دعا سماحة الشيخ الحبيب الأوساط الشيعية إلى عدم التلوّث بالمرض البكري من تقديسهم للشخصيات التاريخية ونقله إلى وسطنا الشيعي، داعياً في ذات الوقت إلى إعمال مزيدٍ من التحقيق والبحث بعمق، وعدم التشبث ببعض الروايات التي ظاهرها مدح لتلك الشخصيات.
وقال الشيخ الحبيب في محاضرته السابعة بالليالي الحسينية لسنة 1438 - 2017، "أن هنالك أصواتاً تتعالى من هذا الطرف أو ذاك وتنكر علينا حين ندين شخصياتٍ تعد من قرابة أهل البيت عليهم السلام ونراها بحسب الأدلة مرفوضة، طالبين منا أن نحترم هذه الشخصيات إكراماً لأهل البيت عليهم السلام"
وأوضح الشيخ أن "هذه الشخصيات المدانة من قبلنا -كعقيل وعبد الله بن جعفر والعباس وعبد الله بن عباس وأمثالهم- ما قلنا فيهم إلا ما قاله أئمتنا عليهم السلام وما عدونا قولهم".
وقال سماحته أن المشكلة تكمن في التنشئة الثقافية الشيعية التي ولّدت تصوراً خاطئاً أو مغلوطاً في تقييم هذه الشخصيات بالتشبث ببعض الروايات أو الآثار التي ظاهرها أنهم من الممدوحين، والحال أن من يحقق ويتعمق ويبحث جيدا سيكتشف الذي نحن نقول، وهو أن هذه التي تعد عند القوم أدلةً على صلاح هؤلاء هي في أحسن أحوالها لا تصمد أمام الأدلة التي تدلُّ على فسادهم، وأن الواجب دائماً تقديم الأقوى من الأدلة، مضيفاً أن الأدلة التي يستدلون عليها موهونة، بل عامتها من طرق أهل الخلاف! ومن عيونهم الكدرة وحياضهم المستقذرة!
وتسائل الشيخ قائلاً "هل هنالك داع بعد هذا؛ للدفاع عن تلك الشخصيات وتلميع صورتها؟" ومشيراً إلى أن الإصرار للدفاع عنها لا يفرق على ما يفعله البكرية تماماً للدفاع عن رموزهم وشخصياتهم كأبي بكر وعمر لعنهما الله. مطالباً كذلك الوسط الشيعي بأن يكون حاداً على من حاد الله ورسوله صلى الله عليه وآله أياً كانت شخصيته.
وألفت الشيخ الحبيب إلى ظاهرة ملموسة في وسطنا الشيعي وهو التردد في عدم تسقيط تلك الشخصيات، عازياً السبب إلى العاطفة؛ كون أن الشيعة تربوا على احترام
أهل البيت عليهم السلام وقرابتهم ومن ينتسب إليهم والتخوّف من المساس بأحدهم، إلا أن التجاوز بها الحد لتشمل المنحرفين والفاسقين منهم، يعد استغفالاً للعقول.
وقال الشيخ أن الأئمة عليهم السلام حسموا الأمر ودعونا بأن نرفض من كان فاسداً من قرابتهم، وأن لا تأخذنا في الله لومة لائم.
أخرج الصدوق في معاني الأخبار عن الإمام الصادق عليه السلام وهو يخاطب حمران بن أعين: (يا حمران مد المطمر بينك وبين العالم قلت: يا سيدي وما المطمر؟ فقال:
أنتم تسمونه خيط البناء فمن خالفكم على هذا الأمر فهو زنديق فقال حمران: وإن كان علويا فاطميا؟! فقال أبو عبد الله عليه السلام: وإن كان محمديا علويا فاطميا".
وتطرّق سماح الشيخ إلى أن الحسين عليه السلام كان مبتلياً ببعض إخوانه، ممن كانوا ضعافاً أمام الشيطان ومغريات الدنيا ومباهجها، وقد مثّلوا في كثير من الأحيان قلقاً متواصلاً للحسين وللأئمة عليهم السلام.
وضرب الشيخ الحبيب مثالاً بعبد الله بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي ادعى الإمامة، وقد قال الأئمة عليهم السلام فيه (يريد عبد الله أن لا يعبد الله)!
ومن ثم تناول شخصية محمد بن الحنفية بن أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي سقط هو الآخر في الاختبار، ونصّب نفسه إماماً حينما ثار المختار الثقفي -الذي كان هو الآخر مستأكلاً باسم أهل البيت عليهم السلام-.
وقال أن المختار الثقفي كانت عينه على السلطة، واستغل مشاعر الناس والأنين التي في نفوسهم بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وأعلن ثورته للاقتصاص ممن قتل الحسين عليه السلام، فارتبطت الجماهير به، إلا أنها في ذات الوقت كانت تريد أن تتأكد من نقطة مهمة وهي: هل أن المختار له شرعية من قبل أئمة الدين أم لا، وذلك من أجل الاطمئنان بكونهم في موقف سليم لنصرته.
وذكر الشيخ أن المختار كان يحس بهذه الرغبة، فحاول مع الإمام الحق زين العابدين عليه السلام، حيث كان يرسل إليه بالهدايا، محاولاً استمالته إلى جانبه، وكان يرسل إليه الوفود حرصاً على أن يُنِعم الإمام بشيء ما ليزكيه فيه، فلم يحصل ذلك. وأوضح أن الإمام زين العابدين عليه السلام ذات مرة لم يقبل أخذ الهدايا وطرد من جاؤوه وقال أنه لا يستقبل هدايا الكذابين، كما جاء في رجال الكشي.
عن يونس بن يعقوب عن أبي جعفر عليه السلام قال: كتب المختار بن أبي عبيدة إلى علي بن الحسين عليهما السلام وبعث إليه بهدايا من العراق، فلما وقفوا على باب علي بن الحسين عليهما السلام دخل الآذن يستأذن لهم فخرج إليهم رسوله فقال: أميطوا عن بابي فإني لا أقبل هدايا الكذابين، ولا أقرأ كتبهم فمحوا العنوان وكتبوا للمهدي محمد ابن علي -ابن الحنفية- فقال أبو جعفر: والله لقد كتب إليه بكتاب ما أعطاه فيه شيئا إنما كتب إليه يا ابن خير من طشى ومشى، فقال أبو بصير لأبي جعفر عليه السلام: أما
المشي فأنا أعرفه فأي شيء الطشي؟ فقال أبو جعفر: الحياة".
وبيّن الشيخ أن المختار قام بتوجيه تلك الرسالة إلى محمد بن الحنفية بعد محوهم لاسم الإمام زين العابدين، وقد أعجب ابن الحنفية بالأمر وقام باستقبال الوفود، حتى صدّق نفسه بأنه المهدي! وقد نازع الإمام السجاد الإمامة حتى شهد الحجر الأسود فأنطقه الله بأن الإمام هو علي بن الحسين عليهما السلام.
وأضاف الشيخ إلى أن المختار من جانبه أعجبه هذا الأمر حتى أنه خلق مذهباً جديداً وهو المذهب الكيساني! والذي يقول أن الإمامة بعد الحسن والحسين عليهما السلام لمحمد بن الحنفية وهو المهدي المنتظر!
وتابع أن الأمر قد استفحل وصار أسوء لما بدأ المختار يغالي في دعاواه، وبدأ يقول أن إمامنا محمد بن الحنفية هو ليس فقط المهدي؛ إنما ينزل عليه جبرائيل وميكائيل! أي أنه يوحى إليه، وأثبت نبوةً بعد النبي الخاتم صلى الله عليه وآله!
وقال الشيخ أن الأمر لمّا وصل للمدينة المنورة انتفض الإمام السجاد فذهب بنفسه إلى عمه ابن الحنفية، كما جاء في كتاب مستطرفات السرائر لابن إدريس الحلي، والخبر معتبر وسنده قوي ينتهي إلى يعقوب بن شعيب بن ميثم التمار .
عن يعقوب بن شعيب بن ميثم التمار عن أبي عبد الله الصادق أن أباه حدّثه أن علياً بن الحسين أتى محمد بن الحنفية فقال: "إن هذا الكذاب أراه يكذب على الله وعلى رسوله وعلينا أهل البيت وذكر أنه يأتيه جبريل وميكال، فقال محمد بن علي يابن أخي أتاك بهذا من تصدق؟ قال نعم، قال اذهب فارو عني أني لا أقول هذا وأني أبرأ ممن قاله، فلما انصرف من عنده دخل عليه عبد الله بن محمد وامرأته أو سريته فقالا له إنما اتاك علي بن الحسين بهذا إنه حسدك لما يبعث به إليك. فأرسل إليه محمد بن علي -ابن الحنفية- لا ترو علي شيئا فإنك إن رويت عني شيئا قلت: لم أقله".
وتأسف الشيخ كون أن شخصية محمد بن الحنفية محترمة في الأوساط الشيعية رغم ما فعلته من مساوئ وتلاعبها بالدين والعقيدة، وتكذيبها للأئمة عليهم السلام وتقمّصها للإمامة.
وفي ختام حديثه عن شخصية ابن الحنفية ألفت الشيخ إلى أن بكاءه على أخيه الحسين عليه السلام ليس ملاكاً لصلاحه، فإن أبا هريرة -على سبيل المثال- كان يبكي على الحسين عليه السلام، بل أن مروان بن الحكم لعنهما الله كان يذهب لبيت أم البنين عليها السلام ليستمع الندبة على الحسين ويبكي على مدى خمس سنوات!