كيف نرد على شبهة الملحدين حول الآية الكريمة (ومن كل شيء خلقنا زوجين)؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم

السؤال حول شبهة رأيتها سابقًا طُرحت ضد القرآن و هو هذا المعنى أن الله خلق من كل شيء زوجين
حيث أن هناك مخلوقات أو أشياء لا تكون زوجبن كالمخلوقات ذات التكاثر اللاجنسي مثلاً
فما هو التفسير ؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام، ولعنة الله على قاتليهم.

بمراجعة الشيخ،

مثيرو هذه الشبهة الرديئة غير متضلعين باللغة، فإن القرآن الحكيم في تلك الآيات لم يكن بصدد بيان كيفية التكاثر وأنه لا بد أن يتم باتصال جنسي بين زوجين حتى يُشكل عليه بوجود التكاثر اللاجنسي؛ وإنما كان بصدد بيان تنوع الخلق على أساس الزوجية.

يقول تعالى: «وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» (الرعد: 14) فلاحظ مفردة (الجعل) تفهم أن المراد أنه سبحانه جعل تلك الثمرات متنوعة على أساس الزوجية، فمنها ما هو رطب ومنها ما هو يابس، ومنها ما هو حلو ومنها ما هو حامض، ومنها ما هو بارد ومنها ما هو حار، ومنها ما هو فاتح ومنها ما هو داكن، وهكذا.

ويقول تعالى: «وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (الذاريات: 50) فلاحظ مفردة (الخلق) تفهم أن المراد أنه سبحانه خلق الأشياء متنوعة على أساس الزوجية أيضا، كالنور والظلمة، والصلابة والسيولة، والقوة والضعف، والبرد والحر، وهكذا. وهذا ما يدلنا عليه ما جاء في خطبة لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهما) إذ يقول: «ضادَّ النور بالظلمة، واليبس بالبلل، والخشن باللِّين، والصّرد بالحرور، مؤلِّفًا بين متعادياتها، مفرِّقًا بين متدانياتها، دالَّةً بتفريقها على مفرِّقها، وبتأليفها على مؤلِّفها، وذلك قوله: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». (الكافي الشريف ج1 ص139)

وبعد هذا النص من أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا بد للملحد إذا أراد أن يلتزم أصول البحث العلمي أن يطرح إشكاله جانبًا لأنه قد تبيَّن بطلان المعنى أو الفهم الذي انبنى عليه، فلقد فهم الملحد من هذه الآيات أنها في موضوع التكاثر؛ والحال أنها في موضوع التنوع بدلالة ما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان - على أقل تقدير - من أهل اللغة الذين نزل القرآن في عصرهم، ففهمه حجة دون فهم ملحدي آخر الزمان بحسب أصول البحث العلمي.

فإن كابر الملحد وقال أن الأشياء التي لا تتكاثر جنسيا تنقض قوله: «وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ» إذ هذا الشيء بنفسه لا يوجد فيه تنوع زوجي. قيل له: هذا كمن يتعسف فيطالب بإثبات صفة الزوجية لكل ما انقسم عن الزوجية نوعًا أو صفة، فيطالب مثلًا بإثبات الزوجية في نفس النور بعدما كان زوجا مع الظلمة، فإذا قيل له: المتوهج كنور النجم والساكن كنور القمر والكواكب؛ قال: أريد الزوجية في نفس المتوهج! فإذا قيل له: الممتد والمنقبض؛ قال: أريد الزوجية في نفس الممتد! وهكذا إلى ما لا نهاية.

ولا يخفى أن هذا من التعسف الظاهر؛ إذ يكفي أن يُقال أن هذه المخلوقات التي يجمعها اسم النبات مثلًا، تُلاحَظ جهة الزوجية فيها في أن بعضها يتكاثر جنسيا وبعضها الآخر لا. على أن العلم أثبت أيضًا أن هذه الكائنات ذات التكاثر اللاجنسي إنما تنقسم زوجيًّا أيضًا بما يسمى الانقسام الخلوي الميتوزي.

والحاصل أن هذه الشبهة إنما نشأت من الجهل باللغة ومعانيها، إذ تصوَّر هؤلاء أن الزوجية تقتصر في المعنى على الذكر والأنثى ولازمه التكاثر الجنسي، والحال أنها أوسع من ذلك، إذ تشمل التماثل والتضاد وكل اقتران بين قرينين، فنحن نقول مثلًا: «زوج نعل» ولا نقصد أنهما ذكر وأنثى! وإنما نقصد اقترانهما من باب التماثل. وقد مرَّ عليك كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف النور والظلمة وسائر ما هنالك بالزوجية، وذلك اقتران من باب التضاد.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

30 محرم الحرام 1439 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp