بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعدائهم
سؤال/هل الله تعالى خلق الإنسان بموافقة الإنسان نفسه ؟
بمعنى هل هو الذي قبل مصيره بين السعادة والشقاء في الدنيا والآخرة ؟ يعني هل إبن الزنا مثلاً هو الذي طلب من الله أن يجعله إبن زنا ؟
وكذلك الغني والفقير والمرضى كالمرضى النفسيين والمرضى العضويين بل حتى المجانين ؟
سؤال/ لو أن الإنسان لم يوافق على أن يخلقه الله في دار الدنيا . بمعنى أنه رفض مصيره بين السعادة والشقاء في الدنيا والآخرة . لما خلقه الله أصلاً ؟ يعني لكان على الله أن لا يخلقه ؟ نرجوا التوضيح
مصطفى عبد الله علي البشر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
فيما يتعلق بالخلق والتكوين فإنّ الذي نذهب إليه هو أنّ الاختيار غير وارد في الخلق والتكوين وذلك ما هو متحقق في الوجدان إذ ليس أحد من البشر يختار أبويه أو جنسه وعرقه أو مستوى جماله وذكائه . أما الصحة والمرض والفقر والغنى يقسمها الله تعالى لعباده وفق ما تقتضيه الحكمة والمصلحة وذلك لا يعني أنّه ليس للانسان وعمله دخالة فيها. فقسم منها مما يقع فيه البداء.
قد يُقال أليس من الظلم أن يأتي أحدهم من الزنا بدون اختياره؟
نقول لا، لأن ولادة هذا الإنسان من الزنا في عالم الدنيا مرتبط باختيارته في عالم الذر، فلئن اختار في عالم الذر الكفر صار جزاؤه أن يولد في عالم الدنيا من الزنا، كما أن الله تعالى بعلمه الأزلي حينما علم أنّ هذا الفرد سوف يكون (باختياره) من الاشرار الفاسدين طوال عمره أو في فترة من عمره حيث من الممكن أن يختم حياته بالتوبة (فهذا غير ممتنع) لذلك فإنه تعالى قد خلق ذلك الفرد من نسل مدنس ونطفة قذرة.
لربما أحد الاسباب هو حماية الناس من التأثر به وذلك لنفورهم من أصل تكوينه فينحصر خطر وضرر تأثيره في نطاق ضيق. أيضا لتكون تلك وصمة تساعد في تسقيط شخصيته واعتباره عند من يغتر وينخدع به كما هو الحال مع عمر بن الخطاب وأبي بكر لعنهما الله فيهتدي ويتنبه من كان قابلا ومرشحا للهداية.
نؤكد على أنّ جنوح ابن الزنا للشر واختياره طريق المعصية ليس والعياذ بالله على نحو الإرادة التكوينية أو التشريعية بل كان باختيار منه وليس تولده من الزنا سببا في اختياره المعصية على نحو العلة التامة وإنما تولده من الزنا هو مقدمات كان لها دور على نحو العلة الناقصة في ميله للمعصية وتلك مرجعها لوالديه وهما من يحملان وزرها ولكنّ الجزء الاخر من العلة وهو الذي يُحاسب عليه ابن الزنا ناشيء عن اختياره المنطلق من ذاته الشريرة الخبيثة.
إلا أنه ينبغي التنبه أيضا أن لكل قاعدة شواذ، فلربّ ابناً من الزنا يجنح نحو الخير والصلاح وهو بذلك يكون من أهل الجنة إن شاء الله تعالى، كما أنه ربما يجنح طاهر المولد إلى الشر والفساد فيكون من أهل النار والعياذ بالله. نعم الغالب في من يولد من الزنا جنوحه نحو الشر والفساد.
أما الشقاء والسعادة بوصفهما عاقبة للانسان ومصيرا في الاخره فنعم الانسان قبل أن يصير إلى عالم الدنيا قد اختار السعادة والشقاء والايمان والكفر وعلم الله تعالى بمصير خلقه لا يعني أنه أجبرهم عليه.
ـ العلم بالشيء لا يعني الجبر عليه. هب انك مثلا تعلم أنّ هناك شخصا أخبرك أنه يريد الانتحار فهل "علمك" بأنه سينتحر يعني انك "أجبرته" على الانتحار أم هو أقدم على الانتحار "باختياره"؟
الله تعالى يعلم مآل عباده ويعرف شقيهم وسعيدهم ومحسنهم ومسيئهم ولكنه لا يجبرهم تعالى على أفعالهم.
قد تقول إن كان الله تعالى يعلم مآل البشر ومن منهم في النار ومن في الجنة قبل أن يخلقهم فلماذا خلقنا في هذا العالم ولم يدخلنا النار والجنة مباشرة فالجواب على سؤالكم هو في عبارة مختصرة وهي:
"القصاص لا يقع قبل وقوع الجرم". الله تعالى وصف ذاته بالعدل وما تقوله خلاف العدل.
لو أنّ مُعلما يعرف جيدا مستوى أحد طلبته ويعرف من خلال مستواه وأدائه طوال العام أنه سوف يرسب في الاختبار النهائي, فهل هذا يعطيه الحق أن يحرمه فرصة دخول الاختبار النهائي؟ وهل له أن يصدر الحكم عليه بالرسوب والسقوط في الاختبار قبل أن يمنحه فرصة دخول الاختبار؟
قد يقع اشتباه في فهم الايات التي مضمونها أنّ الله تعالى يبتلينا ليعلم أينا يحسن وأينا يسيئ.
العلم هنا ليس يعني العلم بعد جهل وإنما يعني "إظهار" علم الله تعالى.
كقول المعلم الذي يعلم أنّ أحد الطلبة لم يستذكر الدرس لكونه مهملا " سألتك عن الدرس السابق لأرى إن كنت راجعت" اي هذا كلام الواثق من أمر معين.
ننصحكم بالرجوع الى دروس الشيخ الحبيب في الكلام وفيها تجدون دروسا حول العدل الالهي في عقائد الامامية وايضا هناك ما يفيدكم في مباحث العقائد إن شاء الله (هنا)
شكرا لتواصلكم
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
20 شعبان 1433 هـ