ما رأي الشيخ بفتوى السيد السيستاني الأخيرة حول الغلو؟ وهل أفعال الأئمة كالخلق والإماتة كفعل الله عز وجل؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد أسمى التحيات لمقامكم السامي، أود الاستفسار عن عدة أمور تتعلق بفتوى السيد السيستاني الأخيرة بخصوص الغلو؛ ....

السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم سيدنا المفدى المرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني مد ظله سلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل القول بأن الإمام علي (ع) أو الإمام الحسين (ع) هو خالق الأكوان او جاعل السماوات أو أنه هو يحيي الخلق ويميتهم من الغلو المنهي عنه في الروايات الشريفة الثابتة؟ ودمتم ذخراً للإسلام والمسلمين

الجواب: بسمه تعالى نعم هو من الغلو الذي تبرأ منه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وليس منه إسناد الخلق أو الاحياء إليهم في بعض الموارد الخاصة بإذن الله تعالى، نظير ما ورد في القرآن الكريم بالنسبة إلى بعض الأنبياء (على نبينا وآله وعليهم السلام). ....

س1- ما رأيكم بهذه الفتوى، وهل هذا القول هو قول علماء التشيع قولا واحد، أو أن هذا القول مختلف فيه بين العلماء، أو أنه دام ظله قد خالف الإجماع؟

س2- هل هذا القول مخالف فعلا لعقيدة الشيخ الحبيب؟ إذ أني رأيت لسماحته مقطعا قصيرا يقول فيه: «إذا جاء شخص وقال إن عليا خلق العالم، خلق السماوات والأرض، لكن ذلك كان بأمر الله تبارك وتعالى، فهل هو مغال أم لا؟ ليس بمغال ... التفت جيدا وانتبه. قال الإمام صاحب العصر صلوات الله وسلامه عليه: «نحن صنايع ربنا، والخلق بعد صنايعنا»، نحن من صنع الخلق.»

س3- قرأت العبارة التالية التي انتشرت على مواقع التواصل مما لم يعرف على وجه قائلها: «إِنَّ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ الَّتِي يكفُرُ مُخَالِفُهَا الإِيْمَانُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عَبْدٌ لِلَّهِ الَّذِي نَزَّلَ القُرْآنَ عَلَى قَلْبِهِ، وَقَدْ أَبَانَ الكِتَابُ المَجِيد أَنَّه تَنزيلُ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض؛ فَلَا يَكُونُ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَرْتَابَ فِي أَنَّهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عَبْدٌ لِمُنزِّلِ الكِتَابِ وَخَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الرَّحْمَنِ تَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ.»، وتروج هذه العبارة مع بيان لكون المعتقد بأن أحد المعصومين عليهم السلام خلق الكون مخالف للضروري من الدين، والذي إذا لم يكن عن شبهة أو رد إلى إنكار الرسالة أتى الحكم على قائله بالكفر. فما قولكم؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ،

ج1: لا خلاف على أن اعتبار أحد من أهل البيت عليهم السلام خالقا بإطلاق؛ من الغلو، فالخالق بإطلاق هو وحده الله سبحانه وتعالى.

ج2: ليس مخالفا إذ الذي قلناه من باب (إذا) كما صدَّرنا به الكلام، وهو فرض قول القائل أنهم عليهم السلام خلقوا بأمره سبحانه، فقلنا أن لا غلو في هذا لأنه راجع إلى إجراء الأمر على أيديهم كما يجري على أيدي الملائكة، فالخالق أصالةً وبإطلاق هو الله سبحانه، وأما هذا فلا يخرج عن الموارد الخاصة حتى لو اتسع المخلوق ليشمل عالما أو أرضا أو سماء مثلا. وتبقى بعد ذلك مؤونة الإثبات على القائل.

ج3: الحد الفاصل بين الإسلام والكفر في هذا هو قول القائل أنهم عليهم السلام خلقوا بإطلاق كما خلق الله ولو على نحو التفويض، أو نسبة ما اختص الله تعالى به إليهم، أو تعمد إطلاق الأسماء والصفات الإلهية عليهم مضاهاة للقول بألوهيتهم، ولذا يُتحرز عن إطلاق صفة الخالق على مثل النبي والإمام عليهما وآلهما السلام، فالخالق بإطلاق غير الذي خلق بأمره وبإقداره في مورد من الموارد. أما الاستدلال المنقول فغير آبٍ عن الخدش بأنه تعالى كما قال: «تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى» فقد قال: «تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ» وقد وصف غيره بذلك كما في قوله:  «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»، بل وفي قوله سبحانه: «ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ»، فليس ما اقترن بذكر التنزيل بكافٍ لإثبات ضرورة اختصاصه سبحانه به.

وأما الأمن من الانزلاق إلى الغلو والكفر فيكون باعتقاد أنه مهما قيل من نسبة أفعال الخلق والرزق والإحياء والإماتة إلى أولياء الله من أنبياء أو أئمة أو ملائكة؛ فإنهم لا يخرجون بذلك عن حد: «بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ»، وأن أفعالهم التي أقدرهم الله عليها في ذلك لا تكون كأفعاله جل وعلا وإن تشابهت صورة الفعل في الخارج، فهذا القرآن الحكيم يقول مثلا: «أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ»، فهل يصح لمن يرى المطر الصناعي أن يدعي أن فعل فاعله صار كفعل الله؟!  فذاك قد أنزل الماء من المزن وهذا قد أنزله من المزن أيضا! وكذا هل يصح لامرئ أن يكذِّب بوقوع المطر الصناعي ويعتبر ذلك غلوا وشركا تمسكا بما ورد في الآية من أنه سبحانه هو الذي ينزل الماء من المزن لا غيره؟!

إن الناس بين إفراط وتفريط، والقولان سخيفان كما ترى. والقاسط المعتدل هو الذي يقول: إن هذا الفعل ليس كفعل الله، وإنما هو بإقدار منه جل وعلا، إذ وهب خلقه نور العقل والعلم، فتوصلوا إلى ما يحقق هذا الفعل في الخارج على قاعدة العلل والأسباب، وإلا فمنزل الماء من المزن أصالةً وتحقيقًا هو الله سبحانه، ولو أنه شاء أن لا ينزل فلن ينزل ولو اجتمع الخلق كلهم على ذلك. وهكذا القول في الأنبياء والأئمة والملائكة عليهم السلام، فقد وهبهم الله تعالى من نور العقل والعلم ما لم يهب غيرهم، وهو بعدُ على دوام الأمر والنهي لهم وحيًا وتسديدًا، فلا يشاءون إلا ما شاء الله، وما يجري على أيديهم من خلق أو رزق أو إحياء أو إماتة؛ كله يكون بأمره وإذنه وإقداره، وليس شيء منه كفعله، تعالى الله الخالق عن أن يكون لغيره ما له.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

19 ربيع الأول 1445 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp