أين أجد ادعاءات ابن عربي كعروجه إلى السماء؟ وأن الله أمره أن يؤلف الفتوحات المكية؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اللهم صل على محمد واله الطاهرين وعجل فرجهم والعن أعدائهم سمعت قولا للشيخ ياسر الحبيب يقول فيه أن الصوفي ابن عربي قد ادعى أنه عرج الى السماء فرأى الله جالسا على الكرسي وعن يمينه ابو بكر وعن شماله عمر وأن الله هو الذي أمر ابن عربي أن يؤلف الفتوحات المكية والذي هو عدل القرأن أين قال ابن عربي هذا الكلام ؟ في اي كتاب؟ بحثت كثيرا فلم أجد هكذا كلام أرجو أن تفيدونا وشكرا


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نبارك لكم ذكرى زواج النورين عليهما السلام وكل عام وأنتم بخير.

حسب الظاهر أنت تعني ما جاء في الحلقة 26 من جلسات الحوار حيث نقل سماحة الشيخ الحبيب كلام ابن عربي بالمضمون، ومن المعلوم أخي الكريم أنّ سماحة الشيخ في هذه الجلسات الحوارية إنما ينقل التصريحات بالمضمون لا بالنص كما هو الحال في الأوراق البحثية وقد أشار سماحته إلى ذلك بقوله: (لا أتذكَّر التفصيل وهذه خلاصته ومضمونه).

وقد تلتبس النصوص وتختلط بعضها ببعض خصوصاً مع كثرة ادِّعاءات ابن عربي في هذا الخصوص، وهذا التصريح الذي ذكره سماحة الشيخ قد أوردهُ العلامة المجلسي رحمه الله في كتابه عين الحياة حيث قال: (أو تلجأ إلى محي الدين (ابن عربي) وقد سمعت خزعبلاته في أوّل الكتاب وآخره، والقائل إنّ جمعاً من أولياء الله يرون الرافضة على صور الخنازير، والقائل إني لمّا عرجت رأيت رتبة عليٍّ أقلّ من رتبة أبي بكر وعثمان، ورأيت أبا بكر في العرش فلمّا رجعت قلت لعليّ: كيف كنت تدّعي في الدنيا أنّك أفضل منهم ورأيتك الآن في أدنى المراتب. وله ولأمثاله كثير مثل هذه الأمور، والتوجه إليها يوجب طُول الكلام...) (عين الحياة للمجلسي: ج2ص405)
 
هنا العلامة المجلسي ذكر العبارة بالمضمون أيضاً لا بالنص فلم يكن العلامة في مقام استعراض النصوص والرد عليها بل كان يذكر نماذج مختصرة من انحرافات زعماء المتصوفة وذكر هذا التصريح ضمن انحرافات ابن عربي لِيحذره الناس. ولهذا لم يذكر المصدر الذي أخذ عنه هذا النص، ومن المعلوم أن ابن عربي لديه مؤلفات كثيرة جدًا لذا قد يكون التصريح بنفس اللفظ في مصدر من غير مؤلفاته المشهورة كالفتوحات والفصوص أو من مصدر لا يزال مخطوطا أو مصدر لم يصل إلينا مثل كثير من الكتب التي كانت متوفرة في ذلك العصر.

وقد ذكر السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله تصريحًا مُشابها لما نقله العلامة المجلسي ولكن بدون الفقرة الأخيرة حيث قال في الأنوار النعمانية: (وأما الشيخ محي الدين الأعرابي وهو من أعاظم أجلائهم فقد حكى في فتوحاته أنه أسري به إلى السماء مراراً متعددة والظاهر أنه قال أنها تسع وذكر هناك أنه رأى أبا بكر الصديق لما بلغ إلى العرش وقد كان قد رأى في كل سماء واحداً من الأنبياء فكان درجته ودرجة أبي بكر أعلى من درجات أولي العزم)! (الأنوار النعمانية، الجزائري، ج2 ص286) 

كذلك الشيخ الحر العاملي رحمه الله نقل ذلك المضمون حيث قال: (ومنهم الشيخ محي الدين بن عربي وحاله أيضا كذلك بل أقبح ولنذكر من بعض ما وصل إلينا من آثاره القبيحة ... ما ذكره في فتوحاته حيث ادعى فيه أنه أُسري به إلى السماء تسع مرات في كلام طويل يتضمن كيفية الإسراء ويظهر منه أنه يدعي المزية والفضيلة على الرسول صلى الله عليه وآله وناهيك بذلك...ما ذكره فيه من أنه رأى أبا بكر على العرش بعد أن كان يرى في كل سماء واحدا من الأنبياء، فكانت مرتبة أبي بكر بزعمه أعلى من مراتبهم فكيف يرضى منه بذلك أحد من المسلمين)؟! (الاثناعشرية في الرد على الصوفية، ص169)

وقال أيضاً حين تطرق لعدم جواز تأويل كلام المتصوِّفة: (وقد عرفت في الحديث الرابع من الباب الثاني ما يدل على عدم جواز تأويل كلام الصوفية.. وكيف يمكن تأويل مثله ومثل قول محيي الدين بن عربي أنه رأى أبا بكر على العرش فوق الأنبياء كلهم)! (الاثناعشرية في الرد على الصوفية، ص72)

وهكذا ما نقله كلٌّ من السيد الجزائري والشيخ الحر العاملي قد ذكره ابن عربي في مقدمة الفتوحات المكية حيث قال: (ولما شهدته صلى الله عليه وسلم في ذلك العالم سيدا معصوم المقاصد محفوظ المشاهد منصورا مؤيدا وجميع الرسل بين يديه مصطفُّون وأمته التي هي خير أمة عليه ملتفون وملائكة التسخير من حول عرش مقامه حافون والملائكة المولدة من الأعمال بين يديه صافون والصديق على يمينه الأنفس والفاروق على يساره الأقدس والختم بين يديه قد حثى يخبره بحديث الأنثى وعلي صلى الله عليه وسلم يترجم عن الختم بلسانه وذو النورين مشتمل برداء حيائه مقبل على شأنه)! (الفتوحات المكية، ابن عربي، ج1ص2-3)

فلاحظ قوله: (والصديق على يمينه الأنفس والفاروق على يساره الأقدس... وذو النورين مشتمل برداء حيائه مقبل على شأنه) فقد قدّم أبا بكر وعمر على أمير المؤمنين عليه السلام وذكرهما مع عثمان بالألقاب المسروقة كالصدّيق والفاروق وذو النورين بينما ذكر أمير المؤمنين عليه السلام بلا ألقاب!

ثم جعل منزلتهم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام حيث ذكر هنا بأنهم عند العرش بينما ذكر باقي الأنبياء في مراتب أدنى!

كقوله في الفتوحات،ج2 ص5: (إدريس عليه السلام بقى حيا بجسده وأسكنه الله السماء الرابعة)! وقال أيضاً في الفتوحات، ج2 ص170: (السماء الرابعة وفيها إدريس عليه السلام)!

وهارون عليه السلام جعله في السماء الثالثة حيث قال في الفتوحات، ج2 ص445: (السماء الثالثة فأظهر عينها وكوكبها وفلكه وجعلها مسكن هارون عليه السلام)!
وجعل النبي يوسف عليه السلام في السماء الثالثة أيضاً حيث قال في الفتوحات، ج2 ص275: (فلما قرعا السماء الثالثة فتحت فصعدا فيها فتلقى التابع يوسف عليه السلام وتلقى صاحب النظر كوكب الزهرة)!

وجعل النبي عيسى عليه السلام في السماء الثانية حيث قال في الفتوحات، ج3 ص341: (والسماء الثانية أو سمك السماوات فاستفتح جبريل السماء الثانية كما فعل الأولى وقال وقيل له فلما دخل إذا بعيسى عليه السلام بجسده عينه فإنه لم يمت إلى الآن بل رفعه الله إلى هذه السماء وأسكنه بها وحكَّمه فيها)!

والنبي موسى عليه السلام في السماء السادسة حيث قال في الفتوحات، ج1 ص222: (ثم عرج به إلى السماء وذكر الإسراء وما جرى له فيه مع الأنبياء ورأى موسى في السماء السادسة وقد رآه وهو يصلي)!

وكثير من النصوص المتفرقة في كتابه والتي يذكر فيها الأنبياء عليهم السلام في مراتب أدنى من مرتبة أبي بكر وعمر وعثمان!

وأما بالنسبة لمصدر الفقرة الأخيرة وهي: (فلمّا رجعت قلت لعليّ: كيف كنت تدّعي في الدنيا أنّك أفضل منهم ورأيتك الآن في أدنى المراتب) تجده في كلٍّ من:

تاريخ الفلسفة والتصوف للنمازي الشاهرودي: ص185-186
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج13 ص378-379.
 
وأمّا عن اختلاف الألفاظ في هذا المنقول فهو ناتج عن تناقضات ابن عربي وهذا معهود عنه كما في مكاشفة المرتاض للرافضة حيث قال رأى حالهم كالخنازير في الفتوحات المكية، بينما رأى حالهم كالكلاب في كتاب محاضرة الأبرار!

أما بخصوص سؤالكم عن مصدر قول ابن عربي إنّ الله أمره أن يؤلف الفتوحات المكية الذي زعم أنه عدل القرآن. 

نقول في الجواب: قد ذكر ابن عربي في مواضع كثيرة من كتبه أن كل ما يكتبه هو وحيٌ منزل من السماء وأن الله هو الذي يملي عليه كل شيء إما مباشرة بالإلهام والنفث أو عن طريق الوحي بواسطة جبرائيل!

فأمّا عن ادعاءه بأن الله سبحانه يُلهمه العلوم يقول: (إن الحق تعالى الذي نأخذ العلوم عنه بخلو القلب عن الفكر والاستعداد لقبول الواردات هو الذي يعطينا الأمر على أصله من غير إجمال ولا حيرة فنعرف الحقائق على ما هي عليه...)! (الفتوحات المكية، ابن عربي، ج1ص56)

ويحدِّث ابن عربي بأحاديث قدسية عن الله سبحانه وتعالى عن طريق قلبه! ويعيب على من يحدِّث عن طريق الرواة فيقول: (شتان بين مؤلف يقول حدثني فلان رحمه الله عن فلان رحمه الله وبين من يقول حدثني قلبي عن ربي وإن كان هذا رفيع القدر فشتان بينه وبين من يقول حدثني ربي عن ربي أي حدثني ربي عن نفسه...)! (الفتوحات المكية، ابن عربي، ج1ص57)

ويقول ابن عربي عن كتابه الفتوحات بل عن جميع مؤلفاته بأنها إملاء من الله سبحانه وتعالى: (وإنما نورد في كتابنا (أي الفتوحات المكية) وجميع كتبنا ما يعطيه الكشف ويمليه الحق هذا طريقة القوم)! (الفتوحات المكية، ابن عربي، ج2ص432)

ويقول أيضاً: (الله تعالى رتب على يدنا هذا الترتيب فتركناه ولم ندخل فيه برأينا ولا بعقولنا فالله يملي على القلوب بالإلهام جميع ما يسطره العالم في الوجود فإنّ العالم كتاب مسطور إلهي...) (الفتوحات المكية، ابن عربي، ج2ص163)

وأما عن قوله إنّ كتابه بأمر من الله فقد وجدناه يدّعي أنّه لم يكتب في كتبه شيئا إلا بإذن من الله سبحانه وتعالى حيث جاء: (لا أتكلم إلا على طريق الأذن كما أني سأقف عندما يحد لي فإنّ تأليفنا هذا (أي الفتوحات المكية) وغيره لا يجري مجرى التواليف ولا نجري نحن فيه مجرى المؤلفين فإن كل مؤلف إنما هو تحت اختياره وإن كان مجبوراً في اختياره أو تحت العلم الذي يبثه خاصة فيلقي ما يشاء ويمسك ما يشاء أو يلقي ما يعطيه العلم وتحكم عليه المسألة التي هو بصددها حتى تبرز حقيقتها ونحن في تواليفنا لسنا كذلك إنما هي قلوب عاكفة على باب الحضرة الإلهية مراقبة لما ينفتح له الباب فقيرة خالية من كل علم...) (الفتوحات المكية، ابن عربي، ج1ص59)

ولم يكتفِ بهذا الادعاء بل يحلفُ بالله أنه لا يوجد حرف واحد من كتاب الفتوحات المكية إلا عن إملاء من الله! أو عن طريق جبرائيل! حيث قال: (فالعلم الإلهيّ هو الذي كان سبحانه معلمه بالإلهام والإلقاء وبإنزال الروح الأمين (أي جبرائيل) على قلبه وهذا الكتاب (أي الفتوحات المكية) من ذلك النمط عندنا فواللّه ما كتبت منه حرفاً إلا عن إملاء إلهيّ وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني...) (الفتوحات المكية، ابن عربي، ج3ص456)

أمّا وصف كتاب الفتوحات بأنه كالقرآن فقد ذكر ذلك حيدر الآملي حيث قال: (كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابان، النازل عليه والصادر منه. أما الكتاب النازل فالقرآن، وأما الكتاب الصادر فالفصوص، وبينّا أنهما عديما المثال والنظير وانحصار نوعيهما في شخصيهما. أما الشيخ الأعظم (ابن عربي) فقد بينّا أيضاً أنّ له كتابين: الواصل إليه والصادر منه، وأما الكتاب الواصل إليه فالفصوص، وأما الكتاب الصادر منه فالفتوحات، وبينّا أنهما عديما المثال والنظير في نوعيهما وانحصار نوعيهما في شخصيهما) (تفسير المحيط الأعظم، حيدر الآملي، ج1 ص22) 

فكما ترى إنه قد جعل فصوص الحكم في مقابل القرآن الكريم، والفتوحات المكية في مقابل الفصوص وجعل كلًّا من (الفتوحات والفصوص) عديمَ المثال والنظير كالقرآن الكريم! (والعياذ بالله)

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

1 ذو الحجة 1445 هجرية


ملاحظة: الإجابات صادرة عن المكتب لا عن الشيخ مباشرة إلا أن يتم ذكر ذلك. المكتب يبذل وسعه في تتبع آراء الشيخ ومراجعته قدر الإمكان.
شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp