بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على شيخنا المجاهد ياسر الحبيب ومَن حوله من المؤمنين ورحمة الله وبركاته ....
نعود إليكم باستفساراتٍ عديدة نرجو التفضل بإدلاء الدلو فيها فأنتم مِمَن يُركَن إليهم....
سؤال يختلج في صدري بين الفينة والأخرى وعدة من الأصدقاء في قضية:
في الثمانينات والتسعينيات تقريباً -كما تعلمون- حدثت فوضى عارمة في القطيف وكذا الأحساء نوعاً ما وفي البحرين بعد الثورة الإيرانية، قادها جماعة مِن رجال الدين المقلِّدين للإمام الشيرازي (قدس سره) يدعون إلى قيام نظام إسلامي -كما يدَّعون-، وقد حدث من العنف والتخريب وحرق السيارات وغيرها الشيءَ الفظيع، وكل ذلك منسوب إلى الإمام الشيرازي (قدس سره) إذ هم أتباعه -كما يزعمون-، ونحن نعلم ونعرف فكرَ الإمام السلمي الذي يؤمن بالطرق السلمية وبوجوب موافقة شورى الفقهاء في مثل هذا العمل المسلَّح.
فهل هذا الفعل محمود عند الإمام الراحل؟
ولكم ياشيخ ألا تجيبوا عن السؤال إن رأيتم مصلحة، مع حذف السؤال نهائياً من النسخة التي ستَنشرونها على الموقع؟
دمتم مؤيدين
المرسل:
عبدالله الإمامي الأحسائي
باسمه جل ثناؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا السبط الأكبر أبي محمد الحسن المجتبى (صلوات الله وسلامه عليه) وجعلنا الله تعالى ممن يثأر له مع ولده المنتظر المهدي أرواحنا فداه وعجل الله تعالى فرجه الشريف.
ما نتذكره أن الإمام الراحل (رضوان الله عليه) كان يصف تلك الأعمال بالعبثية، وكانت خارجة عن إجازته الشرعية. وإنما دبّرها كيان حزبي سياسي ادّعى وصلا به بينما كان قد تأثر بالهيجان الخميني المنفلت حينذاك، وقد انطلى ذلك على معظم جماهير المؤمنين في القطيف والإحساء والبحرين بسبب حالة التعتيم التي فرضتها ظروف الحرب، ففي ذلك الزمان كان الوصول إلى الإمام الراحل والاستماع إلى توجيهاته مباشرة أمرا صعبا جدا، سيما وأن طرق المواصلات والاتصالات كانت شبه مقطوعة بين دول الخليج وإيران. ولم يكن في ذلك الزمان "فضائيات أو إنترنيت" حتى تصل المعلومة للجماهير بالسرعة المطلوبة كما هو الأمر الآن. لذا وقع كثير من المؤمنين ضحية الجهل بالموقف الشرعي الصحيح إلى أن تبيّنت الأمور جلية واضحة مع نهاية عقد التسعينات لدى الكافة.
إن الإمام المظلوم الراحل (قدس الله روحه الشريفة) معلوم عنه بالضرورة مدى التزامه بمبدأ اللاعنف، وهو مبدأ أصيل في الإسلام العظيم، ولا يعني هذا عدم تشجيعه لقيام الثورة الإسلامية الكبرى التي يتمخّض عنها إقامة الحكومة الإسلامية العالمية، فهذا مما يفتي بوجوب العمل لأجله؛ وإنما هو ينادي بتنزيه العمل عن العنف، وسلوك السبل الكفيلة بتحقيق قيام الدولة الإسلامية العالمية دون إراقة الدماء، وتخريب الممتلكات، وتدمير البنى التحتية وما أشبه ذلك، فهذه صنائع المغفلين، لا صنائع العقلاء. فالعقلاء إذا أرادوا صنع ثورة أو التمهيد لقيام حكومة، يعمدون إلى استخدام سلاح التثقيف المركز، وبناء الأجيال الواعية، في خطة طويلة المدى، تتغير فيها جذور المجتمعات، فيصبح الكافر مسلما، والبكري شيعيا، والفاسد تقيا، والجاهل عالما، وبذا ينهض المجتمع كله بجذوره، ويكون هو السبّاق لإحداث التغيير بنفسه، دون فرض من أحد، أو تجاذب بينه وبين طرف. هذا ما يدعو إليه الإمام الراحل رحمة الله عليه، وهو بلا شك أمر صعب يحتاج إلى كثير من العناء والجهد والمثابرة والصبر، لكنه يحقق النتيجة الأمثل ويؤدي إلى الهدف الأروع ويثبت أركان الدولة فلا تهتز مستقبلا، وإنما تكون ثابتة مستقرة إلى الأبد.
إن معظم المتحمسين لمشروع قيام الدولة الإسلامية العالمية لا يدركون ذلك، ويريدون تحقق النتائج السريعة، فيعمدون إلى القيام بهذه الأعمال العبثية ظنا منهم أنها مما يعجّل في إيقاع التغيير، وليست كذلك، بل هي مما يعجّل في إنهاء فرصة وقوع التغيير، ولا أدلّ على ذلك من التجربة التي مضت.. ماذا كسبنا فيها غير التضحية بأرواح المؤمنين الشهداء؟!
لقد كان الإمام الراحل يوصينا في هذا الشأن بما معناه؛ أننا إذا أردنا إسقاط هذه الحكومات الظالمة وتأسيس الحكومة الإسلامية العالمية العادلة والتعجيل بفرج مولانا ولي العصر (أرواحنا فداه) فينبغي لنا أن نكون أولا كالماء! تراه يسير ببطء على الأرض ودون ضجة تلفت الانتباه لينخر ويضرب في أساسات البناء حتى يتآكل ويصبح معرضا للانهيار، وعندئذ تكفي ضربة مطرقة واحدة على أي جزء من البناء لإسقاطه بالكامل!
هذا هو ما نحتاج إليه، وعي أكثر، عمل مكثف برويّة وصبر، تركيز على تغيير العقول، وبُعد عن العنف أو الانفعال. بهذا فقط نتمكن من تحقيق النتيجة المرجوّة بإذن الله تعالى وتحت راية مولانا ولي الأمر صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف المبارك.
وفقكم الله وجنّدكم للتعجيل في فرج وليه. والسلام.
الثامن من شهر صفر الأحزان لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.