لماذا لا نترك عائشة وقد ماتت وحسابها على الله تعالى؟!

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
لماذا لا نترك عائشة وقد ماتت وحسابها على الله تعالى؟!

12 صفر الأحزان 1439

هناك من يقول أن عائشة أهل رسول الله صلى الله عليه وآله؛ شئنا أم أبينا، وحرمتها هي حرمته، أفلا يكون من الأدب والمروءة أن نحفظ رسول الله في أهله فلا نذكرها بسوء حتى لو أخطأت؟! ألم يمرّ عليك قول الشاعر:

فيا حميــرا سبُّــكِ محـــرَّمُ
لأجـلِ عينٍ ألـفُ عينٍ تُكـرَمُ

فلماذا نتكلف ونُقحم أنفسنا في ما بين النبي وأهله ولعلنا بذلك نؤذيه؟! إن كانت قد أخطأت فحسابها على الله، والنبي هو المعني بأمرها يوم القيامة لا نحن. وما يدرينا لعلّ الله يغفر لها ما ارتكبته إكراما لرسوله صلى الله عليه وآله! أفلا يجدر بنا أن نكفّ ألسنتنا عن الخوض في شأنها؟!

والجـواب: كلا! إنها لم تعد أهلا لرسول الله صلى الله عليه وآله! ذلك لأن التي تخون زوجها لا يظل لها هذا الاعتبار، وقد تحققت خيانة عائشة له في كثير من الموارد، كمشاركتها في سمّه وقتله، وإيذائها لابنته، وخروجها على وصيه، وتسبّبها في رشق جنازة سبطه، وتحريفها لأحكام دينه، وإدخالها الرجال الأجانب في بيته.

وإذا تحققت خيانة المرأة لبعلها، انقطعت بينهما تلك العلقة الاعتبارية، فلا تكون حرمتها من حرمته، ولا تعدّ من أهله. وقد أكّدت النصوص الدينية المأثورة عن الرسول وأهل بيته (صلوات الله عليهم) ذلك في شأن عائشة خاصة.

ثم على فرض أنها ظلّت أهلاً له، فإن ذلك ليس بمانع شرعي من توجيه التهمة لها إذا ما أجرمت، ومحاسبتها على ما ارتكبت، ولا يكون في ذلك هتكا لحرمة زوجها، فإن الشرع والعرف يفرّقان بين المرء وزوجه في هذه الموارد، فإنما هي وصلة مستعارة تجري مجرى المنفعة المستأجَرة كالأَمَة المسترقَّة، وعلقتها بزوجها إنما قد حصلت بالسبب لا بالنسب، والسبب منقطع بخلاف النسب.

بل وحتى مع النسب الذي لا ينقطع، فلا حرج في توجيه التهمة إلى البنت أو الابن ولا يسوء ذلك الأب في شيء إذا أحسن التربية ومع ذلك أصرّت البنت أو أصرّ الابن على سلوك سبيل الضلال والفساد والغواية، فيكون ذلك سببا لانقطاع العلقة الاعتبارية بينهما، فهذا كتاب الله تعالى يحكي أن نوحا (عليه السلام) نادى ربّه قائلا: ﴿رَبِّ إِنَّ ابنِي مِنْ أَهْلِي﴾ فأجابه الله تعالى: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾! وعلّل ذلك بقوله: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾.

وهكذا الحال بالنسبة لعائشة، فإنها وإن كانت زوجة لرسول الله صلى الله عليه وآله، إلا أنها ليست من أهله وفق هذا الاعتبار، لأنها «عمل غير صالح»، سيما وأنها ارتبطت برسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسبب المنقطع، لا بالنسب غير المنقطع. مضافا إلى أن ما نجرّمها به إنما وقع بعد استشهاده ورحيله (صلى الله عليه وآله) فتكون العلقة بينهما أكثر انقطاعا. فتدبّر.

ولو أنّا أوجبنا حفظ المرء في أهله على معنى عدم توجيه التهمة لهم وعدم بيان جرائمهم؛ لوجب أن نحفظ آدم في ابنه قابيل، ونوح في زوجته وابنه، ولوط في زوجته، بل وأن نحفظ كل من آمن واتقى في أهله وإن كانوا كَفَرةً فَسقةً فَجَرةً ظَلَمةً! وأن نردّد كالببغاء: لأجل عين ألف عين تُكرم! فلا نقتص من القاتل إذا كان أبوه صالحا! ولا نجري الحد على الزانية إذا كان زوجها تقيّا! ولا يقول عاقل بهذا.

ثم إن عائشة بنفسها لم تحفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانتهكت حرمته حين نسبت له القبائح والشائنات وأباحت باسمه (رضاع الكبير) مثلاً، كما لم تحفظه في أهله المقرّبين فانتهكت حرمتهم رغم أنه أوصى بهم وأبلغ عن الله عز وجل وجوب مودّتهم وطاعتهم وذلك قوله سبحانه: ﴿قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. فكان من أفعالها النكراء بحقهم ما سوّد وجهها إلى يوم القيامة! ويصحّ إذ ذاك أن تُقابَل بالمثل، فلا تُحفَظ حرمتها إنْ كانت لها حرمة، لأن الحرمات قصاص كما قال الله تعالى: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾.

وها نحن نردّ عليها اعتداءها على رسول الله وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم، فلا نكفّ ألسنتنا لأنها لم تكفّ لسانها، على أننا إنما نذكر عنها ما هو حق، وما يجعل الناس تحذر من الاغترار بها واتباعها وتطبيق تعاليمها المخالفة لشريعة سيد الأنام صلى الله عليه وآله، لا كما فعلت هي من إطالة لسانها بالباطل على سادتها المعصومين عليهم أفضل التحية والسلام، المعصومين بنص الكتاب الكريم.

ودعوى أن الله قد يغفر لها إكراما لنبيّه غير مسموعة، فإنه لا ينقض الشكُّ اليقينَ، بل إنها لو تمّت لأبطلت أصل العدل الإلهي، إذ يحق لأخرى أجرمت ولم يغفر الله لها أن تصيح يوم القيامة: «إلهي! عجباً غفرت لعائشة ولم تغفر لي مع أننا اشتركنا في الذنب نفسه! وقد غفرت لها لأنها زوجة نبيّك فحسب وحرمتني أنا من الغفران لأني لم أكن إلا زوجة أحد من خلقك! فلمَ لمْ تزوّجني نبيك لكيلا تُحتسب جرائمي وتغفر لي؟! إن هذا لظلم»!

فلا يكون لإثبات العدل الإلهي بعد هذا الفرض إلا أن يغفر الله تعالى لتلك المرأة أيضاً ولكل من أجرم وأجرمت حتى لا يكون لأحد من الخلق حجة على الله تعالى في أنه ميّز امرأة عن سائر المذنبين وغفر لها لمجرّد كونها قد تزوجت في الدنيا رسوله. فإذا قلنا بذلك لبطل العقاب! ولأبطلنا وجود جهنم إذ لن يعذّب فيها أحد! سيما وأن المخالفين يقولون بغفران ذنوب كل من يسمونهم بالصحابة، فيصح أن يعترض سائر الخلق على ذلك أيضا يوم القيامة لأنهم أجرموا مثل جرائمهم وحرُموا من الغفران لمجرّد أنهم لم يصحبوا النبي وكان ذلك قضاء من الله وقدرا لا دخل لهم فيه!

وإذ عرفت سخافة هذه الدعوى فلا يكون أمامك لإثبات العدل الإلهي إلا الإقرار بأن زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) تُعاقَب وتعذَّب يوم القيامة على ما ارتكبته من ذنوب وجرائم وفواحش كسائر النساء، بل إنها تعذَّب عذابا مضاعفا دونهن! وهذا صريح ما أخبرنا به الله تعالى إذ قال: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾.

أفهل تعترض الآن على كلام الله عز وجل؟! اصحُ يا هذا وأخرج من ذهنك وهم تقديس امرأة لمجرّد كونها زوجة لنبي، فإنما المعيار عند الله هو التقوى، فإذا كانت التقوى في تلك المرأة فأنعم بها وأكرم، وإن لم تكن فبُعدا لها وتعسا. أليس الله يقول: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾.

فلتدخل عائشة النار مع الداخلين لخيانتها رسول الله صلى الله عليه وآله! فما شأنك أنت لتحتجّ وتعترض؟!

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp