اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد( عليهم السلام ) فيما اسروا وفيما اعلنوا وفيما بلغني عنهم ومالم يبلغني الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وازكى السلام على المبعوث رحمه للخلائق اجمعين سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين .. آمين
في المحاضرة السابقة ..
كنا قد بيّنا أنّ الفصاحة اخذت من قولنا افصح اللبن اي خلص مما يكون عليه من الزبد وما اشبه . وعلى هذا فإن الفصاحه عرفناها بأنها خلوص الكلام من التعقيد والتنافر . وبكلمه قلنا أنّ الفصاحه هي اناقة اللفظ بحيث يكون هذا اللفظ خالصا من اي تنافر او تعقيد او توحش حين يقع في الاسماء ، فلاتمده الاسماء . الكلام هكذا إن كان انسيابيا خالصا من مثل هذا التعقيد والتنافر فإنه يسمى كلاما فصيحا ، اما البلاغه فهي مأخوذه من قولنا بلوغ المكان او بلغ المكان وعلى هذا عرفنا البلاغه بأنها بلوغ الكلام في نظمه وتركيبه للمعنى المراد ولمقتضى الحال ، على أن ينطوي ذلك المعنى على مضامين عميقه ، مضامين عاليه بعيده . وبكلمه يمكن لنا أن نعرّف البلاغه بأنها عمق المعنى .
هكذا عرفنا الفصاحه والبلاغه وبيّنا الفرق بينهما ، وكنا قد ذكرنا ايضا أنّ القرآن الحكيم معجزته هي في هذين ، انه قمت القمم في الفصاحه ، قمة القمم في البلاغه ، بحيث أنّ احدا لا يتمكن من أن يأتي بمثل هذا الكلام الفصيح البليغ ، فالكلام معجز من جهة فصاحته وبلاغته وبحثنا هذه الليله سيكون محاوله منا للإقتراب من معالم هذه الفصاحه والبلاغه في القرآن الحكيم ، نحاول الاجابه على هذا السؤال انه كيف القرآن معجز من حيث فصاحته وبلاغته هل من امثله ؟
أمثلة على اعجاز القرآن في فصاحتة وبلاغتة .
ماهي الفصاحة والبلاغة ؟ !
هذا ماسنتطرق اليه إن شاء الله ( تعالى )، ولكن قبل أن نتطرق الى هذا لابأس لمزيد من التوضيح والتأكيد أن نذكر بعضا من كلمات الخبراء في تعريف الفصاحه والبلاغه حتى نفهم مالمراد بكل منهما ، هؤلاء الخبراء الذين نذكرهم هم مابين علم من اعلام اللغه وما بين خطيب متحدث من ضيق ومابين اعرابي وقد تسألني انه لما تأتي بكلام اعرابي هل هو حجه في مثل هذا المجال ؟
نقول نعم وذلك على التبيان الذي سيأتي ان شاء الله ( تعالى ) اول شهاده هي شهادة الخليل ابن احمد الفراهيدي ، هذا الرجل المعروف الذي اسس علم العروط ، اوزان الشعر ، وهو كان استاذا لسيباويه علم اللغه المعروف والخليل ابن احمد ايضا ، هو واضع اول معجم للغه العربيه في كتابه كتاب العين ، هذا الرجل سأل كما يروي ابن عبد ربه الاندلسي في كتابه الشهير العقد الفريد سأل ما البلاغه ؟
فقال ماقرب طرفاه وبعد منتهاه ، ماقرب طرفاه المراد به أن يكون الكلام مختصرا فأطراف العباره لاتتباعد وانما تتقارب ، ثم هذا الاختصار يكون خاليا من تعقيد وتنافر ، ولذا فإن الطرفين يقتربا ، فإذا المقطع الاول من كلامه يشير به الى الفصاحه في حين أنّ المقطع الثاني يشير به الى البلاغه ، عمق المعنى ، يقول وبعد منتهاه هنا قد تشكل قائلا انه إذا كان المقطع الاول يشير به الى الفصاحه ، فكيف ذلك وقد سأل عن البلاغه ! قيل مالبلاغه ماقيل له مالفصاحه وهو قد عرف البلاغه والفصاحه معا فكيف ذلك ؟
الجواب لأن اعلام اللغه والمتضلعين فيها لا يجعلون الكلام بليغا إذا لم يكن فصيحا ، فالكلام البليغ ينبني على الكلام الفصيح ، فلاكلام بليغ دون أن يكون فصيحا لكن لعنا نجد كلاما فصيحا لكنا لانجده بليغا ، فلذا حين يسأل المرأ مالبلاغه فإنه عادتا يذكر معنى عمق اللفظ او عمق المعنى ، كما يذكر ايضا اناقة اللفظ اي سلامته من التنافر واختصاره ، فإن ّهذا وإن كان فصاحه إلا انه له دخاله في البلاغه .
قال ما البلاغه ؟ فقال "ماقرب طرفاه" العباره المختصره السالمه من التعقيدات والزيادات "وبعد منتهاه" ، الكلام الذي له معنى عميق معنى بعيد يجعلك هكذا تسبح في المعنى ، تتأمل فيه تجده معنى بليغا يثقل على عقلك لايثقل من باب انك تستوحشه مثلا او لاتفهمه وانما لا تتأمل فيه تراه كلاما يستحق أن تغوص فيه اكثر فاكثر ، اي معنى عميق يحتاج أن تغوص فيه .
ايضا في كتاب العقد الفريد يقول قيل لجعفر ابن يحيى ابن خالد مالبلاغه ؟قال : "التقرب من المعنى البعيد ، هنا عمق المعنى وانطوائه على معاني بعيده اي عاليه كلما اقتربت منه اكثر فقد بلغته بلوغ المكان بلوغ المعنى ، فهنا انت بليغ ولكن على أن لاتهمل الفصاحه ، ولذا لاحظو جعفر ابن يحيى ابن خالد في نفس الوقت يذكر قضيه الفصاحه في المقطع الثاني من كلامه يقول : "التقرب من المعنى البعيد والدلاله بالقليل على الكثير " ، أن يكون كلامك مختصرا ليس فيه زيادات ، ليس فيه تعقيدات ، فهذا الكلام الذي تدل بالقليل على الكثير تدل بالقليل من الالفاظ على الكثير من المعنى هذا كلام فصيح بليغ ..
يقول "وقيل لأعرابي مالبلاغه ؟ قال : حذف الفضول وتقصير الطويل" ، الكلام إذا كان فيه فضول بمعنى زيادات ليس لها داع فهذا لايكون كلام فصيحا ولا بليغا ، وكذا إذا اطلت اكثر من اللازم فهذا ايضا كلام غير فصيح ولابليغ ، لذا عرف البلاغه بــ"حذف الفضول وتقصير الطويل" ، كلما اختصرت اللفظ ، اختصرت العباره وجعلتها تنطوي في الوقت نفسه على معاني عميقه ، استخدمت معاني او الفاظ تجعل المستمع المتلقي يغوص في المعنى ، فأنت فصيح ، هذا الشهادات التي ذكرناها او هذه البيانات من هؤلاء الخبراء هي محاوله منا للتأكد من معنى الفصاحه والبلاغه اكثر واكثر ، نلاحظ هنا أنّ الموجود هو ركنان . مسأله حتى يفهمها جيمع الاخوه طلبة العلم وحتى طلبت الجامعات بشكل عام ..
ركنان ركن فيه خلوص للكلام من الزيادات والتعقيب والاطاله والتنافر وما اشبه ، ويكون اللفظ انيقا هذه فصاحه . الركن الثاني ركن عمق المعنى ، استخدام كلمات والفاظ وتركيبها ونظمها بطريقه معينه تجعل المنتهى بعيدا ، تجعل المضامين عميقه فهذه بلاغه ، فإذا الكلام كلما كان مختصرا ويدل على معنى عميق فإنه كلام بليغ كلام فصيح . القرآن الحكيم هو اعظم كتاب على الاطلاق في الاشتمال على هذين الركنين ، انه يحتوي على ابلغ واعظم المعاني والمضامين واعمقها في اللفظ هو الاقصر والاسلم من التنافر والابعد عن الزيادات والتعديدات ، فمن هنا كان الكلام القرآني معجزا ، لا احد تمكن حتى الآن من أن يأتي بمعاني القرآن الحكيم ، بألفاظ هي اخصر من الفاظ القرآن الحكيم .
يعني انه انسان يأخذ آيه معينه ، يأخذ معناها فيحاول أن يأتي بنفس هذا المعنى بعباره اخصر وابلغ ، لافقط أن تكون اخصر ، وانما أن تكون ابلغ ايضا ، ولا أن تختصرها بما يجعل فيها تنافر او تعقيد او توجب على السامع أن يتأمل فيها حتى يفك الرموز والاشارات مثلا ، لأنه يجب الكلام غير مفهوم ، لا . انما تأتي بكلام يكون مشتملا على ذلك المعنى العميق بلفظ هو اخصر واكثر اناقه وروعه وجاذبيه ، لا احد تمكن من هذا الى الآن هذه هي النقطه المحوريه في اعجاز القرآن الحكيم ، وقد غفل عنها الكثيرون ، بعضهم ذهب كما بينا سابقا فبعضهم قال بالصرفه بعضهم قال بالاعجاز البياني بعضهم قال الاعجاز الاخباري . يعني الاخبار بعضهم قال بالاعجاز العلمي للقرآن كل ذلك صحيح ولكن المحور في الاعجاز القرآني هو هذا الذي ذكرناه ، اي تعال ايها الاديب يا ايها الانسان المتضلع في اللغه يا ايها الخبير يا ايها المتحدث يا ايها الشاعر ، تعال وخذ معنى من معاني القرآن الحكيم وحاول أن تنظم لهذا المعنى عباره ركبها بطريقه معينه وتكون اخصر عباره من آية القرآن الحكيم وتعطي نفس الدلاله او ابلغ منها لا احد تمكن من هذا !
قول الاعرابي حجة في اللغة العربية ..
قبل أن اضرب مثالا على ذلك وهذا المثال جيد اعود لاجيب على سؤال انه كيف قول الاعرابي حجه هنا ؟او كيف اعتبرتها شهادة خبير حينما قيل له مالبلاغه قال حذف الفضول وتقصير الطويل؟ مع انه اعرابي والاعرابي عاده امي لم يتعلم في الحاضره فكيف تقارنه مثلا مع الخليل ابن احمد الفراهدي ؟
الجواب : الاعرابي هنا خبير من حيث كون لغته الفطريه هي اللغه الفصيحه البليغه ، الاعراب كان يرجع اليهم بل ويحتكم اليهم ايضا في هذه الالفاظ وفي هذه النصوص وفي هذه الاشعار لأنهم نشؤوا بفطرتهم على اللغه الفصيحه والبليغه ، فلذلك تجد مثلا صاحب العقد الفريد حينما يذكر شهادات اعلام في الفصاحه والبلاغه او حين ينقل بينات الاعلام في الفصاحه والبلاغه يدرج مع هؤلاء قول الاعرابي ، اي اعرابي هذا لانعلم ولكن الاعرابي كما قلنا بفطرته كان يتذوق ، لأنه نشأ هكذا في اجواء اللغه فيها فصيحه بليغه بعيده عن اللحد ، بيعده عن أن تختلط المفردات بمفردات الغير . مثلا انتم لاحظو هؤلاء الذين سكنوا في المدن حتى لو كانوا من عمالقة الشعراء في القرون الماضيه او من عمالقه الادباء والبلغاء ، كلامهم شيئا فشيئا اختلط بالامم الاخرى ، ولذلك انت تجد الآن مجموعه من الكلمات في اللغه العربيه تحسب عربيه وليست في الاصل عربيه .
مثالها مثلا كمثال كلمة زنديق ، الناس تتصور أنّ كلمة زنديق كلمه عربيه بالأصل ..لا ابدا ، ارجع الى معاجم اللغه يقولون لك أن هذه الكلمه فارسيه معرّبه فأصل الكلمة جاء من الفرس ولكن عرّبت هذه الكلمه عرّب هذا اللفظ ليعطي دلاله ما ، كيف حصل هذا ؟
هذا بسبب أنّ المدن والحاله المدنيه بشكل عام تتخالط مع ثقافات ولغات الامم الاخرى ، فيحصل نوع من التلاقح وتنشأ لغات جديده . جلواز مثلا جلاوزه كلمات فارسيه وهكذا هناك كلمات هنديه كلمات روميه كانت تتسلل لى اللغه العربيه وتصبح مع مرور الايام والزمن جزء منها . في الزمن المعاصر مثلا كلمة تلفاز ، تلفاز كلمه معرّبه لاصل كلمه انجليزيه فذلك الاعرابي ابعد عن مثل هذه التسللات الى لغته لأنه محتفظ باللغه الاصليه العربيه ومدرك جيدا تمام الادراك لمعنى الفصاحه ولمعنى البلاغه ، ولذلك كان بعض الاعرابيصححون على جهلهم وعلى عدم تعلمهم ، بل حتى قرائتهم للقرآن الحكيم يصححون لمن يقرأ القرآن الحكيم اعتمادا على فطرته ونشأته لا يصححون فقط للشخص العادي ، وانما كانوا يصححون احيانا لكبار الادباء والشعراء والبلغاء .
على سبيل المثال اطرح النموذج حتى تعرفوا ماذا اقصد بالكلام .. الاصمعي ، من منا لايعرفه ؟ شاعر اديب متحدث خطيب معروف مشهور واخباره ملئت الدنيا . هذا الرجل كما نجد في كتاب زاد المسير لابن الجوزي تفسير ابن الجوزي يقول كنت اقرأ : { والسارق والسارقة فاقطعو ايديهما جزاءا بما كساب نكالا من الله والله غفور رحيم } ، يقول : "وكان بجانبي اعرابي فقال كلام من هذا ؟" لاحظو هنا مسأله مهمه "قال له كلام من هذا ؟ فقلت كلام الله قال اعد" هذا الكلام مو كلام الله اعد مره اخرى ! ، "قال اعد فأعدت فقال ليس هذا كلام الله" ، لايمكن هذا كلام الله هذه الآيه لابد فيها خطأ لاتكون كلام الله عجيب!
"يقول فكّر فانتبهت فقرأت الآية بشكل سليم" هو فقط غير آخر كلمتين في الآيه الكريمه { والسارق والسارقه فاقطعو ايديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم } يقول : "انتبهت وقرأتها هكذا فقال الاعرابي : اصبت" . زين الى هنا يحتمل وعلى القاعده انه الاعرابي حافظ لهذه الآيه او مطلع عليها وقد قرأها ووعاها ، فلذك صحح للأصمعي الذي اخطء في قرائة هذه الآيه ، ولكن المفاجئه ستأتينا انه هذا الرجل لم يسمع هذه الآيه قط ، بل ولم يقرأ القرآن قط ، يعني لم يقرأ هذه السوره التي جائت فيها هذه الآيه ، سورة المائده ماقرأها ابدا الاصمعي يقول : "لما قال لي اصبت قلت له اتقرأ القرآن ؟ قال لا " انا لم اقرأ القرآن ، قلت : "فمن اين علمت ؟" ، من اين علمت انه انا اخطأت في هذه الآيه ؟ الآن اي شخص يقول والله غفور رحيم ولا احد يميز إلا ذاك الحافظ للقرآن ، اما ذاك الذي لم يحفظ القرآن ولم يقرأ القرآن لايتعقل الفرق هذا كلام الله وذاك ليس كلام الله . فكيف فطن له ذلك الاعربي مالذي حصل؟
لاحظو جواب الاعرابي ، قلت له : "فمن اين علمت ، قال له : عز فحكم فقطع ولو غفر فرحم فما قطع " لاحظو هنا الآيه كانت في سياق ماذا ؟في سياق التهديد والوعيد { والسارق والسارقه فاقطعو ايديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله } والله غفور رحيم!؟
ليس هاهنا تجانس في المعاني هنا تنافر لماذا ؟ قلت إنّ الكلام ينبغي أن يكون سالما من التنافر ، فيه تنافر هذا المعنى ليس في مساق ذلك المعنى الكلام ، ليس في مجرى واحد . الكلام حينما يكون بهذا السياق فلا بد أن يكون المتحدث من جهة العلو والعزه والحكم والهيمنه لا من حيث الغفران والرحمه وما اشبه .. لذلك يقول الاعرابي : انه لما انا قرأت هذه الآيه او سمعت هذه الآيه منك فأنا وجدت منها اختلال ، لايمكن أن يكون هذا كلام الله ؟! هكذا بفطرته لأنه يتذوق اللغه ، نحن لانتذوق ولانتوقف على هذه الاخطاء ، لماذا ؟
لأننا بعيدون عن اللغه العربيه فلا نستطيع أن نتذوق البلاغه على طبيعتها ، ونقف على حقيقتها ، نعم ذلك الذي يجتهد في تعلم اللغه العربيه ويعيش في اللغه العربيه سيما بيته يكون مثلا بيت للأدباء ، بيت للشعراء ، بيت للبلغاء ، هذا تجده يمكن أن يصل الى هذه المرحله بحيث يتذوق فورا ويقف على الاخطاء ويقف على الاشكالات ويستطيع أن يفهم اين الخلل في الكلام ، اما لا ، عامة امتنا حتى هذه الامه العربيه لاتفقه شيء بلغتها بل يعلمها الاعاجم . فلذلك هذا الرجل لأنه اعرابي قلنا خبير لماذا ؟لأن بفطرته نشأ على اللغه وسلامة اللغه فلاحظو حتى كلامه كلامه فصيح وبليغ قال : "ياهذا لما سأله من اين علمت قال : الله عز فحكم فقطع ، فاذا الآيه يناسبها والله عزيز حكيم ولو غفر ورحم لما قطع " ، كما اخطئت انت في البدايه لما امر بقطع يد السارق والسارقه . فمن هنا يكون الاعرابي خبير ويرجع اليه في مثل هذه الامور .
الآن نأتي الى صلب كلامنا منذا يستطيع أن يركب كلاما لمعنى من المعاني التي جائت في القرآن الحكيم على أن يكون هذا الكلام مما قرب طرفاه وبعد منتهاه ؟ مشتمل على هذين الركنين الفصاحه والبلاغه بما يفوق فصاحة وبلاغة هذه الآية التي جائت في القرآن الحكيم ؟ لا احد .
انتم الآن جربوا انا اطرح عليكم مثالا دعونا الآن نفكر أن نأتي بلفظ او جمله او عباره فصيحه بليغه لا نصف فيها النار وانما نصف فيها سعت النار ؟ النار جهنم كم هي متسعه كم هي متسعه !دعونا نفكر الآن مالعبارات التي يمكن أن تخطر في الذهن بحيث انا يكون الكلام فصيحا بليغا و نبلغ بسابعه الى منتهى انه يفكر ويسبح ، هكذا في معنى مدى اتساع جهنم مدى اتساع النار انه كم هي متسعه بحيث انها تستوعب الجميع ، كل من يدخل فيها فماذا يمكن أن نعبر مثلا ؟
"نقول مثلا سعت النار لاحد لها"، مثلا "جهنم تأكل الارض ومن عليها" ، مثلا عبارات هالشكل دعونا نفكر نبتكر هكذا عبارات نقول مثلا "اتساع جهنم فوق التصور" ، مثلا "سعت النار فوق التعقّل" فوق العقل وهكذا .. تجد مهما نأتي بعبارات لن لنبغ الى العباره التي جاء بها القرآن الحكيم في فصاحتها وبلاغتها ، وقد حصلت تجربه في هذا الشأن انقلها لكم وهي جديره بالالتفات . هنالك كتاب لالدكتور ابراهيم طه احمد الجعلي هذا الكتاب اسمه من بلاغة القرآن ، هناك ينقل هذه القصه انه اجتمع اديب مصري واحد المستشرقين الامريكيين المتضلعين باللغه العربيه ، وكان هذا المستشرق فوق تضلعه في اللغه العربيه متضلعا ايضا بثلاث لغات اخر ، يعني كان يجيد اربع لغات وكان له تاريخ وخبره عميقه في اللغه العربيه وفي تاريخ العرب والمسلمين ، لأنه مستشرق هذا المستشرق الامريكي قال لذلك الاديب المصري سأله ، انا انقل الكلام بالمضمون انه هل انت بالفعل على التصورات القديمه ؟ طبعا الحادثه وقعت بفترات زمنيه قديمه بعض الشيء يعين في الخمسينات الحادثه هذه .
صدمة المستشرق الامريكي بإعجاز القرآن الكريم في بلاغتة ..
هل انت تتصور بالفعل أنّ القرآن معجز من ناحيت فصاحته ولغته وبلاغته ؟ ألا تعتقد بأنّ هذا شيئا فيه من الوهم وتقليد للآباء والاجداد ، يعني هي كرة ثلج عبر الزمن جعل فيها القرآن يعني فصيحا بليغا ، ومن كثرت هذا التلقين لأمتكم انتم هكذا تظنون الكتاب كتاب القرآن كتاب بليغ فصيح ، ولكن ليس بمعنى انه معجز لايمكن أن يأتي كتاب افصح وابلغ منه ، هذا الذي تتصورونه هو نوع من المبالغه في الموضوع بسبب أنّ قرآنكم هذا يتلى في المحاريب ويقدس وعبر 1400 سنه فصارت له هذه الهاله المتضخمه ، وإلا ليس كتاب معجزا نعم هو فيه فصاحه وبلاغه ولكن ليس معجزا ، يمكن للإنسان إذا يتأمل اكثر ويتعب على نفسه اكثر وتساعده قريحته وتساعده لسانه المنتظم في اللغه أن يأتي بأفضل من القرآن في فصاحته وبلاغته . هذا الاديب المصري رد على ذلك المستشرق انه دعنا الآن نجرب وانت جرب معي بااعتبارك ايضا متضلع في اللغه العربيه ، دعنا نحاول أن نكتب الآن انا لدي ورقه وانت لديك ورقه ولنكتب عبارات تصف فيها سعت جهنم .
بحيث انا نريد أن نشير الى معنى أنّ جهنم واسعه جدا ، قال لا بأس لنجرب هذا الشيء ، يقول كتبنا مجموعه من العبارات كتبنا مثلا "جهنم او سع مما يظنون"، "سعت جهنم لايتصورها عقل"، "جهنم اوسع مما يحلمون"، هذا ايضا ابلغ عبارة بليغه جيده ، "انتم قاصرون عن وصف سعت جهنم" ، وامثال هذه العبارات .. "سعت جهنم فوق الخيال" مثلا ، الى اخره ..
يقول كل منا كتب عبارات فلما انتهينا من تدوينها يقول هذا الاديب المصري هل انتهيت ؟ هذه عصارت ماتمكنت منه قال نعم . يقول حتى انا هذا عصارت ماتمكنت منه ، الآن دعنا نرى القرآن كيف عبر وانظر انت هل انه نحن قد اقتربنا شيئا ما الى بلاغة القرآن وفصاحته ام لا ، يقول وماذا قال القرآن في وصف سعت نار جهنم ؟!
قال قال القرآن في ذلك : { يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد } ، الله اكبر اين تلك العبارات ؟ واين تلك الجمل من هذه العبارة التي تهزك من الاعماق ؟! { يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد ؟! يقول لما المستشرق سمع هذا الآيه الكريمه فتح فاه مشدوها !!! مندهش مشدوه انه اي عبارة هذه !!! هذه تأتي من بشر ؟!
لاحظو هنا أنّ الله ( عز وجل ) وصف سعت جهنم اصلا من دون أن يأتي بكلمت السعه ، يعني كل العبارات السابقه التي وضعاها او كتباها كانت فيها كلمة السعه ومشتقاتها ، يعني "اوسع مما يحلمون"، هنا هذه الآيه الكريمه اصلا كلمة السعه ومشتقاتها غير موجوده ، ومع ذلك انطبع هذا المعنى بذهنك بأروع مثال ؟! سورة ساحره عجيبه ؟! لاتتمكن ايّة ريشه من أن ترسم مثل هذه الصورة وتجعلها تنطبق في ذهنك ، وصف سعت جهنم بأنها تتسع وانها واسعه جدا وتضل في التوسع والاتساع بحيث تبلع الجميع ، بحيث حتى لايستخدم كلمة السعه ؟! هنا البلاغه .
{ يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد }
ومع هذا الانسياب العجيب في الآية الكريمه وخلوصها من التعقيب والتنافر واطالت الكلام ، هذا الوزن العجيب في القرآن الحكيم وهذه الاناقه والفخامه في اللفظ التي تهزك من الاعماق وتجعلك تدوخ في محاولة تصور جهنم ، هذه التي توصف بهذا المعنى انت الآن تأمل حقيقه الآيه الكريمه ، تهز الانسان واقعا { يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد } ، فأيّة سعه لهذه لجهنم التي الله ( تعالى وعز وجل )يخاطبهاهكذا خطاب ويقول هل امتلئت؟وتقول لا بعد هل من مزيد ؟!
تعال هات لنا احد استطاع أن يعبر عن سعه ما في كل تراث العرب في الجاهليه وفي الاسلام بمثل هذا التعبير لا احد تمكن .. هذا نموذج من نماذج اعجاز القرآن الحكيم في التصوير البلاغي بعد منتهاه . شوفو شلون عبر الخليل ابن احمد قال : "ماقرب طرفاه وبعد منتهاه" العباره هذه عباره طرفاها مقتربان بعيده عن التطويل سالمه وصافيه خالصه من اي تطويل وزيادات وتعقيبات ، عباره سهله { يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد } .
شوف بثانيه ثانيتين انتهين من هذه العباره وهي سالمه من كل تعقيد ، سالمه من فضول الكلام ، يعني الآن حاول انت أن تحذف كلمه واحده ، تجد المعنى لايستقيم . تأتي بحرف بدل الكلمه المعنى ايضا لايستقيم ، مع انه لاحظ هنا تكرار لفظ نقول وتقول مع ذلك لاتجد أنّ هاهنا تطويل او زياده اوفضول في الكلام لاتجد من ذلك . قرب طرفاه ولكن بعد منتهاه ، اللفظ انيق لكن المعنى عميق عميق عميق ، وصوّر المعنى بأروع تصوير يهزك يهز وجدانك يهزك من الاعماق ، يجعلك تسبح في خيالك في محاولة تصور جهنم ، هذه انه كم هي متسعه كم هي واسعه كم هي ضخمه بحيث انها تبلع كل شيء يرد عليها هذه الصورة التي تهزك والتي هي صورة ساحره جذابه خلابه تجعلك تتأثر . هنالك اناس يسمعون هذه الآيه يبكون يقولون الله الله احنا شلون نقترب من هذه جهنم التي تقول هل من مزيد تريد تبلع فيكون ذلك له انعكاس على نفوسهم ، يتأثرون وبسبب تأثرهم هذا فإنهم يبتعدون من المعاصي حذرا من جهنم التي تقول هل من مزيد . فهل انا من هذا المزيد الذي يدخل جهنم والعياذ بالله ؟
والله ( عز وجل )، حين جاء بهذا القرآن او انزل هذا القرآن انما اراد أن يوقع هذه المعاني في النفوس بأبلغ موقع واعمق موقع حتى يهتز البشر ويتأثرون ويتحولون الى الايمان ، من هنا كان القرآن معجزا في تصاويره ، في معانيه ، في بلاغته ، في فصاحته . هذا نموذج وهنالك نماذج اخر نتركها إن شاء الله ( تعالى ) الى المحاضره المقبله وهذا وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى قيام يوم الدين .. آمين