بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد واللعن الدائم على أعدائهم الى قيام يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
يستدل أهل سنة أبو بكر وعمر لعنهما الله على أن الخلافة من بعد الرسول صلى الله عليه وآله بالشورى لا بالتنصيب
من كتاب الأمام علي- عليه السلام- الى معاوية- لعنه الله- الموجود في نهج البلاغه حيث قال سلام الله عليه ((إ ِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لِلَّهِ رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْبِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى. وَلَعَمْرِي، يَا مُعَاوِيَةُ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ، إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى ; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلاَمُ))
فيقولون أمامكم قال: أن الخلافة بالشورى وأي رجل يرتضيه الناس ويجعلونه خليفه عليهم فهو لله تعالى رضى ؟!!
فماتعليق سماحة الشيخ حفظه الله ورعاه
وسؤال آخر يطرحونه أيضا بخصوص الأمامه فيقولون هل الأمامه حكم أم أمامة هدى ؟
أذا كانت أمامة حكم فلم يحكم إلا أمام علي والإمام الحسن عليما السلام وإذا الإمامة إمامة هدى ما مانع بأن يكون إمام مع وجود الحاكم غيره يعني الأمام علي عليه السلام يكون أمام والناس يتبعونه مع وجود أبو بكر لعنه الله حاكم مثل ماكان طالوت ملك مع وجود نبي هدى؟
أم مهدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج1: بمراجعة الشيخ أفاد أن المخالفين الجهلة لم يفهموا الكلام على وجهه ومعناه، فهذا الكلام من أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء على سبيل الإلزام للخصم بما يذهب إليه، ولهذا جاء في أوله كما في رواية نصر بن مزاحم: «أما بعد؛ فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا... إلخ» فبيّن علة الإلزام، فحيث أن معاوية (لعنه الله) معلن باعتقاده شرعية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان بدعوى انعقادها بشورى المهاجرين والأنصار بالمدينة؛ فعليه الآن التسليم بشرعية خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) لانعقادها بنفس الصورة، ولا ينفعه التذرع بأنه وأهل الشام لم يبايعوه فليس له عليهم طاعة.
هذا وجه؛ والوجه الآخر أن كلام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ليس في وارد بيان ما تتحقق به إمامة الإمام في نفسها، وإنما كان في وارد بيان ما تتحقق به طاعة الإمام، تلك الطاعة التي كان يرفضها معاوية. والفرق بين الأمرين واضح، فإمامة الإمام كنبوة النبي تتحقق من الله سبحانه وتعالى، أما طاعة الإمام فهي كطاعة النبي تتحقق بالبيعة والتسليم، ولهذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) يطالب الناس بالبيعة والتسليم مع أنه نبي سواء بايعوه أم لم يفعلوا، فهل يُقال أنه ما دام الناس لم يبايعوه ولم يسلّموا له فإنه لا يكون نبياً! كلا! فكذلك لو أن الناس لم يبايعوا الإمام ولم يسلّموا له فإن ذلك لا يغيّر شيئاً من واقع كونه إماماً مفروض الطاعة. إنما البيعة والتسليم لتحقق الطاعة من جهة المكلّف ليس إلا.
والمخالفون الجهلة خلطوا بين الأمريْن؛ فتوهّموا أن قوله عليه السلام: «فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضىً» معناه رضى الله تعالى بمن يُجعل إماماً من الناس، وليس كذلك؛ إنما الرضى معلّق هنا على اجتماع المهاجرين والأنصار، واجتماعهم الذي يكون لله رضىً لا يمكن تحققه إلا في فرض اجتماعهم على طاعة الإمام الشرعي والتسليم له، إذ لا أقلّ من ضرورة دخول أمير المؤمنين (عليه السلام) فيهم حتى يتحقق هذا الإجماع، وإلا لم يكن إجماعاً، ودخوله (عليه السلام) فيهم لا يصرف الإمامة عنه قطعاً، لمعلومية أنه (عليه السلام) كان يصرّح بأنه صاحب الحق فيها، كما جاء في غير موضع من نهج البلاغة أيضاً إذ يقول مثلاً: «اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي». (نهج البلاغة - الخطبة 172)
ج2: بمراجعة الشيخ أفاد أن الإمامة بمعنى القيادة، وتشمل كل الشؤون، دينية أم دنيوية، فالإمام إمام للناس في دينهم، وإمام لهم في دنياهم. وكما على الناس التسليم للإمام في الدين، فلا يأخذون من غيره دينهم، كذلك عليهم التسليم له في الدنيا، فلا يسلمون الحكم لغيره. أما إن عصوا، فالإمام يبقى إماماً، حتى وإن أعرض عنه الناس فلم يسلّموه زمام دينهم أو دنياهم.
والإشكال الذي ساقه العدو ليس بإشكال، لأن الشطر الأول منه مبني على افتراض أن العلة من نصب الإمام هي تمكينه من الحكم، وليست العلة هذه، إنما تمكينه من الحكم وظيفة الناس تجاهه بالبيعة والتسليم كما أسلفنا، وممارسة الإمام للحكم فرع من فروع إمامته ليس إلا. أما الشطر الثاني فهو مبني على افتراض الفصل بين القيادة الدينية المنصوبة من الله والرسول (صلى الله عليه وآله) والقيادة الدنيوية المنصوبة من الناس، وهذا لا يقوله إلا العلمانيون، ولا ينبغي أن يقوله متشرّع، وهو مصادم لقوله تعالى: «أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»؟!
والاستدلال بقصة طالوت (عليه السلام) لنا لا علينا، إذ على التنزّل أنه لم يكن نبياً فإن قيادته الدنيوية كانت من الله تعالى، فقد أثبت القرآن أن الله تعالى اصطفاه واختاره، فكيف يُقال بانعقاد الإمامة - بمعنى الحكم - بشورى الناس؟! قال تعالى: «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ».
وأما الاستدلال بقصة طالوت (عليه السلام) لإثبات الفصل بين إمامة الدين وإمامة الدنيا فمردود بأنه بعد التنزل عن كونه نبيّاً فيجمع المنصبين - أي أن نبيّ بني إسرائيل إنما بشّر به كما بشّر يحيى بعيسى عليهم السلام - بعد التنزل عن ذلك؛ فإنه لا يمكن القياس على قضية عين لفرض استمرار الفصل بين المنصبين. والثابت عند المسلمين أن خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) جمع المنصبين، فوصيّه وخليفته كذلك، لأن كل ما كان للنبي انتقل لوصيّه وخليفته، ولا يجوز إخراج شيء من هذا العموم المنتقل إلا النبوة لورود النص بذلك في قوله صلى الله عليه وآله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه نبي بعدي» فاستثنى النبوة وحدها، فتبقى سائر الشؤون، ومنها إمامة الدين وإمامة الدنيا على السواء.
شكرا لتواصلكم
مكتب شيخ الحبيب في لندن
ليلة 22 جمادى الاولى 1432