• يحدثنا التاريخ عن أن أهل الكوفة لما قدم إليهم أمير المؤمنين عليه السلام كانوا في سعادة غامرة وفرح عظيم. ففي وقعة صفين لنصر بن مزاحم صورةٌ تأريخية عن ذلك المشهد وذلك في سياق حديث خفاف بن عبد الله الطائي وهو يصف لمعاوية كيف دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة.
• في وقعة صفين ص65: ثم قدم إلى الكوفة، فحمل إليه الصبي، ودبت إليه العجوز، وخرجت إليه العروس فرحا به، وشوقا إليه.
• هكذا كانت الأجواء الاحتفالية في الكوفة بقدوم أمير المؤمنين عليه السلام إليها، أما في آخر عهده صلوات الله عليه فقد تبدلت الصورة كليةً وتحول الأمر إلى أن يتفرّق عنه الناس وينشقون عنه ويتشتتون عليه حتى غدا وحيداً، وهذه صورة تأريخية ترسم لنا هذا المشهد الكئيب.
• في كتاب الغارات للثقفي م1 ص67: عن عمارة ابن عمير أنه قال: كان لعلي عليه السلام صديق يكنى بأبي مريم من أهل المدينة فلما سمع بتشتت الناس عليه أتاه، فلما رآه قال: أبو مريم؟ قال: نعم، قال: ما جاء بك؟ قال: إني لم آتك لحاجة ولكني أراك لو ولوك أمر هذه الأمة أجزأته. قال يا أبا مريم إني صاحبك الذي عهدت، ولكني منيت بأخبث قوم على وجه الأرض، أدعوهم إلى الأمر فلا يتبعوني، فإذا تابعتهم على ما يريدون تفرقوا عني,
• تفرّقوا عن علي عليه السلام لأنهم لم يحتملوا صرامته في الحق، وعدله، وشديد محاسبته حتى لأولئك الذين هم مقرّبون منه، ويعتمد عليهم في إدارته وحكومته، وقد ولاهم الولايات.
• كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يبالي في إجراء العقوبات على ولاته وعمّاله، رغم علمه بانشقاقهم وتفرّقهم عنه والتحاقهم بمعاوية لعنه الله، وهذا ما يسبب تضعضع وتفتت للجبهة الداخلية! وكان الجميع يتحينون الفرصة للإجهاز على علي بن أبي طالب وإسقاط دولته.
• لعل البعض يحدّث نفسه بتقديم الأهم على المهم! وتلكم شماعة لعمري معروفة يستخدمها حتى بعض أهل العلم حين يلتمسون لأنفسهم الرخص والمعاذير لكي لا يحاسبوا حواشيهم ووكلائهم.
• نحن لا نلغي هذا الاجتهاد في الجملة، ولا نقول إن تقديم الأهم على المهم في هذه الموارد غير متحقق، ولكن الذي نقوله أن نحذر من أن تكون هذه شماعة نعلّق عليها خوفنا من ردود الأفعال وفشلنا في إقامة الحد على القريب والبعيد أو في اتخاذ الإجراء الشرعي الذي نحن مسؤولون عنه يوم القيامة,
• إن المؤسسة الحاكمة التي كانت بيد أمير المؤمنين عليه السلام في أواخر عهده شبه انهارت، وحصلت فيها خروقات وانشقاقات وما أشبه، وكان يمكن لأمير المؤمنين عليه السلام أن يوفره ويتجنبه لو أنه لان معهم ولم يحاسبهم هذا الحساب العسير.
• هناك رجل يقال له مصقلة بن هُبيرة الشيباني، وكان عاملا لعلي عليه السلام وواليا على أردشير خرّة من بلاد فارس، وصار في ذمته مبلغ خمسمئة ألف درهم من حقوق المسلمين، بعد تدخله في قضية الأسارى ودفع فديتهم من ماله.
• لقد ظن أن أمير المؤمنين عليه السلام سيتسامح معه ولن يطالبه بهذا المال، فلذا لم يؤده وتمهّل في تأديته، ففوجئ بأن الإمام عليه السلام يرسل من يخيّره بين أداء المال أو الحبس! وتاولت الأحداث حتى انشق عنه ولحق بمعاوية.