هل أهل الخلاف ينسبون الزنا للنبي ذي الكفل عليه السلام؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حين بحثي في موضوع تجاسر الطائفة البكرية على الأنبياء (عليهم السلام) وقفت على هذه الرواية.
كان الكفل من بني إسرائيل، لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً، على أن يطأها، فلما أراد أن يفعل، أرعدت، وبكت، فقال: ما يبكيك؟ أكرهتك؟ قالت: لا، ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حملني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا، ولم تفعليه قط؟ فتركها، وقال لها: اذهبي، فالدنانير لك. ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبداً. فمات من ليلته، فأصبح مكتوباً على بابه: قد غفر الله للكفل.

وحينما بحثت أكثر وجدت أن هناك من قصاصيهم من يدعي أن القصة لا تمت بالنبي المذكور في القرآن „ذي الكفل“ بصلة، فهل هذا الكلام صحيح؟

ولكن بمعونة أحد الإخوان وقفت على هذه الرواية، فهل سندها صحيح؟

عن بن عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ كَانَ ذُو الْكِفْلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ فَهَوِيَ امْرَأَةً فَرَاوَدَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا فَلَمَّا جَلَسَ مِنْهَا بَكَتْ وَأُرْعِدَتْ فقَالَ لَهَا مَا لَكِ فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ لَمْ أَعْمَلْ هَذَا الْعَمَلَ قَطُّ وَمَا عَمِلْتُهُ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ قَالَ فَنَدِمَ ذُو الْكِفْلِ وَقَامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ وَجَدُوا عَلَى بَابِهِ مَكْتُوبًا إن الله قد غفر لك"

فما مدى صحة سند هذه الرواية رجالياً حسب مبانيهم؟

أسأل الله أن يديمكم ذخراً لنصرة أهل البيت (صلوات الله عليهم)

أخوكم في حب أمير المؤمنين أبو تراب


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

بمراجعة الشيخ،

إذ خرّج ابن حبان هذا الحديث في صحيحه فمعنى ذلك أنه صحيح عنده، وكذلك هو صحيح عند الحاكم إذ أخرجه برقم 7651 وقد وافقه عليه الذهبي في التلخيص. وهو عند الترمذي في جامعه حسن. وجميع مَن في السند ثقات إلا عبد الله بن عبد الله المشهور بابن سرية الرازي، فهو مختلف فيه فهنالك من وثّقه كأحمد والذهبي وهنالك من صدّقه - أي اكتفى بقوله: صدوق - كابن حجر. ولا أحد جرحه أو ضعّفه بشيء، فالحديث إذن متردد بين الصحيح والحسن، وكلاهما مما يحتج به.

إلا أن الألباني أصر على تضعيف الحديث بدعوى أن أحد رجاله - وهو سعد مولى طلحة بن عمرو - مجهول، اعتمادا على قول ابن حجر. إلا أن الذهبي وثَّقه. وما حصلت الجهالة عند ابن حجر إلا لأن هذا الراوي كان مقلّا في الرواية حتى قال أبو حاتم الرازي: لا يُعرف إلا بحديث واحد. وهذا كما هو معلوم لا يضر، ولا يثبت مجهوليته فضلا عن ضعفه. ومع رواية الكبار عنه وأخذ أصحاب السنن الرواية عنه مع تنصيصهم على صحة ما أخذوه؛ لا سبيل إلا القول بوثاقته.

أما المراد بهذا الحديث؛ فقد اضطربوا فيه، فمنهم من قال إنه (الكفل) ومنهم من قال إنه (ذو الكفل)، وذلك لأن بعض ألفاظ الحديث فيها (ذو) وبعضها الآخر ليس فيها. ومن هنا قال ابن كثير في البداية والنهاية ج٢ ص٢٢٦: «وإن كان محفوظاً فليس هو (ذا الكفل) ، وإنما لفظ الحديث (الكفل) من غير إضافة، فهو رجل آخر، غير المذكور في القرآن. والله أعلم».

ولكن مقتضى الجمع بين ألفاظ الأحاديث أن تكون (ذو) قد سقطت أو أُسقطت من النسخ ليس إلا، لا أنهما رجلان. ومما يُشعر بذلك تأكيد ابن عمر على أنه - بزعمه - سمع النبي صلى الله عليه وآله مرات عديدة يحدثه بقصته، وذلك قوله: «سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لو لم أسمعه إلا مرة، أو مرتين، أو ثلاثا، أو أربعا، حتى عد سبع مرات سمعته، يقول: كان ذو الكفل رجلا من بني إسرائيل، وكان لا يتورع عن ذنب عمله.. إلخ». فلو كان المراد مجرد رجل عادي آخر غير المذكور في القرآن؛ فما كان هنالك داعٍ من ابن عمر على تأكيد أنه سمع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله سبع مرات! فإن هذا التأكيد الغرض منه رفع الاعتراض عليه بأنه لربما توهَّم أو التبس عليه الأمر، وما ذلك إلا لشناعة هذا الذي يرويه في حق رجل ذكره القرآن الحكيم وعدَّه في الصالحين الأخيار. فليس هو إلا ذا الكفل عليه السلام لا محالة.

فتحصَّل أن محاولة الألباني لتضعيف الحديث فاشلة، وكذا محاولة ابن كثير لافتراض كونهما رجلين، فبقي ما زعمه بعضهم من أنه رجل واحد ولكنه ليس نبيا أصلا، لترتفع شناعة الرواية حينئذ لمساسها بعصمة الأنبياء عليهم السلام ونسبتها همَّ أحدهم بالفاحشة عياذا بالله.
ولكن هذه المحاولة فاشلة أيضا، لأن السياق القرآني شاهد بأنه من جملة الأنبياء عليهم السلام. قال صاحب فتح البيان في مقاصد القرآن ج٨ ص٣٦٣: «وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن حبان والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك؟ قالت: لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته اذهبي فهي لك، وقال والله لا أعصي الله بعدها أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه: إن الله قد غفر لذي الكفل.

وقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس بنبي، وبه قال أبو موسى الأشعري ومجاهد وغيرهما، وقال جماعة: هو نبي ولعله هو الصحيح، وبه قال الحسن لأن الله قرن ذكره بإسماعيل وإدريس؛ ولأن السورة ملقبة بسورة الأنبياء؛ ثم وصف الله سبحانه هؤلاء بالصبر فقال: (كل من الصابرين) على القيام بما كلفهم الله به. (وأدخلناهم في رحمتنا) أي في الجنة أو في النبوة أو في الخير على عمومه، ثم علل ذلك بقوله: (إنهم من الصالحين) أي الكاملين في الصلاح».

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

23 شهر رمضان 1441 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp