دعا الشيخ الحبيب في خطبة صلاة عيد الفطر في هذه السنة 1438 إلى توفير الوفرتيْن البشرية والمادية لتطبيق الدستور العلوي المحقق لنهضة الأمة واستعادتها لقوتها وعافيتها. ولم يترك الشيخ في الخطبة الثانية الإشارة إلى أن المرء ما إن يلتزم بمنهاج أهل البيت عليهم السلام إلا ولابد أن يناله الأذى من أوباش الناس وجهالهم، وأن المطلوب في هذه الحالة هو الصبر. مستذكرا في هذا الصدد رواية شريفة عن الإمام الرضا عليه السلام. وفيما يلي نص الخطبتين:
الخطبة الأولى:
القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.
الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام وأعزنا باتباع خير الأنام محمد وآله الأطهار الكرام صلوات الله عليهم على الدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن علياً وليه وخليفته، وأن فاطمة وأبناءها المعصومين حججه، شهادةً ألقى بها الرب مستقيلاً بها من كل ذنب.
وأشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أني بآل محمد مؤتم ومن أعداءهم بريء وأني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم وولي لمن والاهم وعدو لمن عاداهم، لا أفتر عن ذلك ولا أستكين وإن قطع مني الوتين.
أما بعد عباد الله؛ فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا نجاة غداً إلا بها، فلا تخطفكم الدنيا بزخرفها عنها، واعتبروا بمن عرفتم ممن غرته الدنيا فتمادى، وتزيّنت له فأتاها، فما أصاب منها لذةً إلا أصابت منه مقتلا.
أين الملوك والفراعنة والجبابرة؟ وأين الأثرياء من حرام؟ أين الذين خاضوا بحار الفتن وأخذوا بالبدع دون السنن؟ أين المنهمكون في اللهو والشهوات؟ أين اللاهثون وراء الزعامات؟ أين الطامحون للأنا والذات؟ أين هم .. إلا في قبورٍ قد تفسخت فيها أبدانهم وصارت مأكلاً للدود والحيات، ومن وراءها نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، إنها عليهم مؤصدة في عمدٍ ممددة.
عباد الله .. روي عن إمامنا أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله "العلم حديقةٌ سياجها الشريعة، والشريعة سلطان تجب له الطاعة، والطاعة سياسة يقوم بها الملك، والملك راعٍ يعضده الجيش، والجيش أعوان يكفلهم المال، والمال رزق تجمعه الرعية، والرعية سوادٌ يستعبدهم العدل، والعدل أساسٌ به قوام العالم".
عباد الله .. إنكم لو تأملتم في هذا الحديث العلوي الشريف لأدركتم أنه دستور العمل لخلاص أمتنا ونهضتها واستعادة قوتها وهيبتها، إنها لَلْوفرتان؛ البشرية والمادية، والأخيرة ترفد الأولى، على أساس العدل وقوامه والتزام الطاعة للقيادة الراعية، مع طلب العلم والتمسك بالشريعة، ليتحقق الوعي ويبتعد عن الحرام والشبهات. فلو أن أمتنا التزمت بهذا الدستور لاستعادت قوتها وعافيتها إن شاء الله، ولوصلت إلى حيث الأمن والرقي والرفاه بلطف وبركة الوجود المقدس لمولانا الأمر صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه الشريف، فإن هذا الإمام المنقذ وإن غاب بأمر الله عن عامة الخلق لا خاصتهم؛ فإنه لم يترك رعيته ولم يهملهم، وليس شيء يضاعف من لطفه بنا مثل الالتزام بدستور جده علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما. فلنلتزم به إذن، ليتحقق ذلك المنشود نسبياً، إذ العالم المثالي لن يتحقق إلا مع ظهور سيده وحجته المهدي أرواحنا فداه، ولعل التزامنا يقرّب هذا الظهور بفضل الله المنان.
الحمد لله كما حمده الأصفياء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد وآله الأتقياء، واللعنة على أعدائهم الأشقياء.
معاشر المؤمنين، إن المرء ما إن يتلزم بمنهاج أهل البيت عليهم السلام إلا ويناله الأذى من أوباش الناس وجهالهم، ولابد حينئذ له من أن يصبر ويتحمل إلى أن تقوم دولة الحق بقيادة سيد الخلق في آخر الزمان.
ففي الخبر عن الحسن بن شاذان الواسطي أنه قال: "كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أشكو جفاء أهل واسط وحملهم علَيّ، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني، فوقّع بخطّه:
«إنّ الله تبارك وتعالى قد أخذ ميثاق أوليائه على الصبر في دولة الباطل، فاصبِر لحكم ربّك، فلو قد قام سيّد الخَلق لقالوا: يا وَيلَنا مَن بَعَثَنا مِن مرقدِنا هذا، هذا ما وعَدَ الرحمنُ وصدق المرسَلون». -ويعني به سيد الخلق-.
اللهم عجّل لسيد خلقك في هذا الزمان الفرج واجعلنا من خلّص خدامه وأنصاره والمجاهدين تحت لواءه والمستشهدين بين يديه. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، وصل على عبادك الأطياب محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين سيد الشهداء وعلي زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن الزكي العسكري والحجة القائم المهدي.
صلاة وخطبة عيد الفطر السعيد بإمامة الشيخ الحبيب لسنة 1438هـ: