بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
بارك الله فيك يا أيها الشيخ العزيز وهنيئاً لك هذه الحياة الطيبة التي تعيشها!
وسؤالي لك هو وبكل صراحة أنني أعيش حالة الولاية القصوى والبراءة القصوى(وأنت تعرف ما أعنيه) ولكني أتردد أحياناً من التحرك حيث لا من أجل الوحدة الاسلامية بل من أجل الخوف على أرواح الشيعة ..حيث كلما زدنا ..زادوا في العراق وقتلوا.. وكذلك في اليمن وما أدراك ما يحدث في اليمن.. وهذا ما يجعلني أحتاط مليون مرة قبل أن أفضح أعدائهم (لعنة الله عليهم في المنتديات والمقالات وغيرها ..حقاً اني محتار..فهل تستطيع اقناعي..ما هو قولك؟ فو يهمني كثيراً !
و أود اضافة تساؤل آخر حول السؤال السابق وهو أن الموضوع ليس فقط حفظ أرواح الشيعة..بل حتى ربما كان شديداً جداً على أبناء السنة الذين هم غير نواصب وأن هذه الطريقة ربما ليست مناسبة حيث أن الذي يفعل ذلك ويرمي القنبلة العظمى هو الامام المهدي (ع) ..ما رأيك؟ حيث..أخشى عليهم كثيراً..لا أدري ان كنت فهمت ما أقصد؟؟
وفقك الله وحفظك من كل مكروه
وشكراً لك مجدداً
باسمه تعالت عظمته. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. نبارك لكم روحكم الولائية العظيمة، ونسأل الله سبحانه لكم ولنا المزيد من الإخلاص في موالاتهم (صلوات الله عليهم) والبراءة من أعدائهم (لعنات الله عليهم).
أما ما تفضلتم به فله وجوه متعددة، ويطول في تفصيلها المقال، غير أنّا نُجمل فنقول أنه لم يتورّع أعداء الولاية من التنكيل بأهلها حتى في أكثر الفترات الزمنية التي انطووا فيها على أنفسهم، ففي تلك الفترات لم يتسنّ لأهل الولاية التصريح بمثالب القتلة والمجرمين الذين ظلموا أهل بيت النبوة (عليهم الصلاة والسلام)، ومع هذا رأينا حكومات النصب وأشياعها يزيدون وطأتهم عليهم، ويُعملون فيهم المذابح البشعة، دون وازع من دين أو ضمير.
كمثال على ذلك؛ مصر في العهد الفاطمي، رغم أن دين الدولة آنذاك كان أقرب إلى التشيع ولم يكن ثمة محذور حقيقي من فضح خلفاء الجور، إلا أن التاريخ لم يحدّثنا بوقوع طارئ من ذلك، بل على العكس، كانت المذاهب البكرية تعيش أفضل أزمانها عندما قدّمت الدولة لأتباعها الدعم وساوتهم بغيرهم من المواطنين بل واحترمت علماءهم وأتاحت لهم تدريس معتقداتهم في المدرسة الرسمية للدولة (الأزهر) فكانوا بذلك يعقدون الحلقات الدراسية دون أن يعترضهم أحد أو يصادر حقهم في ذلك أحد.
فما الذي جرى؟ بمجرّد أن وقع انقلاب صلاح الدين الأيوبي (لعنة الله عليه) ردّ الإحسان الشيعي بالقتل والذبح والاغتصاب ومصادرة الأموال والسجن والتعذيب وأنواع التنكيل!
ما الذي كان قد استفزّهم منّا حتى يفعلوا هذا بنا؟! إنّا لم نمد لهم إلا يد الإحسان والعطف، وعندما آلت الدولة إليهم رفعوا علينا يد الظلم والبطش!
اعلم يا أخانا الكريم أن هؤلاء القوم في معظمهم يتحيّنون الفرص بشيعة آل محمد (صلوات الله عليهم) وليس سكوتنا بحاجز إياهم عن ظلمنا وقتلنا، بل إنّا نرى العكس، أنه كلما كانت شجاعتنا في إظهار معتقداتنا أشدّ، كلما كان ذلك مسبّبا لامتناعهم عن إيذائنا، ذلك لأن هذا الإظهار يحقق هدفين: الأول؛ أنه يرسل إليهم رسالة تعبّر عن استعدادنا للمواجهة، فيتهيّبون نفسيا من أن يستفزّونا في شيء قد يجرّ عليهم الويلات، وهذا طبيعي في النفس البشرية، فإنك إذا لاقيت رجلا رأيت منه الضعف والانكسار كنت أكثر جرأة عليه، إما أن كشّر عن أنيابه فإنك تحسب له ألف حساب وحساب.
الثاني؛ أنه يثير في عقول عوامهم التساؤلات المشروعة عن صحة ما هم عليه من عقيدة ومذهب، فإظهارنا للحقائق يصدمهم ويجعلهم يتساءلون، فيتشاغلون بالبحث والتنقيب علّهم يردّون، ومجرّد اشتغالهم هذا يوقع أعينهم على الحقائق فيكتشفون صحة كلامنا، فتهتزّ قناعاتهم، وتتغيّر وجهات نظرهم، ويغدون أقل تمسكا بعقيدتهم، فقسم منهم يهتدي، وقسم يبقى على التردّد، وقسم يعاند، وهم قليل، فإنّا قد خبرنا التجربة في الكويت معهم، ووجدنا معظمهم يميلون إلى الحق بمجرّد أن يسمعوه ويبصروا طريقه، ولطالما وجدنا من شبابهم من ينبذ ولاية الظالمين ويتمسك بولاية الطاهرين بعدما انصدم بادئ الأمر بما نطرح، جرى هذا معنا عشرات المرّات، وفي محاضراتنا كان يحضر غير واحد منهم بعد الهداية والتبصّر.
لقد كنّا نتقصّد أن نوقع في أذهانهم الصدمة أولا، حتى تكون دافعا نحو البحث أملا في الرد، وبهذه المنهجية استطعنا أن نغيّر كثيرا من المعادلات التوازنية بيننا وبينهم، وهذا الذي جعل أعداءنا النواصب في الكويت يجعلون همّتهم في تحطيمنا والقضاء علينا، لأنهم وجدوا الخدّام يقلبون الساحة عليهم سيما وأنهم يركّزون على استقطاب شبابهم وأجيالهم الجديدة، فرأوا في استمرارهم خطرا على استمرارية دينهم الزائف.
وأنت خبير بأننا إذا استطعنا كسب عامّتهم وضمّهم إلى دوحة التشيّع العطرة، بقي النواصب فيهم منبوذين، وأقلّ عددا وعُدّة، فلا يتجاوب معهم أحد منهم، وبذا تقلّ غاراتهم الوحشية علينا، وينتقل الصراع في ما بينهم، بين المعكسر الميّال إلى التشيّع، والمعسكر الميّال إلى النصب.
يجب أن يدرك الشيعة أن عليهم قلب المعادلة التي يعانون منها اليوم، فيجب على غيرهم أن يحسبوا حسابهم، لا العكس الذي هو حاصل حاليا، فالشيعي اليوم هو الذي يحسب حساب أية خطوة عقائدية قد يقدم عليها بالنسبة للغير، أما غير الشيعي فلا يهتمّ ولا يكترث ويمضي قدما دون أدنى مراعاة للغير. إن هذه المعادلة المقلوبة هي التي جعلت غيرنا يتجرأ علينا، إذ فهموا صمتنا على أنه انكسار وجبن وضعف!
وفي طيّات جوابنا هذا تفهم أن ما خشيته على عامة أهل الخلاف من التحوّل إلى صفّ النواصب إذا ما زدنا تحركنا العقائدي بالتركيز على أصل البراءة من أعداء الله هو احتمال ساقط، لأن العكس غالبا هو الذي يقع بسبب تأثيرات الصدمة، غير أنه ينبغي التأكيد هاهنا أن هذا الوقوع لا يتحقق في يوم وليلة، بل هو يحتاج إلى وقت وجهود متضافرة حتى تكتمل عملية التغيير، ويعتاد الطرف الآخر على سماع النقد لرموزه دون أن يثير فيه ذلك التحسس، وذلك بفعل الاعتياد.
إنّا إذا صمتنا، ساهمنا في زيادة رقعة التضليل الذي يمارسه مناوئونا ضدنا، فيقع عامة أهل الخلاف فيه، ويتوهّمون فينا أمورا ليس لها واقع، فتنبني مواقفهم على هذه الأباطيل، الأمر الذي يزيد من نار الجرائم.
إن العامي يعرف جيدا أن الشيعة يكرهون أبا بكر وعمر وعائشة وأضرابهم (عليهم اللعنة والعذاب) وأنهم يتبرؤون منهم ويلعنونهم في أدبار الصلوات، ليست هذه حقيقة تخفى على أحد، إلا أن مكمن الخلل هو في أن العامي لا يعرف مسببات هذا الموقف الشديد منّا، ولذا هو لا يتقبّله ولا يفهمه إلا على أنه كفر وضلال وزيغ. ما نريده هو أن يفهم، فإنه لو فهم يستوعب أن لنا الحق في هذا الموقف بناء على ما وصلنا إليه، وحتى إن خالفنا وظنّ أننا مخطئون فإنه – على الأقل - يشفق علينا عادة لأننا في نظره متوهّمون، وهذا يتطلّب منا أن نشمّر عن السواعد في إيصال هذه الحقائق لهم. أما أن نبقى صامتين، فلن يؤثر في تغيير الواقع، لأن العامي حتى وإن لم يسمع في طوال حياته كلمة نقد واحدة من فم شيعي ضد رمز من رموز الجور، فإنه لن يخدع نفسه باعتقاد أن الشيعة تخلّوا عن معاداتهم لهؤلاء، وحيث أنه لم يعرف المبررات، فإنه يزداد حنقا.
وأضرب لكم مثالا واقعيا عن نفسي، إني طالما نظرت بمنظار الاحتقار لعامة النصارى، لأني لم أفهم كيف تجرأوا على سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف نبذوا دينه العظيم وتشبثوا بدين سخيف هرائي لا ينسجم مع عقل يفكّر، فهو قائم على الخزعبلات والأساطير والخرافات، وهو مفرّغ من أي محتوى حضاري إلا اللهم من نزر يسير من الأخلاقيات التي لا تميّزه عن غيره من الأديان والنحل، فحتى عبّاد البقر تشتمل تعاليمهم على أمثال هذه التوصيات الأخلاقيات.
ولطالما تساءلت عن السبب الذي يجعل أمثال هؤلاء الذين تمسكّوا بمثل هذا الدين السخيف يتطاولون على دين عظيم كالإسلام، يمثّل أروع وأكمل منهج حضاري بشري، بل ويهينون أعظم شخصية عرفها التاريخ الكوني ألا وهي شخصية سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. ولأنني لم أولِ هذه المسألة اهتماما كبيرا في ما قبل، فإن هذه النظرة لهم بقت عندي.
إلا أنني بعد هجرتي من بلادي بدأت أحقق في هذه المسألة، فارتأيت أن أتحدث مع بعض النصارى لأستكشف حقيقة نظرتهم تجاه نبينا وإسلامنا. ما هي المبررات التي تجعلهم يكرهون هذه الشخصية المحمدية العظيمة؟ وما هي الأسباب التي تجعلهم يكرهون هذا الدين الحضاري التقدّمي؟ فباستثناء موضوع الإرهاب، فإنني لم أقف سابقا على مبررات أخرى.
وكم كان ارتياحي عندما ناقشتهم وعرفت مبرراتهم، كنت أقول لهم أنني أريدكم أن تتحدثوا بكل طلاقة ولا تضعوا أية حواجز، انتقدوا وبشدة، لأنني أريد أن أعرف كل ما تستندون عليه في موقفكم المتشدد هذا من نبينا (صلوات الله عليه وآله). وكان ارتياحي لأنني عرفت أن نظرتهم تجاه هذه الشخصية العظيمة قائمة على ما رواه أمثال عائشة وأبي هريرة (لعنة الله عليهما) من افتراءات وأكاذيب تشوّه سمعة هذا النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعلمت بأنهم متوهّمون ومخطئون، وأشفقت عليهم ولا أزال، وبدأت أتحدّث معهم مرشدا إياهم إلى التاريخ الصحيح لنبينا، فأقول لهم: إذا أردتم أن تعرفوا محمدا على حقيقته، فاعرفوه عن طريق أبنائه، لا عن طريق خصومه وأعدائه الذين تلبّسوا بلباس موالاته. انظروا في سيرته التي نقلها لنا أهل بيته، لا التي زيّفها لنا قاتلوه والمتآمرون عليه والمتكالبون على ميراثه.
اليوم أعرف أن لعامة النصارى مبرّراتهم الواهية وأشفق عليهم لذلك، وأدرك أننا لو كثّفنا الجهد في إرشادهم لعدلوا إلى الحق، وإني أبذل وسعي في هذا حتى قالها لي أحدهم نصا: "إنك فعلا تقدّم لنا محمدا جديدا غير الذي نعرفه"!
ولو التزم النصارى الصمت أمامي، لظللت أحتقرهم وأنظر إليهم بمنظر المعاندين، فيزداد حنقي عليهم. كلا! إن من أفضل الأجواء الصحية التي تساعد على وصول المجتمعات فهم بعضها بعضا، أن يصارح كل أهل ملة الأخرى بكل ما يعتقدون وبفلسفتهم الدينية كاملة، فإن ذلك لو حصل لاختفت التوتّرات والاحتقانات المبنية على النظرات الخطأ.
هكذا قد استوعبنا مبررات النصارى في اتخاذ هذا الموقف الخاطئ ضد نبينا (صلوات الله عليه وآله)، لأنّا عرفنا أن موقفهم هذا بنوه على ما أوردته كتب "المسلمين" فأصبح هؤلاء "المسلمين" هم الملامون على قبولهم بهذا التاريخ المزيّف وتسطيرهم إياه في الكتب، وإن كان النصارى مقصّرين من جهة ضرورة الاطلاع على المصادر الأخرى التي ترسم الصورة الحقيقية لشخصية نبي الإسلام العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم).
فما بالك لو طُبّقت هذه التجربة بين مؤمن ومخالف، شيعي وعامي؟ ما ترى سيكون موقف العامي إذا عرف مبررات الشيعي ووجد أن الحق معه وأنه غير متوهّم كما النصارى في المثال السالف؟ إن التجربة أثبتت أنه حتى وإن لم يقتنع في مبررات الشيعي فإنه على الأغلب يعذره ويشفق عليه، إذ يظنه متوهما مخطئا، فحيث أن الشيعي يعتقد مثلا بأن أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة (عليهم اللعنة) قد قتلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيلة بالسم، فإنه لا يُلام على موقفه المناهض لهذه الشخصيات. والحاصل أن العملية أشبه بعملية تلقين نفسي.
ونتيجةً؛ فإن ما ذكرته في سؤالك من أنك تنوي فضح أعداء أهل البيت في المنتديات والمقالات لا يوجب عليك التحرّز أو الاحتياط، فإن الإنترنت ساحة مهما قيل وكُتب فيها فإنه لا يترتّب عليه أثر فعلي من النوع الذي يُحترز منه على الأرواح. فإذا كانت هذه سبيلك فحسب، فامضِ راشدا إن شاء الله تعالى، وإذا كانت سبيلك أوسع وأكبر، فالله ورسوله وأولياؤه (عليهم السلام) معك يحوطونك بالرعاية والحماية إن شاء الله تعالى. "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".. صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
25 من جمادى الآخرة لسنة 1426 للهجرة الشريفة.