• قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة م1 ص50 "كان أمير المؤمنين عليه السلام ذا أخلاق متضادة، فمنها ما قد ذكرها الرضي رحمه الله وهو موضع التعجب لأن الغالب على أهل الشجاعة والإقدام والمغامرة والجرأة أن يكونوا ذوي قلوب قاسية وفتك وتمرد وجبرية، والغالب على أهل الزهد ورفض الدنيا وهجران ملاذها والاشتغال بمواعظ الناس وتخويفهم المعاد، وتذكيرهم الموت، أن يكونوا ذوي رقة ولين، وضعف قلب، وخَوَر طبع، وهاتان حالتان متضادتان، وقد اجتمعتا له عليه السلام.
• ومنها أن الغالب على ذوي الشجاعة وإراقة الدماء أن يكونوا ذوي أخلاق سبعية، وطباع حوشية وغرائز وحشية، وكذلك الغالب على أهل الزهادة وأرباب الوعظ والتذكير ورفض الدنيا أن يكونوا ذوي انقباض في الأخلاق، وعبوس في الوجوه، ونفار من الناس واستيحاش، وأمير المؤمنين عليه السلام كان أشجع الناس وأعظمهم إراقة للدم، وأزهد الناس وأبعدهم عن ملاذ الدنيا، وأكثرهم وعظا وتذكيرا بأيام الله ومثلاته، وأشدهم اجتهادا في العبادة، وآدابا لنفسه في المعاملة.
• وكان مع ذلك ألطف العالم أخلاقا، وأسفرهم وجها، وأكثرهم بشرا، وأوفاهم هشاشة، وأبعدهم عن انقباض موحش، أو خلق نافر، أو تجهم مباعد، أو غلظة وفظاظة تنفر معهما نفس، أو يتكدر معهما قلب حتى عيب بالدعابة، ولما لم يجدوا فيه مغمزا ولا مطعنا تعلقوا بها، واعتمدوا في التنفير عنه عليها، وتلك شكاة ظاهر عنك عارها، وهذا من عجائبه وغرائبه اللطيفة.
• قال ابن أبي الحديد في شرح النهج م1 ص183 يصف أخلاق الطاغية الثاني عمر بن الخطاب لعنه الله، وأظن أنه لا يوجد أحد يمكن أن ينكر أن عمر كان على النقيض من هذه الصفة من أمير المؤمنين عليه السلام، بل من رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد كانا دائما في بشر ولين وسماحة مع الناس، وعمر كان في منتهى الفضاضة والعنجهية.
• وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد، ويتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله معاذ الله أن يقصد بها ظاهرها! ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته، ولم يتحفظ منها. وكان الأحسن أن يقول: " مغمور " أو " مغلوب بالمرض "، وحاشاه أن يعنى بها غير ذلك. نهج الشرح لابن أبي الحديد م1 ص183
• في كتاب الجوع لابن أبي الدنيا برقم 294 عن جابر بن عبد الله أن عمر رأى في يده لحما قد اشتراه بدرهم فعلاه بالدِّرة فقال يا أمير المؤمنين ما اشتريته لنفسي، إنما اشتهى بعض أهلي فاشتريته له، فتركه.
• في مسند أحمد بن حنبل برقم 17036 عن زيد بن خالد أنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة ركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه فضربه بالدِّرة وهو يصلي كما هو فلما انصرف قال زيد يا أمير المؤمنين؛ فوالله لا أدعهما أبدا هاتان الركعتان بعد أن رأيت رسول الله يصليهما، قال فجلس إليه عمر فقال يا زيد بن خالد لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة إلى الليل لم أضرب فيهما.
• من يقارن بين خطابنا وأسلوبنا وخطابات أهل الخلاف وأسلوبهم يجد البون الشاسع، لأنهم أتباع عمر بن الخطاب فورثوا منه هذه العنجهية والفظاظة، أما أمير المؤمنين علي عليه السلام فنحن ورثنا منه اللطف واللين والبشر