البحوث القرآنية (6) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
البحوث القرآنية (6) 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم ومالم يبلغني ، الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث للخلائق أجمعين سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم وأعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم أجمعين الى قيام يوم الدين .. آمين

في الحلقة الماضية ..

يستمر كلامنا في بيان أوجه الاعجاز في كتاب الله (تبارك وتعالى) القرآن الحكيم وقد ذكرنا فيما تقدم أنّ من أهم وجوه الاعجاز في القرآن الحكيم أنّا نجده قد جاء بشريعة هي الأكمل ، والأدق ، والأوفق للعقل وللفطره السويّه ، ونقلنا في ختام المحاضره السابقه شهادة معاصرة لبعض خبراء الغربيين الإقتصاديين ، الذين شهدوا بالقرآن الحكيم بأنه جاء بأعظم وأفضل نظام اقتصادي وقواعد ماليه .

بل إنهم طالبوا بالأخذ بهذه القواعد ، وبهذا النظام واحلاله محل النظام الرأس مالي الجشع للخروج من الأزمه الماليه التي تعصف بالعالم اليوم .كان هذا في سياق المقارنه بين تعاليم القرآن الحكيم ، وتعاليم الكتب المنافسه التي تطرح ككتب منافسه للقرآن ، وفي مقدمة تلك الكتب مايسمى عند اليهود والنصارى بالكتاب المقدس .

وجه جديد من اوجه الاعجاز في القرآن الحكيم ..

نطوي هذا الجانب وندخل في وجه جديد من أوجه الاعجاز في القرآن الحكيم الذي هو معجزة الزمان الخالده ، عنوان هذا الوجه هو الإعجاز الغيبي الذي يثبت أنّ هذا الكتاب كتاب جاء من قبل الله (تبارك وتعالى) ، وليس كتاب مخترعا من قبل البشر ، كما هو الحال بالنسبه الى مايسمى الكتاب المقدس ، فإنا نظرنا في ذلك الكتاب المقدس كما بيّنا في المحاضره السابقه ووجدناه كتاب يأتي بتشريعات وأحكام تضحك الثكلى ، حيث تنفر منها الطباع ، وتعتبرها تشريعات وأحكام ظالمه ومجحفه ودمويه ، كتشريع قتل النساء والأطفال بلا ذنب ، وكتشريع اجبار الرجل على الزواج  بامرأة اخيه المتوفى ، والحاق ابنه البكر منها بذلك الأخ المتوفى .

الاعجاز الغيبي في القرآن الحكيم ..


وقلنا بأن القرآن الحكيم هاهو جاء بتلك التشريعات والأحكام التي تعتبر هي الأدق والأكمل ، هنا أيضا نقول بأنا لو نظرنا في تلك الكتب التي تسمى عند الآخرين بالكتب المقدسه وقارناها بكتاب الله الخالد القرآن الحكيم في جانب التنبؤ بالأمور الغيبيه لوجدنا أيضا فرقا واضحا .

ففي تلك الكتب جائت تنبؤات خالفها الواقع بل جائت اخبارات مخالفه للواقع ، أما في كتاب الله (تبارك وتعالى) فلا نجد شيئا من هذا القبيل ، بل نجد أنّ ماتنبئ به القرآن الحكيم على أنه سيقع في المستقبل وقع كما هو بدقّه .أضرب هنا بعضا من الأمثله في ذلك ..

المثال الاول على الاعجاز الغيبي في القرآن الحكيم ..

وبين يديّ أربعة أمثله المثال الأول:
لو أخذنا سورة تعد من أقصر سور القرآن الحكيم لوجدناها تشهد بإعجازه ، وإعجازه الغيبي ، هذا الوجه من الإعجاز ، تلك السوره هي سورة الكوثر التي يقول فيها الله عز من قائل : {بسم الله الرحمن الرحيم * انا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إنّ شانئك هو الأبتر}  .

ليس شأني هاهنا أن أفسر معنى الكوثر أنهر في الجنه هو أم هي الزهراء (صلى الله عليها وآلها الطاهرين)، أم أنّ الكوثر اسم للنهر وللبضعة الصديقه الكبرى (صلى الله عليها وآلها الطاهرين}  معا ، من باب أنّ اسماء القرآن تنطبق على أكثر من مسمّى ، هذا بحث لعلنا ندخل في إن شاء الله مستقبلا ، إنما أقول هنا إنما سنتوقّف عنده هي الآية الأخيره من سورة الكوثر ،  قوله (سبحانه وتعالى) :{ إن شانئك هو الأبتر }، هذا الشانئ أي العدو الذي يزري بك ، هذا الشانئ هو الذي سيكون أبترا ، هذا اخبار غيبي من القرآن الحكيم بخصوص ذلك الشانئ أنه هو الأبتر لا أنت يارسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) ، ماهو الأبتر أو من هو الأبتر ؟

الأبتر هو ذلك الرجل الذي خمل ذكره ، وانقطع انبتر ، بسبب عدم وجود من يحمل اسمه ، بسبب عدم وجود من ينتسب اليه فهنا يخمل ذكره وينقطع ، هذا معنى الأبتر وقد قذف بعض من المشركين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك رموه بأنه أبتر ، متى ؟

لما توفي ابنه القاسم (صلوات الله وسلامه عليه)  في مكه المكرمه ، قالوا إنّ محمد ابتر ، وحينما أقول قالوا أعني أنهم كانوا جماعه ، وقد ذكرت السيره ، وكتب السير ،  وكتب التاريخ أسمائهم لكن الأبرز منهم هو اللعين العاص ابن وائل والد عمر ابن العاص (لعن الوالد والولد) ، هذا الرجل كما نقل اصحاب السير ، قالوا أنه قال لما بلغه نبؤ وفاة السيد القاسم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال إنّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل ابتر لاولد له ، فإذا مات انقطع ذكره ، إذا مات النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فلن يكون هنالك أحد يذكره من أبنائه ، أي أنّ ذكره سينقطع لأنه لاأبناء له لاسلاله له .

بطبيعة الحال كثير منكم يعلم بأن رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم)كل أبنائه بالسيدة الكوثر فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها وآلها الطاهرين) التي تكثّر منها نسله الشريف  ، وهو الى اليوم باق والساده المحمديين العلويين الفاطميين ملؤوا الدنيا ، فالله (عز وجل) هنا في هذه الآيه نفا كون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبترا ، وأكّد على أنّ الشانئ هو الأبتر ، العاص ابن وائل وأضرابه من طغات قريش الذين رموا النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصفوفه بالأبتر كان هذا متى ؟ متى نزلت هذه السوره ؟

في مكه المكرمه قبل أن يكثر اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قبل أن يصل الى المدينه المنوره ويؤسس دولة العظيمه من هنالك ، قبل أن يظهر اساسا أنّ هذا النبي له فرصه في النجاه ام لا . أساسا حتى هذا الأمر لم يكن يقينيا عندهم ، ناهيك عن أنه يولد له ، وأنه تستمر سلالته ، ويبقى ذكره ، ولايخمل ، ولا ينقطع . جائت هذه الآيه وكأنها تنبؤ عن عظيم الثقة بالتوكيد { إن شانئك هو الأبتر }، ثق تماما هذا الشانئ هو الذي سيكون أبترا ، هذا انباء بالغيب ، هذا عرض للمستقبل ، فالسؤال هنا هل تحقق هذا الإنباء بالغيب والعرض للمستقبل أم لا ؟

بالدقّه الجواب واضح لدى الجميع نعم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مازال ذكره باقيا ، لاعلى المنابر فحسب ، حينما يقال اشهد أنّ محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  ، وإنما ذكره قد بقي كذلك بمن يحمل شرف الإنتساب اليه من الساده الهاشميين ، باقون الى اليوم ، لأنا قلنا الأبتر معناه هو ذلك الذي خمل ذكره وانقطع ، لعدم وجود من يحمل اسمه والإنتساب اليه . رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر واضح كثيرون الآن في العالم ينتسبون الى هذا النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يخمل ذكره من هذه الجهه ، أما في المقابل العاص ابن وائل مثلا انقطع ذكره أم لا ؟

الجواب نعم . خمل ذكره ام لا ؟ الجواب نعم .لماذا لأنه ليس هنالك اليوم من يحمل اسمه والانتساب اليه .من تجد الآن في العالم يقول انا انتسب للعاص ابن وائل او لعمر ابن العاص ؟ كأنه انقرض ، انقرضت سلالته أو لا أقل من أنّ أحد لايعرف أنّ عمرا وأباه العاص هما من أجداده ، لايعرفون ، فخمل ذكره ضعف وانقطع ، فهو الأبتر هذا تحقق .لاتقل لي انه كتب التاريخ ذكره انه للعاص ابن وائل ، ابن ، وهو الداهيه عمر ابن العاص ، ومن ثم لعمر ايضا ابناء من بينهم مثلا عبدالله ابن عمر ابن العاص ، الذي يسمى عند القوم كذلك بأنه فقيه عظيم ، وماالى هنالك ، ولعل كتب التاريخ ايضا ذكرت بعضا ممن ينتسبون الى عمر وابيه ، الكلام هو الآن بعد مضي كل هذه السنين منذا يقول جدي العاص ابن وائل ، منذا يقول عمر ابن العاص جدي ، منذا يقول عبدالله ابن عمر ابن العاص جدي لا أحد ..

فإذا عمر ابن العاص ابتر ، انبتر ذكره ، خمل ذكره الأمر واضح هذا من جهه . من جهه اخرى دعونا نلتفت ايضا الى مسأله مهمه ، حتى لو افترضنا أنّ العاص ابن وائل بقي ذكره الى جيل أو جيلين مثلا ، بالعتبار أنّ لهزم ابن اسمه عمر وعمر ايضا له ابن اسمه عبدالله وهكذا اساسا مايدرينا أن عمرا ابن العاص ابن وائل حقا ؟
مايدرينا ؟
هؤلاء كانوا ابناء الزانيات ابنات العواهر الى الآن هنالك شك في أنه عمر ابن العاص ام لا ..
لأن ست رجال اختصموا فيه كل يقول هذا ابني لأني ضاجعت امه ليلة كذا .
كذلك الحال بالنسبه الى معاويه (لعنه الله) على سبيل المثال كذلك الحال بالنسبه للمغيره حتى ابوبكر وعمر وعثمان (لعنهم الله) ومنا أشبه هؤلاء كلهم ابناء الزواني ابناء العواهر ، منذا يضمن ان هؤلاء ابناء أولئك ؟فإذا يكون العاص في كل الأحوال أبتر .

يروق لي هاهنا أن انقل روايه شريفه رواها الطبرسي عليه الرحمه في الاحتجاج ، عن امامنا وسيدنا السبط الأكبر (صلى الله عليه وآله وسلم) ، في حديث طويل خاطب في جزء منه اللعين عمر ابن العاص (لعنة الله عليه وعلى أبيه) ، قال له في ذلك المقطع {إنك ولدت على فراش مشترك ، فراش اشترك فيه الرجال ، أمّك كانت بغية من ذوات الرايات ، { إنك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان ابن حرب ، والوليد ابن المغيره ، وعثمان ابن الحارث ، والنضر ابن الحارث ابن كلده ، والعاص، ولده خمسة افراد كلهم يزعم أنك ابنه فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا ، وأخبثهم منصبا وأعظمهم بغية } ، الذي هو العاص ابن الحارث ، بالغلبه استلحقه فإذا لايعلم للعاص ابن وائل ولد صحيح النسبة اليه كل من ينتسب اليه ايضا مشكوك النسبه اليه ، لأنه هذا كان حالهم هذي الوصاخه اللي كانوا عايشين فيها .

فحتى لو أعرضنا عن هذا يكفي أنا نقول اليوم إنه قد خمل ذكره ، لأنه ليس هنالك من يحمل الانتساب اليه ، هذا كاف لتحقق هذه النبوؤه القرآنيه في أنّ هذا الشانئ هو الأبتر . تحقق ذلك ، هذه نبوؤه قرآنيه ، وجه من وجوه اعجاز القرآن في الانباء بالغيب والمستقبل . أكّد بضرس قاطع بمنتهى الثقه أنّ شانئك هو الابتر ، لاتحزن يارسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعيرونك بأنك ابتر ، هم كل واحد منهم ابتر ، وهذا بالفعل ماتحقق . اليوم أصلا الآن تعال هات لي رجالا يقول انا جدي ابوسفيان او معاويه (لعنهم الله) حتى لو وجدت فقليل لايذكر ومشكوك النسبه لاشك .

المثال الثاني على الاعجاز القرآني في الانباء بالغيب ..

مثال آخر نقرأ في سورة الحجر ، وهي سورة مكيّه ، قوله تعالى : {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إله آخر فسوف يعلمون } .دققو هنا هذه الآيات الكريمات في سورة الحجر ، آيات مكيه نزلت في وقت كان الاسلام فيه ضعيفا ، لم يتقوّى بعد ، يعني لم يظهر أمر الاسلام الى الآن . رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ماهاجر الى المدينه المنوره ، لم يؤسس مدينته ، لم يكن هنالك ضمان على أنه الدين اصلا سيبقى . مع هذا الله (تبارك وتعالى) يخاطب نبيّه يقول : { فاصدع بما تؤمر } ، إجهر بدعوتك ، {وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين}، هؤلاء الذين كانوا يستهزؤن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويسخرون من نبوته الله (عز وجل)، يعطيه ضمان يقول : { انا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله اله آخر فسوف يعلمون } . هكذا بمنتهى الثقه يتحدث القرآن الكريم قائلا : { فسوف يعلمون } ، سوف يعلمون لمن تكون الغلبه تاليا ، ومن الذي يبقى ، ومن الذي ينتصر ؟ .

نزل هذا في وقت لم يكن أحدا فيه يستطيع أن يقطع ، إن لم يكن مؤمنا ، يعني لو أعطينا الأمر برمته لمحلل سياسي في ذلك الزمان ، أنه هل عندك ضمان أنّ هذه الدعوه ستنجح ،وهذا النبي سيبقى ودينه هو الذي سينتصر ويبسط نفوذه على سائر الأرجاء لا أحد  يتمكن ان يقول ذلك بضرس قاطع .

لكن القرآن يأتي ويؤكد وبالفعل هذا يتحقق رسول الله نتيجتا هو الذي ينتصر وتسقط قريش وتسقط معاقلهم وغيرها والله عز وجل قد أعلمهم ما أوعدهم اياه أو انذرهم اياه فسوف يعلمون ...

لذا القرآن حقا كتاب الله المعجز ..

هذا ايضا دليل على أنّ القرآن من الله حقا وصدقا ، لأنه جاء بإنباء غيبي قد تحقق بالدقّه ، ولإن شككت بمعنى قوله تعالى { فسوف يعلمون هاهنا } بأن المراد منه أنه سيعلمون لمن تكون الغلبه والنصره تاليا ، فماذا تفعل مع قوله (تبارك وتعالى):  { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون } ، هذه الآيه للعلم جائت بنفس المضمون في ثلاث سور : سورة الفتح ، والتوبه ، هاتان مدنيتان أي نزلتا في العهد المدني ، ولكنها ايضا جائت في سورة الصف المكيه ، أي أنّ هذه الآيه نزلت في مكه في نفس الوقت الذي كان فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعاني من المشركين ، وقبل أن تتحقق كل هذه الانجازات التي جعلته يسيطر على الوضع في الجزيرة العربيه ، في ذلك الوضع الله (عز وجل) ينزل عليه آية يؤكد فيها بأن النصره ستكون له ولدينه , الانتصار لدينه بحيث يظهره على الدين كله ، مامعنى يظهره على الدين كله ؟

معنى ذلك أنّ هذا الدين سينتصر على سائر الأديان ، وهو الذي سيبسط يده عليها ، وبالأخص على دين المشركين والأديان التي كانت موجوده في جزيرة العرب . ومازال الدين الاسلامي هو الذي يبسط يده ، مازال هو الذي يتفوق ويعلو . البشر من سائر الاديان والطوائف تنتقل فيه ، حيث أنه لاينتقل منه احد الى الأديان الأخرى ، وإن وجد تجده مختلا عقليا ،  واحد بالمليون ، أما كل سنة هنالك اناس يشهرون اسلامهم ، كل سنة .

ومعنى هذا أنه عاجلا أم آجلا العالم كله سيصبح مسلما ، هذه حقيقة لايمكن لأحد أن يقف امامها او يشكك فيها ، ليظهرن الله دينه على سائر الاديان على الدين كله هذا شيء واضح ، وسيكتمل كل ذلك مع ظهور الإمام المهدي من آل محمد (صلوات الله عليهم اجمعين) ، هو الذي على يده سيظهر هذا الدين على الدين كله ، فإذا دققو معنى الظهور هنا . يُقال في لغة العرب أنّ هذا الجيش ظهر على هذا الجيش بمعنى انتصر تغلّب ، فلان ظهر على فلان أي تغلّب على فلان . متى نزل قوله تعالى : { هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } ؟

أول آيه نزلت في هذا المعنى في سورة الصف المكيّه ، أي في مكه حين كانت الغلبه للمشركين الذين كانوا يضطهدون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويحاربونه ، ويؤذونه ، ويضطهدون المسلمين ، ويحاربونهم ، ويؤذونهم . والمسلمون قلائل اناذاك جدا ، قلائل مع ذلك يأتي القرآن بمنتهى الثقة ويعطينا انبائا غيبيا ، وقد تحقق بالدقّه ومازال يتحقق بالدقه ، { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } ، كان المشركون يستهزؤن من هذه الآيه ومثيلاتها . أن يتصوّر هذا محمد ابن عبدالله يتصور أنّ دينه هو الذي سينتصر وسيظهر على كل الأديان ، يعنى حتى دين الروم والفرس تلك الحضارات العريقه والحكومات العالميه آناذاك ، حكومة الروم والفرس ، هذه كانت القوى الكبرى آنذاك  في العالم لها من الجيوش مالها ولها من النظام الاقتصادي مالها ، في حين احنا مجرد مجتمع جاهلي وحشي وثني سخيف هابط في مكه وماحولها وعبارة عن مجموعة قبائل وعايشين على حياة بدائية ضعيفه ، انت اللي طالع عندنا تتنبئ كل هؤلاء سيخضعون لك ؟

وتحطم تلك الامبراطوريات العظمى ؟

مثل واحد الآن يظهر مثلا في موزمبيق مثلا ، او واحدة من الدول المتخلفه في تلك المجتمعات اللي الى الآن بدائيه ، ويقول ايها الناس انا الآن صاحب دعوه دينه آيدلوجيه فكريه ، وسترون أنّ البيت الابيض وانشنطن سترفع عليه اعلامي ، الناس يسخرون منه ولكن إذا جاء حقا بنبوئه ، إن صدق في هذا الأمر بالدقه نعلم انه صادق ، وأنّ ماجاء به كان اعجازا وهذا ماتحقق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، نفس المثال سترون اعلام المسلمين على عاصمة الروم وعاصمة فارس ، بالفعل حصل وهاهم الناس يدخلون في دين الله أفواجا . فإذا هذا مثال ثاني من أمثلة الاعجاز الغيبي في القرآن الحكيم .

المثال الثالث على الاعجاز الغيبي في القرآن الحكيم ..

لننتقل لمثال ثالث وهذا المثال هو سورة المسد سورة ابي لهب . { بسم الله الرحيمن الرحيم * تبت يدا ابي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالت الحطب * في جيدها حبل من مسد } ، دقق في قوله تعالى : { سيصلى نارا ذات لهب } ، هذا انباء واخبار بأن أبا لهب سيموت على الكفر ، وسيصلى بسبب ذلك نار ذات لهب  ، والسورة بمجملها انباء واخبار عن غيب ، عن أن ابالهب ، وام جميل عمت معاويه وأخت ابي سفيان . هذان الملعونان ابولهب وامرأته سيموتان على الكفر السؤال هنا هل تحقق هذا أم لا ؟
 
نعم تحقق ، مع أنه كان لابولهب وامرأته (لعنهما الله) بإمكانهما أن يبطلا الدعوة الاسلاميه من الرأس ، إذا اظهرا الاسلام . نحن نعلم أنّ ابالهب (لعنه الله) كان من خصوم النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكذا ام جميل (لعنها الله) ، وكانوا لايوفرون حيلة من أجل القضاء على الاسلام والقضاء على هذه الدعوة والرزء برسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم) ، واظهاره بإظهار النبي الكاذب (والعياذ بالله) ، حتى أنّ ابا لهب (لعنه الله) كان يستغل كونه عم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيدور مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اينما دار في الموسم ، يعني في موسم الحجيج ، ويذهب كي يحذّر القبائل من الاستجابه له ولدعوته .

وكان يقول هذا ابن اخي وانا اعرفه كاذب ولا تصدقوه ، فكان يستغل الامر من هذه الجهه . الآن نزلت هذه السورة وأكّدت أنّ هذين لاحظّ لهما في الاسلام ، لايمكن أن يسلمان ، لأنّ الله (عز وجل) قال أنه سيصلى نارا ذات لهب ، فإذا لابد انه سيموت على الكفر . انظرو هنا سبحان الله إنّ ابا لهب (لعنه الله) بالفعل ما أظهر الاسلام ، مع أنّ ذلك كان بمقدوره ، وكذا بمقدور امرأته ، حتى يبطل الدعوه ، يقول هذا قرآنكم وكتابكم الذي تزعمون أنه من السماء تنبئ بأني لن اسلم وها أنا ذا اسلمت . لما لم يفعل هذا ؟

كما فعله مثلا بعض المنافقين الآخرين يعني يسلم نفاقا ، يسلم كما اسلم اولئك النافقون حتى يفسدود الدين الاسلامي من الداخل ، لماذا اسلم المنافقون ؟ اسلموا من اجل أن يحفروا للإسلام من الداخل ، أن ينخروا للإسلام من الداخل فيسقطونه . لأنهم وجدوا أنّ المواجهه الخارجيه لاتحقق هدم الاسلام ، لايمكننا أن نحارب الاسلام من الخارج ، فعلينا أن نغزوهم من الداخل الى أن نسقطه من الداخل .

طيب المجال كان مفتوحا امام ابا لهب وامرأته (لعنهما الله) ليظهران الاسلام ، ويضطر النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لقبول اسلامهما ، لأنه مأمور حتى بإسلام المنافقين فيدخلون في عداد المسلمين ، يهاجران ايضا الى المدينه ، ويبقى هذا الشك في هذا الدين الاسلامي وفي هذا الكتاب الى يوم القيامه ، إن بقي أصلا !!!

أنه كيف نحن نقرأ في صلاتنا سيصلى نارا ذات لهب ، وهو واقف الى جنبه يصلى ، ويتعبد ، ويقوم كما أقوم ؟ فإذا كان الامر متاحا لأبي لهب (لعنة الله عليه) مع ذلك لم يصنعه . فإذا كان نزول هذه السوره مخاطره في الواقع ، لو أفترضنا أنّ هذا النبي ــ والعياذ بالله ــ كان كاذب ، وأنّ هذا الكتاب ليس كتاب الله (عز وجل)، فإذا كانت مخاطره عظيمه أنه هكذا يتنبأ بأمر هكذا ، يمكن لهذا الرجل الذي نزلت فيه هذه السوره لأن يبطله بكلمه واحده ، يقول اشهد أن لااله الى الله وأنّ محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتهي الدين ..

كل العرب كانوا سيكفرون بالقرآن والسورة المكيّه ، يعني في مهد الدعوه الاسلاميه لم تكن الدعوه الاسلاميه قد استقرت بعد ، فإذا حينما نجد أنّ القرآن جاء بهذه الثقه بهذا التهديد ، بهذا القطع بأن ابي لهب وامرأته (لعنهما الله) سيموتان على الكفر لامحاله ، ويتحقق ذلك مع علمنا بما يكتنف ذلك من مخاطره ، نعلم أنّ هذا الكتاب معجز ، وأنه معجز غيبي إذ تنبأ بغيب قد وقع بدقه .

المثال الرابع على الاعجاز الغيبي في القرآن الحكيم ..

هذا المثال الثالث وننتقل الى المثال الرابع ، وهذا المثال الرابع معروف كثيرون يذكرونه في سياق التدليل على اعجاز القرآن في جانب الانباء في الغيب . سورة الروم قوله (تبارك وتعالى): { بسم الله الرحمن الرحيم الم غلبت الروم في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويوم اذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } .

في هذه الآيات المباركات علينا أن  نحدد امورا ، الامر الاول ما المراد في بضع سنين ؟ المراد كما قرره علماء اللغه بضع كلمه تطلق على مايتراوح بين الثلاث والتسع أو العشر . هذا معنى بضع ، نلاحظ هذا ونلاحظ الأمر الكلي المهم هنا ، وهو أنّ هذه الآيات الكريمات تتنبّأ بأن الروم سيغلبون الفرس ، مع أنّالخبر قد جاء ووصل الى المسلمين آناذاك انه قد غلبت الروم الفرس ، غُلبوا الروم . فلذا يقول الله (سبحانه وتعالى): { غلبت الروم في ادنى الأرض } ، ليس شأننا الآن أن نحدد ماالمراد بأدنى الارض ، اي بقعه تلك ، ولكن شأننا أن نتوقف عند قوله (سبحانه وتعالى) : { من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين } ، هكذا ايضا يقولها القرآن بمنتهى الدقه وبضرس قاطع ، وقد تحقق ذلك تحقق ذلك كما أجمعت عليه كتب التاريخ وكتب السير ، سواء تلك التي صنفها المسلمون او تلك التي صنفها غير المسلمون .

هذه دلاله على أنّ القرآن الحكيم معجز في جانب الغيب ، إذا جاء بأمر غيبي وتحقق بدقه ، ولكن بعض من أعداء الاسلام اليوم يشككون في هذا الاعجاز الغيبي ويقولون هاأنتم قد قررتم أنّ البضع من الثلاث الى التسع أو العشر لايتجاوز ذلك ، والحال أنا نجد أنّ غلبت الروم على الفرس جائت في فتره زمنيه أطول اربعة عشر سنه ، خمسة عشر ، لما وصل الروم الى عاصمة الفرس وهزموهم هناك ، فيقولون إذا بطلت حجتكم ، وهذا الذي ذكرتموه غير صحيح .

الجواب على ذلك الجواب لن نأتي بدليل من كتب المسلمين من مصادر التأريخ عند المسلمين التي تحدد أنه بالفعل في غضون ثمان او تسع سنوات وصل النبأ من جديد أن الروم قد انتصروا على الفرس . انما نأتي بدليل من الكتب التي هي ليست من كتب المسلمين ، حتى لايُقال أنّ المسلمين هم الذين يزعمون هذا الأمر ، فلذا انتحلوه او اقصد ابتدعوه او اختلقوه على هذا النحو ..

لاحظوا ايها الأخوه هنالك موسوعه معروفه في التاريخ اسمها الموسوعه البريطانيه ، متوفره هنا وايضا مترجمه ببعض اللغات . في هذه الموسوعه نلاحظ  أن الفرس انتصروا على الروم . طبعا المعارك كانت متعدده يعني الفرس كم مره انتصروا على الروم ، ايضا الروم كم مره انتصروا على الفرس ، وكان الامر بين الكر والفر يعني جوله وصوله ، وهكذا ولكن الانتصار الذي كان للفرس على الروم في زمان وعهد الإسلام هو هذا الانتصار الذي وقع في المعركه التي جرت بين عامي 613 و614  ميلاديه ، كما نصّت عليه الموسوعه البريطانيه .

لأن البعثه النبويه الشريفه توافق سنة 610 على ماقررته الموسوعه والمأرخين الآخرين . طبعا هنا انبّه الى أنه لايمكن الاعتماد على هذه المقاربات التاريخيه ، لايمكن الاعتماد عليها بدقه ، لأنها تبقى مقاربات . المهم هنا نحن لانريد هنا أن نثبت انه متى كانت البعثه النبويه ، ومتى كانت توافق في التقويم الافرنجي او الغربي . لانريد هكذا وانما نحن نريد فقط أن نثبت انه إذا استطعنا أن نجد في الفتره التي نزلت فيها هذه الآيات ، اي الفتره التي كان فيها السلام قد بدأ ، والدعوه الاسلاميه قد بزغ فجرها ونورها . إذا استطعنا أن نجد في هذه الفتره الزمنيه انتصار واضحا للفرس على الروم ، ثم اعقبه انتصار واضح للروم على الفرس في بضع سنين ، يعني في فتره زمنيه لاتتجاوز التسع سنوات او العشر سنوات .

فهنا نعلم أنّ القرآن صادق ، فتحقق هذا الانباء بالغيب ، وهذا مانجده جليا واضحا في الموسوعه البريطانيه ، نقرأ أنّ الفرس انتصر على الروم في معركه حدثت بين عامي  613 و614 ، وهي الفتره التي كان فيها عهد الاسلام ، لما نقرأ أنّ الروم عادوا وانتصروا على الفرس في ثلاث حروب هامه ، الحرب الاولى كانت في العام 622 ، وفي هذه السنه استطاع الروم أن يتغللوا في المناطق ذات النفوذ الفارسي ، الى أن استطاعوا أن يحرروا آسيا الوسطى كلها من الفرس ، كما تقول الموسوعه البريطانيه .

إذا هذا كان انتصارا عظيما حجّم السلطه الفارسيه في حدود لم تكن تعرفها من ذي قبل ، ثم استمرت الانتصارات بعد ذلك الى أن اكتملت في الموقعه الثالثه في سنة 627 حيث احتل الروم عاصمة الفرس ، واسقطوا حكومتهم التي كانت هناك . فإذا آخر انتصار للفرس على الروم والذي وقع في زمان نزول هذه الآيات هو الذي كان في سنة 613 ، او في سنه 614 حسب التقويم الميلادي الغربي ، وأول انتصار للروم على الفرس كان في السنه 622 ، حسب ماذكرت ايضا الموسوعه البريطانيه ، هنا انقص 622-614 تجد الناتج 8 سنوات ، بضع سنين ، حتى لو افترضنا لأن الموسوعه البريطانيه رددت بين سنتي 613 ، 614 فإذا ننقص 622 -613 يكون الناتج 9 سنين ، بضع سنين .

قلنا من ثلاث الى العشر هذا معنى البضع في اللغه العربيه القرآن ، لم يتنبأ فقط بغلبت الروم على الفرس تاليا وأطلق الكلام هكذا حتى يأتي احد ويقول انه مثلا كان ذلك مجرد نبوئه عسكريه سياسيه بحسب الوقائع التي كانت جاريه ، ولأنهم يعلمون أنّ الفرس كان بينهم وبين الروم حروب على مدى عشرات السنين ، وبالتالي توقعوا هكذا توقعا ، وهذا الكتاب مختلق من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهكذا تنبأ وفقط . وبالفعل بعد 20 سنه انتصر الروم على الفرس ، مع أنّ هذه ايضا مخاطره لأنه يثبتها في كتابه المقدس ، والأمر ليس هينا الامر ، مع هذا لم نجد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يثبت في كتابه المقدس أنّ الروم مجرد سينتصرون على الفرس حتى يسمح لأحد بأن يشكك ، لا . وإنما يؤكد بهذه الدقه على أنّ ذلك سيكون في بضع سنين سنوات معدودات 9 او 10 ، وسيأتيكم النبأ مره اخرى ايها المسلمون بأن الروم غلب الفرس ، وبالفعل هذا تحقق .

أطبقت على ذلك مصادر المسلمين ، ومصادر غيرهم على السواء ، كما نجده في الموسوعه البريطانيه ، ولايسع لهذا المشكك أن يقول اني احسب المده الزمنيه التي كان الانتصار الرومي الاعظم على الفرس ، حيث دخلوا عاصمتهم ، والذي كان في سنة 627 ، فانتيجه تكون 15 -14 سنه ، لا انما انظر انت واحسب الفتره التي كانت بين آخر انتصار الفرس على الروم ، وأول انتصار على الروم من الفرس ، تجد هذه الفتره لاتتجاوز بضع سنين ، فحينما يأتي احد ويثبت ذلك في كتابه المقدس ويقول ذلك على سبيل الجزم والقطع ، فهذه مخاطره إن كان كتابه ليس من الله (تبارك وتعالى) ، إلا أنا وجدناه هكذا قد صنع ، وكل نبوئه جائت بالقرآن على سبيل القطع تحققت 100% بالدقه التي عبر عنها القرآن الحكيم ، وهذا يدل على أنّ هذا الكتاب كتاب اعجاز اعجوبه لا أنه كتاب مختلق ، هذا وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم وأعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى قيام يوم الدين ..  آمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp