ما رأيكم بفتوى السيد السيستاني حول التلقيح الصناعي؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم :

شاهدت في مواقع التواصل الاجتماعي ، اليوتيوب، نقد شديد لفتوى السيد السيستاني بخصوص جواز تلقيح بويضة المراة تلقيحا اصطناعيا في المختبر بحيامن رجل اجنبي وان ينسب المولود بعد وضعه من امه الى الرجل الاجنبي. انا لا اريد ان احكم بفطرتي على الموضوع فلا يرد على العالم الا عالم مثله سلبا او ايجابا ، فما هو راي الشيخ الحبيب بناء على الحجج والادلة الشرعية . اسال الله لكم دوام التوفيق والسداد


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالحسين عليه السلام، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام.

بمراجعة الشيخ،

هذه من المسائل المستحدثة، والنصوص الشرعية ساكتة عنها، فيرى فريق من الفقهاء مشموليتها بأصالة البراءة والإباحة لقوله عليه السلام: «الأشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر ونهي، وكل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا ما لم تعرف الحرام منه فتدعه». فيما يرى فريق آخر من الفقهاء حرمتها لمنافاتها لما وسَّعوه من معنى حفظ الفرج في قوله تعالى: «وَالْحٰافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحٰافِظٰاتِ» ولما عمَّموه من معنى إقرار النطفة في قوله عليه السلام: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجلٌ أقرَّ نطفته في رحمٍ تحرم عليه».

ونحن مع هذا الفريق الآخر ولكن على الاحتياط اللزومي، إذ للفريق الأول حجته في رد هذا التوسيع والتعميم، فما معنى حفظ الفرج إلا اجتناب الزنا، وما معنى إقرار النطفة في الرحم الحرام إلا الزنا، وهذا هو الظاهر والمتبادر. ومن الواضح أن تلقيح البويضة في المختبر ثم إقرار الخليط المتكوِّن في الرحم وقد غدا كائنًا جديدًا مخلَّقًا؛ ليس من الزنا في شيء، كما لا يصدق عليه إقرار النطفة في الرحم إلا إذا عُمِل بمثل أقيسة أبي حنيفة لعنه الله، فإنها التي تحكم الخليط بحكم النطفة، وإلا فالخليط المتكوِّن شيء والنطفة شيء آخر، كما لو فُرض إمكان إنماء الخليط في المختبر حتى يغدو جنينا ثم يوضع في الرحم؛ فإن أحدًا لا يدَّعي حينئذ صدق إقرار النطفة في الرحم بهذا الوضع، لخروج الجنين عن مسمى النطفة، فكذا الخليط، فإنه بمجرد انعقاد النطفة يكون الخليط المخلَّق قد خرج عن مسمَّاها. ولو كان الاستدلال بالأقيسة الحنفية لأمكن تجويز ما هو أعظم وهو وضع بويضة امرأة مخصبة في رحم امرأة أخرى أجنبية، قياسا على حلية الرضاع، فإن المرأة فيه إنما تغذو ولد الأجنبي في حجرها فتصبح أُمًّا له، وهي في ما نحن فيه تغذوه أيضا لكن في رحمها، وما من فرقٍ سوى أن التغذية في الصورة الأولى من لبنها فيما هي في الثانية من دمها، ولذا جاء في الحديث: «وإذا وُلد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثدييها».

وأيًّا كان فإن انتساب الولد إلى الأجنبي صاحب النطفة محكوم به عند الفريقين؛ المُحِلُّ والمحرِّمُ، لقيام الدليل على دوران إثبات الانتساب في غير الفراش مدار تعيين صاحب النطفة، فقد جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا أتى رجلٌ امرأةً فاحتملت ماءه فساحقت به جاريةً فحملت؛ رُجمت المرأة، وجُلدت الجارية، وأُلحق الولد بأبيه». وعليه؛ فإذا كان الانتساب لصاحب النطفة ثابتا حتى مع كون العملية مقطوعة الحرمة كالسحاق؛ فكيف لا يثبت الانتساب مع كون العملية غير مقطوعة الحرمة؟

هذا ولا تغفل عن أن المحلِّين من الفقهاء يشترطون خلو مقدمات العملية من المحرَّمات، كانكشاف العورة أمام الأجنبي أو الأجنبية واللمس ونحوه، وهذا الخلو أمر نادر، لذا تكون النتيجة - عمليا أو واقعيا - هو حرمة عملية تلقيح بويضة المرأة بنطفة الأجنبي بل بنطفة الزوج أيضا لعدم انفكاكها عن هذه المحرمات، إلا أن يكون في الصبر على عدم الإنجاب حرج لا يُحتمل عادة، وتلك مسألة أخرى تُقَدَّر بقدرها.

وعلى أية حال فإن هذه المسائل المستحدثة - كالتخصيب الصناعي والاستنساخ البشري ونظائرهما - من الطبيعي أن تختلف فيها أنظار الفقهاء لفقدان الأدلة الصريحة فيها، وصعوبة ردها إلى الأصول والأدلة العامة مع خوف الوقوع في القياس والاستحسان من جانب؛ وخوف إيقاع الهرج والمرج من جانب آخر. لذا يكون الاحتياط فيها أقرب إلى النجاة، وهذا ما نحن عليه بحمد الله تعالى.

أما (النقد الشديد) فإن كان ممن حاز أهلية النقد ببلوغه مرتبةً معتدًّا بها من العلم وتذوق الفقاهة فلا بأس، شريطة أن يكون نقدا علميًّا؛ وفق أدوات العلم حقًّا وفي دائرته المعهودة؛ بقصد الحرص على الشريعة الغراء، لا نقدا غوغائيًّا ممن لا أهلية له؛ بأدوات بهلوانية؛ في دائرة البهرجة الإعلامية والتكسُّب الاجتماعي؛ وبقصد النكاية بالمرجعية والتنفير عنها، فإن هذا الأسلوب بعيدٌ تمامًا عن تقوى الله والإخلاص له، وما هو إلا أسلوب الوهابية التهريجي بعينه، وهو الذي تراه من بعض أهل الظواهر البالونية الحشوية.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

25 صفر الأحزان 1441 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp