هل صحيح أن الشيخ عباس القمي ينكر حديث الكساء؟ وما تعليقكم على كلام الشيخ المفيد؟ وهل رواية ركوب الإمام الحسين على ظهر النبي صلى الله عليه وآله باطلة؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الجليل وزعيمنا القدير ياسر الحبيب حفظك الله ورعاك عندي بعض الأسئلة أرجو أن يتسع صدر سماحتكم للإجابة عليها

1-قرأت أن الشيخ عباس القمي رحمه الله ينكر حديث الكساء ويراه كذبا فهل يقدح هذا في عدالته وإيمانه؟

2- يقول الشيخ المفيد في كتابه الاعتقادات والوجه أن نقطع على كمالهم - عليهم السلام - في العلم والعصمة في أحوال النبوة والامامة ، ونتوقف فيما قبل ذلك ، وهل كانت أحوال نبوة وإمامة أم لا ونقطع على أن العصمة لازمة لهم منذ أكمل الله تعالى عقولهم إلى أن قبضهم - عليهم السلام. والسؤال ما معنى عبارته (ونتوقف فيما قبل ذلك) هل هذا يعني أنه متوقف وغير قاطع أنهم عليهم السلام كانوا كاملين قبل توليهم الإمامة أو قبل بلوغهم الحلم ظاهرا؟ وإن كان كذلك الا يقدح هذا القول بعقيدة الشيخ المفيد الذي يخالف ما نعتقده من أنهم عليهم السلام كاملون في كل الأحوال؟

3- هناك من يقول ان رواية ركوب الحسين صلوات الله عليه ع ظهر النبي صلى الله عليه وآله باطلة ويستدل بالتالي
1-أنها رواية تصور الحسين صلوات الله عليه طفلا لاهيا لاعبا والعياذ بالله حيث لا يحترم وقت الصلاة ويقضيه باللعب ولا يدرك معنى الإسلام والتدين
2-أنها رواية تصور البتول صلوات الله عليها أما مقصرة والعياذ بالله لا تتابع أولادها
3- يقول أن التاريخ لم يحدثنا عن نبي أو وصى نبي كان يلعب إلا الحسنين عليهما السلام فهي باطلة وضعت للحط من مقامهما.
فهل لإستدلالاته الثلاثة وجه؟

وفقكم الله لنصرة النبي وآله عليهم السلام ونحن معكم شيخنا بأموالنا وأنفسنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ،

ج1: معاذ الله! هذا ادعاء باطل ينفيه ابن الشيخ عباس القمي رحمه الله وهو الشيخ محسن، إذ يؤكد أن حديث الكساء بالصيغة المتداولة المعروفة كان قد أضيف كملحق إلى كتاب (مفاتيح الجنان) من قبل محمد حسن العلمي، وذلك في حياة الشيخ القمي وتحت نظره ودونما نكير منه، إذ كان العلمي قد سلّم الشيخ نسخة من الكتاب بهذا الملحق فأمضاها، ولو كان لا يرتضي الحديث كما يفترون؛ لاستنكر إضافته إلى كتابه، إذ كان من عادته النكير على من يضيف إلى كتابه شيئا لا يرتضيه بل ويدعو عليه، وكان يكتب تلك الاستنكارات خطيا كما يقول ابنه الشيخ محسن.

وأما ما ورد في كتابه (منتهى الآمال) فإليك بيانه؛ لقد قال: «وأما حديث الكساء المعروف عندنا الآن فإنه لم يورد في الكتب المعروفة المعتبرة وفي أصول الحديث والمجامع المتقنة للمحدثين بهذه الكيفية، ويمكن أن يقال بأن هذا من خصائص كتاب المنتخب»، وهذا كما ترى ليس يعني ردّه للحديث أو حكمه بوضعه، بل غاية ما يحمله كلامه هو أنه لم يرد بهذه الصيغة المعروفة إلا في كتاب المنتخب للطريحي، وأنه - إذ ذاك - في رتبته أدنى مما ورد منه في الكتب المعروفة المعتبرة وأصول الحديث والمجامع. فالكلام إذن في رتبة الحديث بهذه الصيغة، وهذا كل ما في الأمر. على أن الحديث بهذه الصيغة ليس من خصائص كتاب المنتخب كما قال، إذ رواه أيضا صاحب العوالم عن العلامة السيد هاشم البحراني رضوان الله عليهما.
فالنتيجة؛ أن القول بأن الشيخ القمي كان ينكر حديث الكساء المعروف ويراه كذبا؛ هو من القول الباطل والافتراء العظيم، يروّجه البتريون الخبثاء والعاملون التعساء في البلاط الخامنئي.

ج2: كان المنهج العقلي غالباً على دأب المفيد رحمه الله نظراً لطبيعة التحدي المذهبي مع معتزلة بغداد، ومع كونه ميّالاً لهذا المنهج إلا أنه كان يحترم الأخبار والروايات متحاشياً ردّها كلما ساعدت على ذلك قرائن الاعتبار. وبسبب هذه المزاوجة كانت لغة المفيد في التأليف والكتابة فريدة من نوعها، تخفى على غير المتضلعين الخبراء فيشتبهون في فهم مراده ومقصوده رضوان الله تعالى عليه.

إن قوله الذي نقلتموه من كتاب اعتقاداته: «والوجه أن نقطع على كمالهم عليهم السلام في العلم والعصمة في أحوال النبوة والإمامة، ونتوقف في ما قبل ذلك»؛ إنما هو جارٍ على سبيل المنهج العقلي، فهذا القطع عقلي كما أن التوقف عقلي، إذ القدر المتيقن الذي يحكم به العقل من كمال العلم والعصمة لأحد إنما هو في حال تلبّسه بالنبوة أو الإمامة، أما ما قبل ذلك فإن العقل لا يقطع وإنما يجوِّز. وحيث أن الأخبار والروايات التي بين أيدينا أثبتت أن نبينا وأئمتنا عليهم السلام كانوا على كمال العلم والعصمة والبراءة من الجهل والنقص حتى قبل بلوغ الحلم؛ فقد وجب الأخذ بهذه الأخبار إذ ليس إلى تكذيبها سبيل، ويكون الحكم بهذا نقلياً لا عقليّاً إلا على التجوّز لا القطع، فإذا ما أريدَ الالتزام بالقطع العقلي؛ فالوجه التوقف في أن هذا الكمال المنقول قبل بلوغ الحلم كان لأحوال النبوة والإمامة أم لا؟

هذا ما أراده المفيد، وتؤكده لك عباراته التي سبقت هذه العبارة، فقد قال: «والأنبياء والأئمة عليهم السلام من بعدهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم من الكبائر كلها والصغائر، والعقل يجوِّز عليهم ترك مندوب إليه على غير التعمد للتقصير والعصيان، ولا يجوِّز عليهم ترك مفترَض؛ إلا أن نبينا صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من بعده كانوا سالمين من ترك المندوبِ والمفترَضِ قبل حال إمامتهم وبعدها» فقد أكد هنا عصمتهم عليهم السلام حتى من ترك المندوب قبل الإمامة وبعدها مع أن العقل لا يدفع تركهم له على غير التعمد للتقصير والعصيان.

ثم قال: «فأما الوصف لهم بالكمال في كل أحوالهم، فإن المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي كانوا فيها حججا لله تعالى على خلقه» وهذا القطع عقلي كما تقدّم، ولذا عدل بعده إلى النقلي الخبري بقوله: «وقد جاء الخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من ذريته كانوا حججا لله تعالى منذ أكمل عقولهم إلى أن قبضهم، ولم يكن لهم قبل أحوال التكليف أحوال نقص وجهل، فإنهم يجرون مجرى عيسى ويحيى عليهما السلام في حصول الكمال لهم مع صغر السن وقبل بلوغ الحلم، وهذا أمر تجوِّزه العقول ولا تنكره، وليس إلى تكذيب الأخبار سبيل» فأثبت بهذا حصول الكمال والعصمة لهم عليهم السلام وبراءتهم من كل نقص وجهل حتى قبل بلوغ الحلم، مردفاً ذلك بأنه مما تجوِّزه العقول ولا تنكره. ولئن لم يمكن القطع به عقلاً فقد ثبت نقلاً، إذ «ليس إلى تكذيب الأخبار سبيل». فإذا كان ولا بد من القطع العقلي هذا فالوجه «أن نقطع على كمالهم عليهم السلام في العلم والعصمة في أحوال النبوة والإمامة ونتوقف في ما قبل ذلك وهل كانت أحوال نبوة وإمامة أم لا؟ ونقطع على أن العصمة لازمة لهم منذ أكمل الله تعالى عقولهم إلى أن قبضهم عليهم السلام»، وحيث إن هذا الكمال قد حصل لهم «مع صغر السن وقبل بلوغ الحلم» كحال عيسى ويحيى عليهما السلام بحسب الأخبار؛ فإن العقل يقضي هنا بالتوقف في أن هذا الكمال كان حالاً من أحوال النبوة والإمامة أم لا؟

هذا ما أراده رحمه الله وهو بعيد عن التوقف مطلقاً في كمالهم عليهم السلام قبل توليهم النبوة والإمامة أو اشتغالهم بهما، أو حتى قبل بلوغهم الحلم. إنما هذا التوقف عقلي ليس إلا، أما الثبوت فنقلي ليس إلى تكذيبه أو دفعه سبيل.

ج3: لا وجه لكل هذا لمعلومية أن الأنبياء والحجج عليهم السلام لطالما كانوا يجرون في ظواهر أفعالهم وأحوالهم على ما يجري عليه البشر لحِكَمٍ متنوعة، منها أن يكونوا أسوة، ومنها أن يسترعوا انتباها أو يدفعوه، ومنها أن يستأمنوا أو يؤمِّنوا، ومنها أن يحصّنوا أقوامهم من الغلو فيهم، إلى غير ذلك.

ولعب الأنبياء والحجج عليهم السلام ثابت كتاباً وسنةً، فمن ذلك قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام: «أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (يوسف: 13) وهو دال على كونه معهوداً لديهم بذلك اللعب وإلا لما طلبوا من أبيه يعقوب عليه السلام إرساله معهم لأجله، فضلاً عن أنه لم ينكره عليهم.

وأما السنة فما ورد فيها من هذا الباب كثير، فعلى سبيل المثال روى شيخ الطائفة عليه الرحمة بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان الحسين عليه السلام ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه وآله وهو يلاعبه ويضاحكه، فقالت عائشة: يا رسول الله ما أشدَّ إعجابك بهذا الصبي؟ فقال لها: ويلك! ويلك! وكيف لا أحبه وأُعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني، أما إن أمتي ستقتله، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجّة من حججي. قالت: يا رسول الله؛ حجّةً من حججك! قال: نعم وحجتين، قالت: حجّتين! قال: نعم؛ وأربعاً. فلم تزل تزادِه وهو يزيد ويضعف حتى‌ بلغ سبعين حجة من حجج رسول الله صلى الله عليه وآله بأعمارها» (أمالي الطوسي ص668).

وفي البحار عن حليمة السعدية عليها السلام: «جلس محمد صلى الله عليه وآله وهو ابن ثلاثة أشهر، ولعب مع الصبيان وهو ابن تسعة، وطلب مني أن يسير مع الغنم يرعى وهو ابن عشرة، وناضل الغلمان بالنبل وهو ابن خمسة عشر، وصارع الغلمان وهو ابن ثلاثين، ثم رددته إلى جده» (بحار الأنوار ج15 ص333) وفيه أيضا: «بينما عيسى عليه السلام يلعب مع الصبيان، إذ وثب غلام على صبي فضربه على رجله فقتله، فألقاه بين رجلي المسيح متلطّخاً بالدّم، فانطلقوا به إلى الحاكم في ذلك البلد وقالوا: قتل صبيّنا! فسأله الحاكم فقال: ما قتلته. فأرادوا أن يبطشوا به، فقال: ائتوني بالصبي حتى‌ أسأله: مَن قتله؟ فعجبوا من قوله وأحضروه عند القتيل. فدعا الله تعالى وأحياه، فقال: مَن قتلك؟ فقال: قتلني فلان. فقال بنو إسرائيل للقتيل: مَن هذا؟ قال: عيسى بن مريم، ثم مات من ساعته» (بحار الأنوار ج14 ص268) وفيه أيضا في قصة الأعرابي أنه رأى الحسين بن علي عليهما السلام: «من بين الصبيان فقال له: أنا أدلك على دار أمير المؤمنين عليه السلام وأنا ابنه الحسين بن علي» (بحار الأنوار ج41 ص45) وهو مشعر بلعبه معهم على عادة الصبيان، وكذا خبر الجواد عليه السلام الذي رواه أهل السير: «أن المأمون لما قدم من خراسان إلى بغداد برز ذات يوم إلى الصيد طرف البلاد فوجد في طريقه محمدا الجواد عليه السلام يلعب مع الصبيان وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة، ففر الصبيان عنه منهزمين ولم ينهزم الجواد عليه السلام عن موضعه.. إلخ» (تحفة الأزهار ج3 ص426).

نعم لا بد أن لا يكون هذا اللعب بكيفية لهوية دنيوية تخدش بقدس وكمال ووقار المعصوم حتى وإن كان طفلا أو صبيا، ولذا ورد أن الجواد عليه السلام في تلك اللعبة كان واقفاً، وبعد تولّيه الإمامة في عمر مبكر قال لعلي بن حسان الذي أتاه بآلة بعضها من فضة يلهو بها الصبيان: «ما لهذا خلقني الله؛ ما أنا واللعب»؟! (دلائل الإمامة ص402)، وورد في صفات الإمام أنه «لا يلعب ويلهو بشيء من أمر الدنيا» (بحار الأنوار ج25 ص164)، إنما يكون لعبه في واقع الأمر مما هو مستحب شرعاً كالتصابي للأولاد، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: «من كان عنده صبيّ فليتصابَ له» (وسائل الشيعة ج15 ص203) وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «من كان له ولد صبّا» (المصدر نفسه)، ولهذا كان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله يلاعب الحسنين صلوات الله عليهما ويُركبهما على ظهره قائلاً: «نِعم الجمل جملكما ونِعم العِدلان أنتما» (بحار الأنوار ج43 ص284).

وعليه؛ فقول القائل أن التاريخ لم يحدثنا عن نبي أو وصي كان يلعب إلا الحسنين عليهما السلام؛ هو قول باطل. وأما قوله أن الرواية تصوّر الحسين عليه السلام طفلاً لاهياً وتصوّر البتول عليها السلام مقصّرة؛ فباطل كذلك لأنه لا يعدو كونه لازماً افتراضياً استحسانياً، يشبه ما يتذرّع به الناصبة لردّ رواية تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم حال الركوع بالقول أنها تصوّره منصرفاً عن الخشوع في صلاته والإقبال على ربّه! وكذا ردّهم لرواية رد الشمس بدعوى أنه كيف أخّر صلاته حتى غابت الشمس وانقضى وقتها؟!

إنما الذي نؤمن به ونعتقد هو أن المعصوم في كل أفعاله وأحواله في طاعة الله وإنْ خفي علينا وجه الحكمة في ما يبدو لنا. تلك عقيدة الشيعة الرافضة الأبرار التي عبّر عنها صاحب الرضا عليه السلام الريان بن الصلت رضوان الله عليه في ردّه على هشام العباسي لعنه الله بقوله: «إن من عقد الشيعة أنْ لو رأوْهُ [أي الإمام] وعليه إزارٌ مصبوغ وفي عنقه كَبَرٌ [أي طبل] يضرب حول العسكر لقالوا: ما كان في وقت من الأوقات أطوعَ لله عز وجل من هذا الوقت وما وسعه غير ذلك» (قرب الإسناد ص344).

واللازم على المؤمن أن يتأدب مع الأحاديث والروايات الشريفة التي تضافرت أو حفّتها قرائن الاعتبار فلا يردّها بوجوه استحسانية حتى وإن كان عقله قاصراً عن تفهّم وجه الحكمة فيها، فكيف ووجه الحكمة في ما فعله النبي وسبطه الحسين صلوات الله عليهما ظاهر، وهو لفت الانتباه إلى عظيم منزلة هذا السبط الذي لم يكن سيد الأنبياء يرفع رأسه من سجوده إكراماً له؛ فإذا بأمته من بعده تسفك دمه وتقطع رأسه وترفعه على قناة! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأما القول بأن هذه الطائفة من الروايات موضوعة للحط من مقام الإمامين الحسنين عليهما السلام؛ فقول لا يستحق الإصغاء إليه، إذ لسان كل الروايات في ذلك لسان الإجلال وتعظيم حرمة الإمامين عليهما السلام، وهذا ما فهمه الناس منها منذ الصدر الأولى حتى كانوا يستدلون بفعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله في الواقعة ذاتها: «من أحبني فليحبَّ هذين» على عظيم إثم وجرم الذين قتلوا الحسن والحسين عليهما السلام.


وفقكم الله لمراضيه

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

18 صفر الأحزان 1438 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp