هل صح عن الإمام علي عليه السلام أنه إذا أراد أن يبتاع جارية كشف عن ساقيها؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

هل هذا الحديث صحيح وهل هذا الحديث يخدش بالأمام علي عليه السلام؟ وهل هذه الرواية تشبه رواية ابن عمر؟

"كان علي عليه السلام إذا أراد أن يبتاع الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها"

رواية ابن عمر:
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقها ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها، وكأنه كان يضعها عليها من وراء الثوب

افيدونا اثابكم الله.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد السيد محمد سبع الدجيل بن الإمام الهادي صلوات الله عليهما.

بمراجعة الشيخ،

هذه من روايات الحسين بن علوان، وهو مخالف روى أخبارا غريبة مخالفة لمذهبنا، منها على سبيل المثال خبر في غسل القدمين في الوضوء، وقد ردَّه شيخ الطائفة رحمه الله بقوله: «رواة هذا الخبر كلهم عامة ورجال الزيدية، وما يختصون بروايته لا يُعمل به» (الاستبصار ج1 ص66).

ثم لو تنزَّلنا وقلنا بصحة الرواية فإنها لا تماثل رواياتهم عن ابن عمر لعنهما الله، فإن هذه لا تذكر سوى أن الإمام عليه السلام كان مريدًا لابتياع الجارية، وللمبتاع أي المشتري - خاصة - حق الفحص بالنظر ونحوه خوف وجود علة أو عاهة مثلا، هذا مع الأمن من الفساد والاقتصار على ما يحل النظر إليه دون العورة المغلظة، أما تلكم الروايات عن ابن عمر ففيها أنه تعدَّى ذلك حتى لم يكد يترك في الجارية شيئا لم ينظر إليه ويتحسسه بيده! ثم إنه لم يكتفِ بذلك حتى هزَّها هزًّا! فراجع مصنف ابن عبد الرزاق (ج7 ص236) تجد فيه روايات قبيحة عنه فيها أنه كان «يضع يده بين ثدييها وينظر إلى بطنها وينظر إلى ساقها أو يأمر به»! وفيها أنه «كان يكشف عن ظهرها وبطنها وساقها ويضع يده على عجزها»! وفيها أنه «وضع يده بين ثدييها ثم هزَّها»! بل وفيها أنه وضع يده على قُبُلها - أي فرجها - إلا أنهم لم يحتملوا هذه فحرَّفوا الرواية ليكون ناظرًا فقط لا واضعًا يده! ثم لم يحتملوها أيضًا حتى أضافوا أن المراد بالقُبُل هنا هو البطن!

تلك الرواية القذرة تجدها في جامع السيوطي (ح 39279) بهذا اللفظ: «عن نافع أن ابن عمر بن الخطاب كان إذا أراد أن يشتري جارية فواطأهم على ثمن وضع يده على عجزها وبطنها وقُبُلها وكشف عن ساقها. أخرجه عبد الرزاق». وكذلك هي بهذا اللفظ في كنز العمال للمتقي الهندي (ح9915) وقد رَمَزَ في آخرها برمز: (عب) ويعني عبد الرزاق الصنعاني. وكل ذلك يؤكد أن هذا هو اللفظ الأصلي في مصنف عبد الرزاق. ولكنك إذا رجعت للمطبوع اليوم من مصنفه لوجدت الرواية محرَّفة إلى هذا اللفظ: «عن نافع أن ابن عمر كان إذا أراد أن يشتري جارية فواطأهم على ثمن وضع يده على عجزها وينظر إلى ساقيها وقُبُلها، يعني بطنها»! (مصنف عبد الرزاق ح 14114).

فانظر بنفسك إلى هذا التلاعب والتحريف في لفظ الرواية! فإنهم بعدما وجدوها تفضح ابن عمر حاولوا التخفيف من وطأتها فأضافوا كلمة (وينظر) مع أن كلًّا من السيوطي والمتقي الهندي حينما نقلا الرواية لم يجدا فيها هذه الكلمة! ومعلومٌ أنهما يتوليّان ابن عمر فلا مصلحة لهما في التشنيع عليه حتى يتصرَّفا في الرواية ويحذفا منها ما يجعلها أكثر شناعة، كما لا يُعقل أن يقع كلٌّ منهما في الخطأ نفسه سهوًا مثلًا فيحذف هذه الكلمة بعينها دون سواها من اللفظ الأصلي المنقول وكأنهما قد تواطآ على ذلك ودبَّراه بليل!

ثم إن هؤلاء لم يكتفوا بإضافة (وينظر) فأضافوا (يعني بطنها) لأنهم وجدوا أن إذا أثبتوا أنه نظر إلى قُبُلها فقد أثبتوا شنيعًا أيضًا وهو تعمّده النظر إلى العورة المغلظة، فقالوا لأنفسهم: فلنجعل معنى القُبُل البطن لا الفرج! وفاتهم أن هذه الإضافة مفضوحة؛ ذلك لأنها لا تخلو من أن تكون إما من نافع مولى ابن عمر الذي حكى صنيعه؛ وإما ممن تلاه من الرواة، فإن كان الأول فأيُّ داعٍ لأن يحكي الصنيع باستعمال لفظ ملتبس وهو القُبُل المنصرف إلى الفرج ثم يضيف (يعني بطنها) لرفع الالتباس؟ فقد كان يسعه أن يرفع الالتباس من أول الأمر باستعمال لفظ البطن بلا حاجة إلى ألغاز! وإن كان الثاني وهو أن هذه الإضافة إنما كانت ممن تلى نافعًا من الرواة، فلقد جرت العادة على تمييز القائل منهم وهو ههنا غير مميَّز، ما يعني أن الإضافة من متأخرين خارج نطاق الرواة والمصنِّف، وعلى فرض كونه روايًا فيبقى أن هذا مجرد تخرُّص منه في تفسير لفظ (قُبُلها) بلا شاهد ولا قرينة، فلا حجة فيه لكي يُصرف عن ظاهر معناه المتبادَر. وثالثة الأثافي أن هؤلاء المحرِّفين فاتهم أن أصل الرواية جاء هكذا: «وضع يده على عجزها وبطنها وقُبُلها» وهذا العطف يقتضي تغاير القُبُل عن البطن، وإلا لو التزمنا بأن المراد من القُبُل هو البطن نفسه لصار الكلام ركيكًا إذ يكون معناه: «ووضع يده على عجزها وبطنها وبطنها»! فليت شعري أ يكون للجارية بطنان على خلاف ما للبشر من بطن واحدة؟!

ثم إن في بعض تلكم الروايات المنبئة بانحطاط ابن عمر أنه لم يكن مريدًا لشراء الجارية أصلا، وإنما جاء ودسَّ نفسه وسط أناس آخرين كانوا يريدون شراء الجارية وأخذ يكشف عن ساقيها ويتحسس بيده أعضاءها ثم قال لهم: «اشتروا» وولَّى عنهم! فراجع مصنف عبد الرزاق حيث أرجعناك، تجد فيه: «عن ابن عمر أنه وجد تجارًا مجتمعين على أمَةٍ، فكشف عن بعض ساقها ووضع يده على بطنها»! وفيه: «مرَّ ابن عمر على قوم يبتاعون جارية، فلما رأوْه وهم يقلِّبونها أمسكوا عن ذلك، فجاءهم ابن عمر فكشف عن ساقها ثم دفع في صدرها وقال: اشتروا»! وفيه: «عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر في السوق، فأبصر جاريةً تُباع، فكشف عن ساقها وصكَّ في صدرها وقال: اشتروا! يريهم أنه لا بأس بذلك»! وهذا التعليل الأخير عذرٌ أقبح من ذنب، لأنه إذا كان المراد مجرد تبيان جواز كشف المشتري للجارية فقد كان يكفي ابن عمر أن يبلغ أولئك التجار بذلك قولًا، أما أن يدسّ نفسه وسطهم ويفعله فعلًا مع أنه ليس بمشترٍ؛ ويزيد عليه تحسُّس الأعضاء؛ فكيف استباح ذلك؟ أ تراه مثلا يجوز لغير الخاطب أن يقحم نفسه وينظر إلى محاسن من يريد الخاطب نكاحها حتى يبيِّن له جواز ذلك مثلًا أو لكي يقيِّمها ويقول له: تزوَّج!

فالحاصل أن لا تشابه ما بين الرواية المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام والروايات المتضافرة عن ابن عمر لعنه الله، فإن الأولى لم تصح بل هي في الحقيقة من روايات أهل الخلاف، فيما الأخرى متضافرة قد صحَّت، وهي بعد مختلفة عن تلك بما فيها من قبائح وشنائع الأفعال. وقد تنبَّه ابن حزم إلى هذا الافتراق فقال: «وقد اختلف الناس في ذلك، فصحَّ عن ابن عمر إباحة النظر إلى ساقها وبطنها وظهرها، ويضع يده على عجزها وصدرها، ونحو ذلك عن علي ولم يصح عنه» (المحلى ج9 ص162).

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

28 جمادى الآخرة 1443 هجرية


ملاحظة: الإجابات صادرة عن المكتب لا عن الشيخ مباشرة إلا أن يتم ذكر ذلك. المكتب يبذل وسعه في تتبع آراء الشيخ ومراجعته قدر الإمكان.
شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp