اللعنة مع أنه مستحق للقتل أيضا حيث أنه عليه السلام ما حزن وما رضي على قتله وكذلك ما فعله مع عثمان نفسه قبل مقتله من التصدي للثوار ومحاولة إيقافهم؟
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد مولانا الإمام باب الحوائج أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله وسلامه عليهما. جعلنا الله وإياكم ممن يطلب بثأره قريبا مع ولده المنتظر صاحب العصر والزمان أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.
قتله على النحو المشهور من أنه كمن له فطعنه وبقر بطنه ثم فرّ، هذه هي الكيفية، وأما الإشكال فمدفوع أولا بأن ”الإيمان قيد الفتك“ عام يقبل التخصيص الاستثنائي، فإذا أمر المعصوم أو أذن جاز الفتك والاغتيال، ولهذا شواهد منها إهدار رسول الله (صلى الله عليه وآله) دم المغيرة بن أبي العاص حيث قُتل فتكا، وكذا إهداره دم جماعة يوم الفتح منهم عبد العزى بن خطل وقد قُتل فتكا وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وقد قُتل كذلك بين الصفا والمروة، والحويرث بن نقيد بن قصي وقد قتله أمير المؤمنين عليه السلام، ومن الشواهد إهدار الإمام الهادي (عليه السلام) دم فارس بن حاتم القزويني الذي كان من كبار الغلاة، فقتله الجنيد (رضوان الله تعالى عليه) بأمره (عليه السلام) فتكا أيضا وذلك بعد خروجه من المسجد. وعليه فالفتك يجوز بعناوين ثانوية منها أمر المعصوم أو إذنه، والذي يُستشعر من الروايات أن أبا لؤلؤة فيروز (رضوان الله تعالى عليه) كان مأمورا أو مأذونا، بدلالة أنه مُبشَّر بالجنة لخصوص قتله عمر بن الخطاب (عليه اللعنة) فلو كان قتله إياه محل إشكال شرعاً لما كان له أن يُبشَّر بالجنة لأجله، بل لوجب بيان الإشكال، وإذ لا نجده بل نجد المدح التام له والبشارة بالجنة فيثبت أنه إما كان مأمورا أو مأذونا من إمام زمانه. وعلى التنزل عن إثبات المأمورية أو المأذونية فإن الفتك بالناصب المعادي بعمله خارج تخصيصا عن عمومية حرمة الفتك، وذلك لما ورد في خبر داود بن فرقد قال: ”قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم، ولكن أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكي لا يُشهد به عليك؛ فافعل“. (الوسائل ج28 ص217) وقلب الحائط والإغراق بالماء مصاديق للفتك. ومعلوم أن عمر (عليه لعائن الله) أكبر وأخبث ناصبي، فجواز الفتك به مما لا كلام فيه.
ويندفع الإشكال بوجه ثانٍ بما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: ”الغدر بأهل الغدر وفاء عند الله“ (نهج البلاغة، قصار الحكم، الحكمة 259) وبمقتضاه يرتفع حكم حرمة الفتك والغدر وينقلب إلى الجواز إذا كان مقابلةً بالمثل، ويؤيده قوله تعالى: ”فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم“ (البقرة: 195) وإذ قد همّ عمر بالفتك والغدر برسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم العقبة، وفتك به فعلا بالتواطؤ مع صاحبه أبي بكر وابنتيهما عائشة وحفصة حين سمّوه (صلى الله عليه وآله) فمضى شهيدا، ثم همّه وصاحبه بالفتك بأمير المؤمنين (عليه السلام) بأمر خالد بن الوليد بقتله بعد الصلاة، إلى غير ذلك من الموارد؛ فإن الفتك به غدرا يكون مطلوبا شرعا وهو نوع وفاء عند الله تعالى، لأنه إنما وقع على الفاتك الغادر نفسه، فيكون نوع قصاص، وقد قال الصادق عليه السلام: ”من اقتُصَّ منه فهو قتيل القرآن“ (الكافي ج7 ص377) أي أن المقتص قد طبق حكم القرآن فليس عليه سبيل.
ويندفع الإشكال بوجه ثالث أن حقيقة الفتك هو وقوعه بعد الأمان، أما مع عدمه فلا يعدّ فتكا، وقد سبق وأن أوعِد عمر وهُدِّد مرّتيْن بالقتل على يد أبي لؤلؤة، أما الأولى فعلى لسان أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال له: ”أراك في الدنيا قتيلا بجراحة ابن عبد أم معمّر، تحكم عليه جورا فيقتلك توفيقا يدخل والله الجنان على رغم منك. فقال عمر: يا أبا الحسن أما تستحي لنفسك من هذا التكهن؟! فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما قلت لك إلا ما سمعت، وما نطقت إلا ما علمت“ (الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي ص162).
وأما الثانية فعلى لسان أبي لؤلؤة (رحمه الله) نفسه إذ قال لعمر: ”لأصنعنّ لك رحىً يتحدث الناس بها. فلما ولّى العبد أقبل عمر على الرهط الذين معه فقال لهم: أوعدني العبد آنفا“ (كنز العمال ج12 ص682 وغيره كثير) ومع هذا الوعيد والتهديد لا يكون ما أقدم عليه أبو لؤلؤة فتكا، فيسقط الإشكال من رأس.
أما الموارد المذكورة كقضية مسلم (عليه السلام) ومقتل الزبير ومقتل عثمان، فمنصرفة عما نحن بصدده، إذ هي قضايا خارجية لكل واحدة منها ظرفها الخاص، فالأولى لأن مسلما سفير، والسفير لا يفتك إلا بإذن، والثانية أن القاتل سيكون من الخوارج ومن هذا الوجه ذُمَّ، والثالثة عدم الرضى فيها ناظر إلى الآثار حيث اختلال النظام لا إلى حرمة الفتك، وإلا لكان أمثال محمد بن أبي بكر وكميل بن زياد مستحقين للذم لأنهما كانا من جملة المشاركين في قتل عثمان عليه لعائن الله، والحال أن مقامهما العظيم أظهر من الشمس.
وتنبّه إلى أن فيروز النهاوندي (رضوان الله عليه) كنيته هي (أبو لؤلؤة)، وقد كُنِّيَ باسم ابنته (لؤلؤة) وليست له ابنة اسمها (إسلام) ولم يُكنَّ أبدا بكنية (أبي إسلام)، فذلك مما لا أصل له.
وفقكم الله لما يحب ويرضى في الدارين. والسلام.
26 من شهر رجب الأصب لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.