كيف يكون تبرج عائشة أعظم من خروجها على أمير المؤمنين عليه السلام؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

قول الامام علي عليه السلام عن عائشة : (فان تبرجها اعظم من خروجها) كيف يكون الامر الاخلاقي اعظم من اصل من الاصول وهي الخروج على الامام عليه السلام .


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بيَّن ذلك سماحة الشيخ في كتاب الفاحشة ص897 حيث قال:

”إن الله تعالى لم يُنزل اعتباطاً قوله: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ» فلم يكتفِ بنهيهنّ عن الخروج من البيوت؛ وإنما أضاف إليه النهي عن التبرّج. وهذه المغايرة تنطوي على مفهوم أنه يُخاف منهنّ الأمران معاً؛ الخروج والتبرج، لا الخروج وحده، وإلا لما كان ثمة داع للنهي عن التبرج أيضاً، إذ يكون هذا من فضول الكلام، وحاشى لله أن يجعله في كتابه المحكم.

وحيث إنه لا ريب في أن المعنية بهذه الآية هي عائشة، كونها التي لم تقر في بيتها وخرجت دون سائر نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فتكون إذن هي التي تبرّجت تبرّج الجاهلية الأولى، لمكان المطابقة بين الأمريْن في الآية. وقد روى عبد الرزاق الصنعاني عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله مسعود قال: «قلتُ للنبي عليه السلام: يا رسول الله؛ مَن يغسّلكَ إذا مُتَّ؟ قال: يغسّل كل نبي وصيّه. قلتُ: فمن وصيك يا رسول الله؟ قال: علي ابن أبي طالب. قلت: كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال: ثلاثين سنة، فإن يوشع بن نون وصي موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى عليه السلام فقالت: أنا أحقُّ منك بالأمر! فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها. وإن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفاً من أمتي، فيقاتلها فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها، وفيها أنزل الله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ. يعني صفراء بنت شعيب».

إذن؛ فعائشة هي المعنية بهذه الآية وفيها نزلت وعمّا جاء فيها نُهِيَت مما ارتكبته لاحقاً في خروجها وتبرّجها. والآية في وجهها الآخر كاشفة عن المستقبل، فلولا علم الله تعالى بأن إحدى نساء نبيه (صلى الله عليه وآله) ستتمرّد على القرار في البيت وستخرج متبرجة تبرج الجاهلية الأولى؛ لما أنزل هذه الآية وضمّنها هذا التحذير ليكون حجة له عليها «فَلِلَّهِ الحُجَّةُ الْبَالِغَةُ». ومعلومٌ أنه يقبح من الحكيم نهي مَن لا يُتوَقَّع أو يُحتمَل منه النزوع إلى المنهي عنه، إلا أن يكون هذا النهي من قبيل (إياك أعني واسمعي يا جارة) وما شاكل، وليس هذا المقام مقامه كما لا يخفى.

وإذا استنطقنا ما ذكره المخالفون في رواياتهم وتفاسيرهم في معنى (الجاهلية الأولى) التي عُلِم أن عائشة حذت حذوها؛ فإن صورة الذي جرى ودواعيه تتضح لنا أكثر ولو على نحو الاستقراب.

روى ابن سعد في طبقاته حديثاً مطوّلاً عن جابر بن عبد الله الأنصاري وأبي سعيد الخُدري في ذكر ما هجر فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) نساءه وتخييره إياهن، وفيه تفسير من جابر لقوله تعالى: «وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ» وتقرير من أبي سعيد. قال جابر: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ. يقول: لا تخرجنَ من بيوتكن ولا تبرّجن، يعني إلقاء القناع، فعل أهل الجاهلية الأولى. فقال أبو سعيد: هذا الحديث على وجهه».

وقال الطبري في تفسيره: «حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾ أي إذا خرجتن من بـيوتكنّ، قال: كانت لهنّ مشية وتكسُّر وتغنُّـج، يعنـي بذلك الـجاهلـية الأولـى فنهاهنّ الله عن ذلك. حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: سمعت ابن أبـي نـجيح، يقول فـي قوله: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾ قال: التبختر. وقـيـل: إن التبرّج هو إظهار الزينة، وإبراز الـمرأة مـحاسنها للرجال. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيـينة، عن أبـيه، عن الـحكم ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾ قال: وكان بـين آدم ونوح ثمان مائة سنة، فكان نساؤهم من أقبح ما يكون من النساء، ورجالهم حِسان، فكانت الـمرأة تريد الرجل علـى نفسه، فأُنزلت هذه الآية: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ».

وقال الزمخشري في تفسيره: «والجاهلية الأولى هي القديمة التي يُقال لها الجاهلية الجهلاء، وهي الزمن الذي وُلد فيه إبراهيم عليه السلام: كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال»!

وقال البيضاوي في تفسيره: «قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، فذلك تبرج الجاهلية. وقال قتادة: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾ يقول: إِذا خرجتن من بيوتكن، وكانت لهنّ مشية وتكسُّرٌ وتغنُّج، فنهى الله تعالى عن ذلك. ﴿تَبَرُّجَ ٱلجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ﴾ تبرجاً مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة، وقيل هي ما بين آدم ونوح، وقيل الزمان الذي وُلِدَ فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ كانت المرأة تلبس درعاً من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال»!

قال ابن الجوزي في تفسيره: «قال ال أبو عبيدة: التبرج؛ أن يُبْرِزن محاسنهن. وقال الزجاج: التبرج؛ إظهار الزينة وما يُستدعى به شهوةُ الرجل (...) وفي صفة تبرُّج الجاهلية الأولى ستة أقوال: أحدها؛ أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال، فهو التبرج، قاله مجاهد. والثاني؛ أنها مِشيةٌ فيها تكسُّر وتغنُّج، قاله قتادة. والثالث؛ أنه التبختر، قاله ابن أبي نجيح. والرابع؛ أن المرأة منهن كانت تتخذ الدِّرع من اللؤلؤ فتلبسه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها غيره وذلك في زمن إِبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي. والخامس؛ أنها كانت تُلقي الخِمار عن رأسها ولا تشُدُّه، فيُرى قُرْطها وقلائدها، قاله مقاتل. والسادس؛ أنها كانت تلبس الثياب تبلغ المال، لا تواري جَسدها، حكاه الفراء».

وقال البغوي في تفسيره: «قال أبو العالية: هي في زمن داود وسليمان عليهما السلام، كانت المرأة تلبس قميصاً من الدُّرِّ غير مخيط من الجانبين فيُرى خلقها فيه»!

وقال الشوكاني في تفسيره: «قال المبرد: الجاهلية الأولى كما تقول الجاهلية الجهلاء. قال: وكان نساء الجاهلية تُظهر ما يقبح إظهاره، حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخليلها، فينفرد خليلها بما فوق الإزار إلى أعلى، وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى أسفل، وربما سأل أحدهما صاحبه البدل»!

الحاصل من ملاحظة هذه النقولات أن التبرج الذي كان في الجاهلية الأولى تدرّجت أشكاله بدءاً من إلقاء القناع والمشي وسط الرجال وإظهار المحاسن، مروراً بالتبختر والتكسّر والتغنّج ولبس ما لا يواري الجسد كقمصان الدُّر، وانتهاءً باتخاذها خليلاً يشترك مع زوجها في مجامعتها بأن يكون لأحدهما الجزء العلوي من جسدها والآخر السفلي ثم يتبادلان.

وأيّاً كان ما فعلته عائشة في طريقها إلى البصرة من هذه الأشكال حتى يصدق عليها أنها تبرّجت تبرّج الجاهلية الأولى؛ فإن القدر المتيقن أنها خرجت متبرجة بقصد عرض نفسها على الرجال، إذ بغير هذا لا تصدق المضاهاة بين تبرجها وتبرج نساء الجاهلية الأولى، فإن تبرجهن على أشكاله وصوره لم يكن إلا بداعي مراودة الرجال وطلب الزنا بهم كما ذكروه، فكذلك هي.

إذا أدركتَ هذا؛ تُدرك ما الذي قصده الأشتر من قوله لها: «وتُلقي جلبابكِ وتُبدي للناس شُعَيْراتكِ» فإنه فطن إلى أنها تريد الخروج متبرجة بقصد الفجور والخيانة!

وإذا أدركتَ هذا؛ تُدرك لمَ ذكَّرَتْها أم سلمة بضرورة: «غَضِّ الأطراف وخَفَر الأعراض» فإنها فطنت إلى أن الحميراء عازمة على مطارفة الرجال وإباحة عرضها لهم!

إن هذا القصد الخبيث الذي قصدته عائشة في طريقها إلى البصرة أسوأ وأبشع من قصدها إسقاط حكومة أمير المؤمنين عليه السلام، وإن تبرجها أعظم وأفحش من خروجها عليه. وهذا هو ما نصّ عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه، في حديث أومأ فيه إيماءةً واضحةً إلى طلبها الزنا، حيث ألفَتَ إلى أن «فاحشتها كانت عظيمة»، وليست تلك الفاحشة مقتصرة على خروجها، «فإن تبرجها أعظم من خروجها»!

روى خاتمة المحدثين الميرزا النوري عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديثاً طويلاً في احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخوارج، جاء فيه قوله: «إنما أخرجوا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله معهم لكراهتها بيعتي، وقد خبّرها رسول الله صلى الله عليه وآله بأن خروجها خروج بغي وعدوان، من أجل قوله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ، وما من أزواج النبي صلى الله عليه وآله واحدةٌ أتَتْ بفاحشة غيرها! فإن فاحشتها كانت عظيمة! أولها؛ خلافها في ما أمر الله في قوله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ، فإن تبرّجها أعظم من خروجها»!

تلك إذن هي الفاحشة المبيِّنة العظيمة التي ذكر الإمام (عليه السلام) أنه ما من أحدٍ من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) أتتْ بها غير عائشة، فإن فواحش غيرها إنْ كانت فإنها لم تبلغ في ظهورها وعلانيتها إلى الحد الذي بلغت إليه فاحشة عائشة حتى يصدق عليها أنها «فاحشة مبيِّنة»، ذلك أن فاحشتها لم تقتصر على الخروج بالسيف فحسب؛ بل اشتملت أيضاً على التبرّج تبرج الجاهلية الأولى حيث كانت النساء البغايا يراودن بتبرجهنّ الرجال طلباً للزنا على عادة أهل الجاهلية الجهلاء.

وأنت إذا تنبّهتَ إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام: «فإن فاحشتها كانت عظيمة! أولها؛ خلافها في ما أمر الله في قوله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ، فإن تبرّجها أعظم من خروجها» فإنك تستشعر منه أن تبرجها كان أوّلاً له ثان، أي أنه كان مقدمة لتاليه، ولا يكون هذا التالي إلا الزنا لأنه مقتضى تبرج الجاهلية الأولى، ولذا كان «تبرّجها أعظم من خروجها» فإنه مقدمة لتلك الفاحشة العظيمة التي لم تأتِ واحدةٌ بها غيرها. من هنا عبّرنا بأنه (صلى الله عليه) قد أومأ إلى طلبها الزنا إيماءة واضحة.

والمرأة التي تطلب؛ لا بد تجد مَن يلبّي! فمَن هو ذاك الذي عَلِمَ من تبرّجها في طريق البصرة أنها تطلب وتنتظر من يُطفئ لهيب شهوتها فلبّى طلبها؟ إن الباحث لا يتوقعه إلا أحد المقربين منها ممن رافقها في هذا السفر الطويل وكان ذا منزلة في فؤادها كما كانت ذات منزلة في فؤاده.“. انتهى

وبطبيعة الحال سماحته يقصد طلحة بن عبيد الله الذي زنا بعائشة في طريقهما إلى البصرة.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

19 ذو القعدة 1445 هجرية


ملاحظة: الإجابات صادرة عن المكتب لا عن الشيخ مباشرة إلا أن يتم ذكر ذلك. المكتب يبذل وسعه في تتبع آراء الشيخ ومراجعته قدر الإمكان.
شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp