سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظكم الله ورعاكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
على الرغم من مواقفكم الشجاعة في وجه أتباع الفلسفة والعرفان إلا أنكم لازلتم متوقّفين في حال السيد كمال الحيدري والذي لا تختلف أفكاره وآرائه عن أفكار الفلاسفة والعرفاء بل هو شديد الذب عنهم والدفاع عن منهجهم وكتبه شاهدة على ذلك خصوصاً كتاب العرفان الشيعي وكتاب من الخلق إلى الحق!!
أما عن عقيدته بوحدة الوجود والموجود يقول في كتابه العرفان الشيعي ص150 نقلاً عن حسن زاده آملي ومؤيداً له:
قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
(أن هذا الفناء والهلاك ليس موقوفاً على زمان وآن، كما ذهب إليه بعض المحجوبين، بل هو واقع دائماً من الأزل إلى الأبد على وتيرة واحدة، كهلاك الأمواج في البحر، وفناء القطرات في المحيط، فإن الأمواج والقطرات وإن كانت لها اعتباراً عقلياً وتميزاً وهمياً، لكن في الحقيقة ليس لها وجود أصلاً، لأن الوجود الحقيقي للبحر فقط، والأمواج هالكة فانية في نفس الأمر وهذا أمر معقول يعرفه كل عاقل بل أمر محسوس يعرفه كل ذي حس... وقال أيضا في نفس الصفحة : أن من شاهد البحر والأمواج والقطرات على الوجه المذكور وعرف أنه ليس في الحقيقة وجود إلا للبحر، والأمواج والقطرات معدومات !!
ثم طبق المثال على العالم فقال: ليس في الحقيقة وجود إلا للحق، والخلق والمظاهر معدومات في نفس الأمر لأنهم آنا فآنا في معرض الزوال والهلاك، فإنه يجوز له أيضاً أن يقول : ليس في الحقيقة ولا في الخارج إلا الحق...) انتهى بحروفه
وقال كمال الحيدري في موضع آخر من الكتاب نفسه ص293: إن المبدأ هو الوحدة والمنتهى هو الكثرة، ولكنها كثرة مستغرقة في الوحدة، فلا يحتجب شهود الحق عن مشاهدة الخلق، ولا شهود الخلق عن مشاهدة الحق، بل يرى الوحدة ظاهرة في الكثرة، والكثرة منطوية في غيب الوحدة)
وقال أيضاً في كتابه (من الخلق إلى الحق) ص91 : أن السالك إلى الله تعالى في هذا السفر الأول لابد أن يصل إلى حاله ومرتبة لا يرى فيها إلا الله سبحانه وتعالى، فلا يرى الكثرة أبداً، وإنما هي الوحدة لا غير، ولا يوجد في الدار غيره ديار!!
ويقول أيضاً في نفس الصفحة: في هذا السفر( الأول) تكون الوحدة محجوبة عن السالك بالكثرة حتى يصل إلى نهاية مطافه فتحجب عنه الكثرة بالوحدة .... حيث يفنى في الله تعالى ويصير بعدها وجوداً حقانياً...)
شيخنا الحبيب أليست هذه العقيدة هي عقيدة الحّلاج وابن عربي وغيرهم من المتصوفة؟
ومما يؤكد اعتقاده بهذه العقيدة المنحرفة دفاعه عن رؤساء المتصوفة فقد دافع عن الحّلاج والبسطامي وابن عربي دفاع المستميت!! في كتبه وعبر القنوات الفضائية بدون خجل!!!
يقول في دفاعه عن البسطامي و الحّلاج في كتابه (من الخلق إلى الحق) ص95- 96، بعد أن عرض بعض أقوالهم في عقيدة وحدة الوجود والموجود مثل قول الحلاج : (أنا الحق) وقول البسطامي: (سبحاني ما أعظم شأني) يقول: إن القائلين بذلك هم من السُلاك الذين وصلوا إلى مرتبة لا يرون في الوجود أحداً غير الله تعالى، فهم لا يرون حتى ذواتهم لأنها فنيت في الله تعالى، بمعنى عدم الالتفات لها أبداً!!
ثم يقول : لكن هذه الحال والمرتبة على سمّوها ورفعتها تعتبر من المراحل الحسّاسة من مراحل السير والسلوك والخطيرة أيضاً، حيث يكون بعضهم عرضة لصدور بعض الشطحات الموجبة – ظاهراً- لكفرهم.
فلاحظ مولانا كيف يصف زندقة وكفر وإلحاد الحّلاج والبسطامي بالمرتبة السامية!!!
ثم يبرر هذا الكفر والإلحاد والزندقة فيقول: من الواضح أن هذه الشطحات إنما تصدر منهم وهم في حالة المحو لا حالة الصحو، حالة الغفلة عن كل شيء لا حالة الحضور والالتفات إلى الكثرة. (المصدر: من الخلق إلى الحق ص 96)
ثم يبين الذنب الوحيد الذي أرتكبه الحّلاج والبسطامي وهو كشف هذا السر للناس!!
فيقول : ان الشطحات هي ضرب من كشف الأسرار التي لا يصح أن تعرض لأي أحد وإنما لابد من حصر الإفشاء بها إلى أهلها... (و) كتمان السر هو من أوجب الشروط التي اشترطها العرفاء في السير والسلوك، وأن الإفشاء بها مخل بالهدف ومانع عن تحقيق المطلوب!!
أما مدحه لابن عربي فقد دافع عنه عبر الفضائيات وعبر موقعه الإلكتروني!!
وهذا سؤال وجه إليه عبر موقعه الالكتروني دافع فيه عن ابن العربي وفيه أورد إشكالات كثيرة:
المجيب: موقع آية الله العلامة السيد كمال الحيدري
مستوى الإجابة: تتناسب مع ماهية السؤال ومفرداته
السؤال : ما رأي سماحة السيد (كمال الحيدري) في عقيدة وحدة الموجود ؟ وهل تتناسب هذه العقيدة مع القرآن و روايات أهل البيت عليهم السلام؟ وهل يوجد عارف أو فيلسوف درس أو تتلمذ علي يد نبي أو رسول أو وصي ؟ ما هو رأيكم في محيي الدين ابن عربي ؟
الجواب :
ج1 : إن مسألة وحدة الوجود ووحدة الموجود من المسائل الشائكة والمختلطة لدى الكثير من المعاصرين، ودون الوقوف على حقيقتها، وتفحص مرتكزاتها، لا يمكن الوصول إلى نتيجة ناجعة فيها، لكن ينبغي علينا أن نؤكد بأن مثل هذه الأبحاث الشريفة لا يمكن أن نعطي رأياً فيها بعجالة ودون مقدمات، بل توجب على الدارس أن يفكر ملياً فيها، وأن يعود إلى مصادرها الأصلية ليفهمها بشكل صحيح، ومن ثم يحق له إعطاء رأي فيها.
إن الوحدة الشخصية التي يقول بها الحكيم، والتي طرحتها مدرسة الحكمة المتعالية، تختلف عن الوحدة الشخصية التي يذهب إليها العرفاء ـ وإن أصر البعض من المعاصرين على عينيتها ـ ؛ وذلك لأن حقيقة الوجود ـ بناءً على ما يراه صدر المتألهين ـ واحدة مشككة، ولها مراتب متعددة. أمّا العارف فيرى أن مظاهر الوجود لها مراتب متعدّدة، وتجليات نعبّر عنها بالعالم، وبالسماء، والأرض... وأكبر هذه الآيات هو الإنسان، وأكبر هذه الآيات في الإنسان هو الإنسان الكامل، أو القطب، أو بحسب تعبيراتنا في المدرسة الأمامية أنّ الإنسان الكامل وقطب عالم الإمكان هو الإمام في كلّ زمان.
ثم إن المراد بالوحدة هنا هو سنخ وحدة حقيقية وليست عددية، فهذا الواحد له شؤون متعددة ومظاهر متعددة، وهذه الشؤون هي أمور حقيقية نفس أمرية، لها منشأ انتزاع في الواقع ونفس الأمر. ولا يلزم من هذه الوحدة وتعدد الشؤون أن تكون الشؤون هي نفس هذا الواحد، ولذا لا نقول إن النفس هي العقل، والنفس هي الوهم، والنفس هي الخيال، وإنما نقول النفس لها عقل، والنفس لها وهم، والنفس لها خيال.
وعليه فإن نظرية وحدة الوجود الشخصية، لها ركنان:
الركن الأول: إنَّ حقيقة الوجود واحدة شخصية، لها شؤون متعددة، هذه الشؤون بعضها مرتبطة بالصعق الربوبي ، وبعضها خارجة عن صعق الربوبي الذي يعبر عنها بالفعل.
الركن الثاني: إنَّ كل ما سوى الله إلا ظلال وشؤون.
إذا اتضح هذا نقول:
أن تحديد الموقف إزاء هذه النظرية أمر موكول إلى الفهم الصحيح لها، فالموقف الفقهي ـ مثلاً ـ قد ينطلق تارة في تقييمها من خلال خلفية فلسفية وعرفانية، فيكون إيجابياً، وأخرى ينطلق من خلال فهم سلبي وغير صحيح لها، فيكون سلبياً، على أن نشير بأن أغلب المواقف الفقهية تجاه هذه النظرية، نتجت من خلال فهم سلبي لها. أما المواقف الأخرى فتتحدد وفقاً للمسالك والاتجاهات والمناهج.
ج2 : ذكر البعض أن هناك بعض الحكماء تتلمذوا على يد أوصياء الأنبياء.
ج3 : هناك اتجاهان في فهم أفكار ابن عربي:
الاتجاه الأول: يطعن في فكره ويعتبره مناوئاً للمفاهيم والعقائد الشيعية.
الاتجاه الثاني: يرفع من شأنه ويعلي من مقامه ويعده قمة المعرفة العلمية الكشفية الصادقة.
ما يهمنا أن نعرف أولاً أن الشخصيات الكبيرة في التاريخ هي دائماً مثار جدل ومحل لانقسام العلماء في التقييم. مضافاً ـ وهذا ثانياً ـ أن أفكار وكتب ابن عربي قد وقع الدّس والتزوير في كثير منها باتفاق الفريقين.
وعليه فإن المهم في مسألة التعاطي مع أفكاره هو اعتماد معيار واضح في الفرز بين آرائه الصحيحة وأفكاره الخاطئة، وهذا المعيار في نظرنا ليس حكراً على ابن عربي فحسب، بل هو موضوع علمي تقتضيه شروط المعرفة في محاكمة أي فكرة كانت ومن أي اتجاه صدرت.
بالنسبة لنا فإن معيارنا هو موافقة أفكار الرجل لكتاب الله المجيد وسنة نبيه (صلَّى الله عليه وآله) وتراث أهل البيت (عليهم السلام) وأدلة المعقول الصريحة. فكل ما تحلَّى بهذا الشرط من الأفكار فهو عندنا مقبول ومحترم مهما كان انتماء واتجاه صاحب الفكرة؛ وذلك امتثالاً لقوله تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)، والتزاماً منا بما أثر عن نبي الإسلام وآله (عليه وعليهم سلام الله) من أن (الحكمة ضالة المؤمن). فلا تعبد إلا في قول هؤلاء (عليهم جميعاً سلام الله)، وكل من سواهم يأخذ ويرد عليه. انتهى كلامه بحروفه
و السؤال المطروح للشيخ الحبيب حفظه الله: ما هو رأي سماحتكم بالسيد كمال الحيدري بعد نقل تصريحاته المذكورة أعلاه؟ وما تعليقكم على جوابه؟
ولكم تحياتي ونسألكم الدعاء
أبو مهدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أجاب سماحة الشيخ بقوله: ”مع هذا الذي تفضلتم بنقله عنه؛ لا شك بضلاله وانحرافه. والله العاصم“.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
ليلة 16 ربيع الآخر 1431