بسمه تعالى ... السلام عليكم
شيخنا الفاضل ياسر الحبيب
يطرح بعض المخالفين شبهة وهي كيف يخلق الله الخلق وكل شيء من أجل خمسة أشخاص ؟ وكما تعلم عهد المخالفين فهم حينما يطرحون شبههم يغلفونها بغلف كثيرة فأرجو الرد على هذه الشبهة بأكثر من رد ؟؟؟
باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قل للمخالف: إنما تجري الأمور بأسبابها وعللها، وإلا فكيف أصبح معقولا عندك أن كل هذا الخلق من الملائكة العظام (عليهم السلام) المخلوقون من نور أمرهم الله أن يسجدوا لشخص واحد مخلوق من طين هو آدم عليه السلام؟! وكيف أصبح معقولا عندك أن الله تعالى يوجب على ألوف وألوف الملايين والملايين من الناس جيلا بعد جيل أن يطوفوا ويسعوا ويقفوا ويرموا ويحجوا لمجرد أن هذه الأفعال قام بها شخصان فقط هما إبراهيم وهاجر (عليهما السلام) فأمر الله كل هذا الخلق بأن يكرّروا أفعالهم وشرّع ذلك تشريعا لا ينقضي إلى يوم القيامة؟! إن قال: حكمة الله تعالى هي في تعليق عبادته على أن يُسجد أولئك لأجل آدم أو يوجب على هؤلاء حجّهم لأجل إبراهيم وهاجر، فكانت تلك أسبابا لتحقق موضوع العبادة. فقل له: وكذا قولنا في أن حكمة الله تعالى اقتضت خلق هذا الخلق لأجل الخمسة أصحاب الكساء (صلوات الله عليهم) وتعلّق الخلقية بهؤلاء إذ هم السبب في تحقق موضوع عبادته جل وعلا، لأنهم الدالون عليه والمرشدون إليه، فبلاهم لا يكون للخلق معنى إذ يُتركون سدى بلا قائد يقودهم إلى الله تعالى، ويكون ذلك ضربا من ضروب العبث المنزّه عنه الباري جل وعلا. ونطرح مثالا على ذلك لتقريب المفهوم فنقول: لو كنت قد سافرت إلى بلد من البلدان التي يكثر فيها الأميون، فاهتممت برفع حالة الجهل والأمية عنهم وتنويرهم بنور العلم، وقد وجدت في ذلك البلد أن طبقة المعلّمين والأساتذة مُهملة ولا تكاد تجد عملا، فقمت بتأسيس مدرسة ووظّفت فيها أولئك المعلمين وأجريت عليهم الرواتب حتى يقوموا بدورهم في التعليم والإرشاد. حينذاك فإنه كما يصح لك أن تقول: إني أسست هذه المدرسة الضخمة لأجل رفع الأمية والجهل عن الناس؛ كذلك يصح لك أن تقول: إني أسست هذه المدرسة لأجل هؤلاء المدرسين والمعلّمين الذين ضاعوا في زمن الجهل ولم يكن لهم عمل. فالغاية الأساسية هي (رفع الأمية) بتوسّط وعلل وغايات سببية منها (إيجاد العمل للمعلمين).
وهكذا الأمر في مسألتنا، فالغاية الرئيسية من الخلق هي (عبادة الله تعالى) بتوسط علل وغايات سببية من أهمها (ولاية أصحاب الكساء عليهم السلام).
وهذا ليس سوى رد مختصر في أدنى ما يكون، وإلا فالمسألة أعمق بكثير من هذا وتحتاج إلى بحث كلامي مفصّل لا نظن أن أحدا من المخالفين في هذه الأيام يستوعبه لقصور عقول أغلبهم عن إدراكه إلا من استنار بنور الله تعالى! غير أن ما ذكرناه لك في النقض كفاية.
زادكم الله إيمانا وولاء. والسلام.
29 من شهر ربيع الآخر لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.