ما ردكم على المدعو عبد الحليم الغزي والقول بإمامة السيدة الزهراء عليها السلام؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما ردكم *(رد مطول لو سمحتم شيخنا العزيز واتمنى الجواب منك مباشرة شيخنا الله يحفظك)* على القول بإمامة السيدة فاطمة ع؟ ومع العلم ان الادلة التي استدل بها الغزّي وغيره على امامتها ع:

اولا: يقول الله عز وجل او اهل البيت ع في روايات كثيرة: هؤلاء الائمة، أئمتي، أئمة بريتي، وقولها عليها السلام: امامتنا نظام للملة. والخ. ويكون من جملة (هؤلاء) او من جملة المذكورين في الرواية السيدة فاطمة الزهراء ع، بمعنى يذكر اسماء الائمة واسم السيدة فاطمة بعدها الحديث يقول: هؤلاء ائمة بريتي، والخ. فيقولون القائلين بامامتها ع: هي ع حينئذ محسوبة في هذه الاحاديث فهي ع امام ولا يمكن اخراجها من هذه الاحاديث الشريفة.

ثانيا: قول رسول الله ص (احاديث كثيرة جدا): الائمة الاثنا عشر من ولدي/صلبي/ذريتي او في روايات اخرى الائمة الاثنا عشر من ولد/صلب/ذرية رسول الله ص، فيقولون: الامام علي ع ليس من ولد/صلب/ذرية رسول الله ص بل ابن عمه، فبالتالي مع جمع هذه الروايات يتضح لنا ان المقصود بهذه الاحاديث المقدسة هي السيدة فاطمة ع وابنائها الأحدى عشر من الائمة ع، وان الامام علي ع غير داخل في هذه الروايات لأنها مخصوصة في ولد/صلب/ذرية رسول الله ص فقط.

ثالثا: قول الامام الحسن العسكري : نحن حجة الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا، وفي احاديث اخرى تقول بافتراض طاعتها ع على الخلق. فيقولون: حجية السيدة فاطمة ع على ولدها وافتراض طاعتها على الخلق دال على إمامتها، فالحجية وافتراض الطاعة من صفات الإمام فأذن نقول -أي الغزي والآخرون- هي امام من هذا الباب لأن هذان الصفتان يقتضيان كونها ع امام، واما هي ع بالواقع فليست وصي ولا خليفة وانما إمامتها ع صامتة.

فما ردكم شيخنا العزيز اطال الله بعمرك على هذه الأدلة؟ فضلا عن ادلة اخرى مثل ولايتها التكوينية وكونها تشرع اي تحلل وتحرم، ولكن اساس او اقوى الادلة لديهم هي التي ذكرتها مسبقا.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ،

لو كان هذا الزعم صحيحا لوُجِدَت الأدلة عليه صريحة متواترة أو متضافرة كتلك الناصَّة على إمامة الاثني عشر صلوات الله عليهم واحدا تلو واحد، فأصول الاعتقاد عندنا أعظم من أن يحتاج إثباتها إلى تمحُّلات من هذا القبيل؛ وأغنى من أن تفتقر إلى نوادر الأخبار المأوَّلة بمثل هذه التأويلات الذوقية الضعيفة التي لا تنفق إلا في سوق أبي حنيفة!

ولو كان هذا الزعم صحيحا لوُجِدَ في عقيدة الأوائل من ثقات أصحاب أئمتنا صلوات الله عليهم ومتكلميهم المعتمدين، الذين ذكروا أئمتهم - على التعيين - واحدا تلو واحد في مصنفاتهم واحتجاجاتهم وأقوالهم، وأجلُّه في ما عرضوه على أئمتهم عليهم السلام فأقرّوهم عليه. ومع ذا لا تجد لهذه المقالة المزعومة - في كل ما جاءنا عنهم - من عينٍ ولا أثر.

هذا سيدنا عبد العظيم الحسني عليه السلام؛ كان قد عرض عقيدته في الأئمة على أبي الحسن الهادي صلوات الله عليه قائلا: «أقول: إن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي. فقال عليه السلام: ومن بعد الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده - إلى أن قال: - يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبَّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة» (التوحيد ص81).

هذا وقد أرجعنا الهادي عليه السلام إلى هذا السيد العظيم إذا أشكل علينا أمر ديننا بقوله للرازي: «يا حماد؛ إذا أشكل عليك شي‌ء من أمر دينك فسَلْ عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني، وأقرئه مني السلام» (مستدرك الوسائل ج17 ص321). أ فهل ترانا نترك أولئك الأكابر ونأخذ بقول حدثاء أسنان من أصحاب الظواهر البالونية في عصرنا هذا؟!

أما هذه التي يدَّعون كونها «أدلة» على ما اخترعوه من قول؛ فإن الاستدلال بها ينبئ عن جهل فظيع، إذ الخبر الذي يذكر الخلقة النورية للمعصومين - وفيهم فاطمة - صلوات الله عليهم ثم يقول: «هؤلاء أحبائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمة بريتي» (معاني الأخبار ج1 ص108).. هذا الخبر لا يلزم منه الاعتقاد بتسميتها إماما عليها السلام لأن تعميم التسمية بالإمامة ههنا جارية مجرى التغليب في اللغة، كقوله تعالى: «وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ» (النساء: 12) فقد دخلت الأم هنا - لمكان الضم - في اسم الأبوة لكنها إنْ أُفردت لا تسمى أبا، فكذلك هناك إنْ أُفردت السيدة صلوات الله عليها لا تسمى إماما، كما لم يرد خبر بذلك على الإطلاق. فإن قلتَ: فإن نطق الآية بدخول الأم في الأبوين تغليبا أشركها في ما للأب من سدس التركة وإن كان إذا أُفردت لا تسمى أبا؛ فكذلك يكون نطق الخبر بدخول الزهراء عليها السلام في الأئمة تغليبا قد أشركها في ما لهم من الإمامة وإنْ كان إذا أُفردت لا تسمى إماما؛ قلنا: يحول دون خصوص هذا الاشتراك وجود مجموع (أحبائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمة بريتي) فإنها عليها السلام داخلة في هذا المجموع، والآية إنشاء في صيغة إخبار فيما الخبر يقتصر على الإخبار فحسب، فلا اشتراك إلا في المجموع. ولو أن الآية سكتت عن هذا الإنشاء لما كان من دلالتها أكثر من دخول الأم في اسم الأبوة تغليبا؛ أما أن تشترك معه في شيء مما للأبوة من حظوظ أو أحكام فلا دلالة للآية عليه حينئذ.

وأما الاستدلال بقولها صلوات الله عليها في خطبتها: «وإمامتنا أمانا من الفرقة» فإنه كقول الزكي العسكري عليه السلام مثلا: «وفينا النبوة» (مسند العسكري عليه السلام ص71) أ فهل يقول ذو عقل بأنه عليه السلام يقصد ثبوت النبوة لكل واحد منهم؟! أم هل يقول ذو عقل أنه يفهم من جواب ابن عباس لمعاوية لعنه الله أنه يدعي النبوة لنفسه ولعدَّةٍ من أهل بيته لقوله: «إنما أُنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان»؟! (الاحتجاج ج2 ص294).

إنما تعني الزهراء عليها السلام ثبوت الإمامة في أهل بيتها عليهم السلام لا على العموم الاستغراقي حتى يقال بأنها تدعي ذلك لنفسها، وهذا معنى يفهمه كل عربي، فالذي يدعي خلاف ذلك اليوم لا يفقه من لغة العرب شيئا. أ رأيت لو أن عربيا باهى الأمم بقوله: «وختم النبوة لنا» أ يكون معنى قوله ادعاؤه أن العرب جميعا أنبياء؟!

وأما الاستدلال بورود روايات فيها قول النبي صلى الله عليه وآله بأن الأئمة من صلبه أو ذريته أو ولده إثنا عشر فتكون الزهراء عليها السلام داخلة فيهم وأمير المؤمنين عليه السلام خارجا ليكون مجموع الأئمة في الواقع ثلاثة عشر!.. هذا الاستدلال من أسخف ما يكون، إذ كيف يمكن رد كل ذلك الحشد الهائل من الروايات الناصة على أن عدة الأئمة إثنا عشر تحديدا؛ والتمسك عوضا عن ذلك ببضع روايات وقع فيها التصحيف من النساخ لمكان كثرة تداول عدد الاثني عشر في ما ينتسخون فتسبقهم أقلامهم إلى إثباته في كل رواية؟!

هذه مثلا رواية الكليني جاءت في الكافي بهذا اللفظ: «إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض» (الكافي ج1 ص534) بينما هي في الأصل الذي نقل عنه الكليني - وهو أصل عباد - جاءت هكذا: «إني وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض» (الأصول الستة عشر ص16).

إنه لا يقبل بهذا «الاستدلال» إلا من سفه نفسه! ولقد كان هذا ديدن المنحرفين ولا يزال؛ وهو التلبيس على حمقى الناس بأي شيء حتى لو كان من قبيل تصحيفات النساخ أو أغلاط النقلة! فقديما قام زيدي يُدعى أبو الحسين بن الشيبة العلوي بعمل كتاب لهبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب زعم فيه أن الأئمة ثلاثة عشر بإضافة زيد بن علي بدعوى أن في كتاب سليم رواية تقول أن الأئمة إثنا عشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام! وحديثًا قام هذا الأخرق المعتوه القويطع مدعي اليمانية بمثل هذا الزعم إذ أدخل نفسه معهم بناء على هذه الروايات ليكون مجموع الأئمة ثلاثة عشر!

وليت شعري لم لا يغدون أربعة عشر ما دام الأمر هكذا سهلا باستغلال التصحيفات والأغلاط؟! فثمة رواية عن جابر بن عبد الله جاءت بهذا اللفظ: «دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر» (الكافي ج1 ص532) فإذا ضممنا أمير المؤمنين عليه السلام فقد بلغ العدد ثلاثة عشر إماما، ثم إذا كانت هي عليها السلام إماما - على قول الحشوية الجدد - فقد بلغ العدد أربعة عشر إماما! ولكن بقي أن نعرف من هو الإمام الثاني عشر من ولدها إذ إنّا لا نعرف إلا أحد عشر منهم فقط! وما عشت أراك الدهر عجبا!

وأما الاستدلال بما ورد من كونها عليها السلام حجة على الحجج ومفروضة الطاعة على الخلائق؛ فإنه لا كلام في ثبوت ذلك، وأنه يقتضي أن أقوالها وأفعالها وتقريراتها حجة، وأن الائتمام بها - بمعنى الاقتداء والتأسي - مطلوب، وأن الامتثال لها لازم. إلا أن ذلك كله لا يعني انعقاد إمامتها بمعنى أنها تحل في ذلك المنصب الوظيفي الخاص، وإن كانت في الواقع أعلى شرفا ومنزلة منه.

إن الإمامة كما يقول الرضا صلوات الله عليه: «هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء. إن الإمامة خلافة الله، وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله، ومقام أمير المؤمنين عليه السلام، وميراث الحسن والحسين عليهما السلام. إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين. إن الإمامة أس الاسلام النامي، وفرعه السامي. بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف. الامام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله» (الكافي ج1 ص200).

هذه هي وظائف الإمام، أ فهل ترى إمكان أن تكون منوطة بسيدة النساء صلوات الله عليها؛ فنراها تتصدى للحكم والقضاء، وتكتِّب الكتائب وتقود الجيوش، وتنصب الولاة والوكلاء وتعزلهم، وتقبض الفيء والصدقات، وتقيم الحدود؟!

لعمري إن الذي يجوِّز إناطة هذه الوظائف بسيدة الجنة عليها السلام لا يكون إلا مغلوبًا على عقله! وإلا لأدرك أن بضعة محمد صلى الله عليه وآله تجل عن أن يعرِّضها الله لمثل هذه الأمور التي تزعج خدرها وتبتلها إليه.

وقول القائل: إن إمامتها كانت صامتة؛ لم يأتِ فيه بطائل، وينم عن جهل مدقع. ذلك لأن الإمام الصامت عندنا لا يسمى إماما أصلًا إلا إذا كان سيتولى وظائف الإمامة على النحو المزبور فيغدو ناطقا، غاية ما هنالك أنه يصمت في برهة من الزمان لوجود إمام ناطق، كما كانت حال الحسين في زمان إمامة الحسن عليهما السلام، فإن الآمر الناهي الذي يأتم الناس به إنما هو الحسن صلوات الله عليه، وليست للحسين صلوات الله عليه معه أو في عرضه إمامة. فكيف كانت للزهراء صلوات الله عليها إمامة صامتة والحال أنها استشهدت قبل أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟! ومَن كان الآمر الناهي والمتولي لشؤون الإمامة في حياتهما؟ وهل ترى أن الذي كان من المؤمنين في حياتهما إذا سُئل عن إمام زمانه الذي عرفه لئلا يموت ميتة جاهلية سيكون جوابه: هما علي وفاطمة معا؟! أم سيكون جوابه: هو علي أمير المؤمنين؟ وإذا اقتصر على ذكر علي عليه السلام وحده أتراه إن وافته المنية قد مات ميتة جاهلية لأنه لم يعرف إمامة فاطمة عليها السلام؟!

هذا؛ وإن أراد هذا القائل الجاهل بنسبة الإمامة الصامتة للزهراء صلوات الله عليها أنها مفروضة الطاعة وحجة على الخلائق؛ إلى ما هنالك؛ دون أن يكون لها من الوظائف ما للإمام الناطق كأمير المؤمنين عليه السلام، فإن الخلاف حينئذ بيننا وبينه لا يكون إلا لفظيا، فنحن - كما مرَّ - مسلِّمون بثبوت كل ذلك لها عليها السلام، لكنّا نقول أنها مع ذلك لا تسمَّى إماما في لسان الشرع إذ لم تُنَط بها تلك الوظائف ولم يُنَصَّ على تعدادها في الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم، فلا داعي لاختراع ما ليس له أصل في ديننا وشريعتنا، فنحن قوم (إثنا عشرية) نقول باثني عشر إماما لا يزيدون ولا ينقصون، كما تواتر عن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

7 جمادى الآخرة 1443 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp