الرد على من حاول تبرئة الملعونة عائشة من استهداف جنازة الإمام الحسن (عليه السلام) بالسهام

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
الرد على من حاول تبرئة الملعونة عائشة من استهداف جنازة الإمام الحسن (عليه السلام) بالسهام

7 صفر الأحزان 1443

كان الإمام الحسن المجتبى (صلوات الله عليه) قد أوصى قبيل استشهاده بأن يُدفن إلى جوار جدّه (صلى الله عليه وآله) أو يُجدّد عهدا به لأنه الأحق به والأولى بميراثه، فلمّا استشهد وأراد وصيّه الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إنفاذ الوصية؛ ركبت عائشة من بيتها بغلاً وجاءت إلى الحجرة المقدسة وهي تقود عصابة من أوغاد بني أمية لمنع دفن الحسن (عليه السلام) عند النبي صلى الله عليه وآله! متذرّعةً بأن «البيت بيتها»! ومصرّحةً بأنها «لا تريد أن يُدفن فيه مَن لا تحبّ»! ثم إنها أمرت برشق جنازة سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسهام وشاركت بنفسها في ذلك! الأمر الذي كاد أن يوقع حرباً تُسفك فيها الدماء من جديد، فاضطر الإمام الحسين (عليه السلام) لأن يعدل بالجنازة إلى البقيع حيث دُفن أخوه (عليه السلام) هناك التزاماً بوصيته بأن لا يُهراق الدم في تشييعه ودفنه مهما يكن.

والنصوص التاريخية التي تروي هذه الحادثة الشهيرة كثيرة مبثوثة في مصادر الفريقيْن، فمنها ما رواه ابن عبد البر: «لمّا مات الحسن أرادوا أن يدفنوه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبتْ ذلك عائشة! وركبت بغلةً وجمعت الناس! فقال لها ابن عباس: كأنكِ أردتِ أن يُقال: يوم البغلة كما قيل يوم الجمل؟! قالت: رحمكَ الله؛ ذاك يومٌ نُسِيَ! قال: لا يومَ أذْكَرُ منه على الدهر»! [بهجة المجالس لابن عبد البر ص34]

ومنها ما رواه المسعودي: «وكان الحسين عليه السلام قد عزم على دفنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فمنعت عائشة من ذلك وركبت بغلة لها وخرجت تؤلِّب الناس عليه وتحرّضهم! فلمّا رأى الحسين عليه السلام ذلك دفنه بالبقيع مع أمه، ولقيها بعض بني هاشم - ورُوي أن ابن عباس لَقِيَها - منصرفةً إلى منزلها فقال لها: أما كفاكِ أن يُقال يوم الجمل حتى يُقال يوم البغل! يوماً على جمل ويوماً على بغل بارزةً عن حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله؛ تريدين إطفاء نور الله! والله متمّ نوره ولو كره المشركون، إنا لله وإنا إليه راجعون. فقالت له: إليك عنّي أفٍّ لك»! [إثبات الوصية للمسعودي ص173]

وجاء أحد أقارب عائشة ليخفّف من جُرمها بدعوى أن مروان بن الحكم وبني أمية كادوا أن يقاتلوا بني هاشم يومذاك لمنعهم من دفن الحسن (عليه السلام) إلى جنب جده صلى الله عليه وآله؛ فخافت عائشة أن تُسفك الدماء فانضمت إلى المانعين! روى المدائني عن هشام بن عروة - وهو كما ذكرنا حفيد أخت عائشة - قال: «قال الحسن عند وفاته: ادفنوني عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن تخافوا أن يكون في ذلك شرٌّ. فلمّا أرادوا دفنه قال مروان بن الحكم: لا يُدفن عثمان في حَشِّ كوكب ويُدفن الحسن ههنا! فاجتمع بنو هاشم وبنو أمية، وأعان هؤلاء قوم وهؤلاء قوم، وجاءوا بالسلاح، فقال أبو هريرة لمروان: أَ تمنع الحسن أن يُدفن في هذا الموضع وقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة! قال مروان: دعنا منك! لقد ضاع حديث رسول الله إذ كان لا يحفظه غيرك وغير أبي سعيد الخدري! وإنما أسلمتَ أيام خيبر! قال أبو هريرة: صدقتَ! أسلمتُ أيام خيبر، ولكنني لزمتُ رسول الله ولم أكن أفارقه، وكنتُ أسأله، وعنيتُ بذلك حتى علمتُ مَن أحبَّ ومَن أبغضَ، ومَن قرَّبَ ومَن أبعد، ومَن أقرّ ومَن نفى، ومَن لعنَ ومَن دعا له! فلمّا رأتْ عائشةُ السلاح والرجال وخافت أن يعظم الشرّ بينهم وتُسفك الدماء؛ قالت: البيت بيتي! ولا آذنُ لأحدٍ أن يُدفن فيه! وأبى الحسين عليه السلام أن يدفنه إلا مع جده، فقال له محمد بن الحنفية: يا أخي؛ إنه لو أوصى أن ندفنه لدفنّاه أو نموت قبل ذلك، ولكنه قد استثنى وقال: إلا أن تخافوا الشر، فأي شرٍّ أشد مما نحن فيه؟! فدفنوه في البقيع». [شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص14]

والرواية كما ترى، يريد بها حفيد أخت عائشة الاعتذار عنها بما لا تساعد عليه سائر الروايات المنقولة عن غيره، التي نصّت على أنها كانت هي الآبية والمؤلّبة والجامعة والمستنفرة! أي أنها هي الرأس في هذه الحملة الإجرامية كما كانت يوم الجمل، فيوماً على بغل ويوماً على جمل! ولو صحّت رواية هشام هذه لأمكن أيضاً تجريم عائشة، فإنها انحازت إلى بني أمية دون بني هاشم وانضمت إلى المانعين لدفن سبط النبي (صلى الله عليه وآله) عنده، فلماذا لم تنحز بدلاً من ذلك إلى بني هاشم وتقف في وجه بني أمية قائلةً مثلاً: «البيت بيتي ولا آذنُ لكم أن تمنعوا الحسن من أن يُدفن فيه مع جده»! فإن ذلك أيضاً كان سيُبعد الشرّ ويحقن الدماء! أم أن عائشة لا يكون «خروجها للإصلاح» إلا على ظُلم أهل البيت (عليهم السلام) وبني هاشم والانتصار لآل أبي سفيان وبني أمية!

ويزيدنا يقيناً في أن عائشة كانت هي السبب في هذه الحملة الناصبية الظالمة؛ ما رُوي عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وأصحابهم في هذا الشأن، وهي روايات متضافرة تفصّل الدور الإجرامي لعائشة ومروان بن الحكم وبني أمية، بخلاف روايات أهل الخلاف التي يغلب عليها الإجمال وإن كانت أشارت بالإصبع إلى عائشة قائدةً للحملة كما سبق.

روى الكليني بسنده عن محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) قال: «لما احتضر الحسن بن علي عليهما السلام قال للحسين: يا أخي؛ أوصيك بوصية فاحفظها، فإذا أنا متُّ فهيّئني ثم وجّهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لأحدث به عهداً، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليها السلام، ثم ردّني فادفنّي في البقيع. واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وعداوتها لنا أهل البيت! فلمّا قُبض الحسن عليه السلام وُضع على سريره، وانطلقوا به إلى مصلّى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصلّى (الحسين) على الحسن عليه السلام، فلمّا أن صلّى عليه حُمل فأُدخل المسجد، فلمّا أُوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله بلغ عائشة الخبر، وقيل لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله! فخرجتْ مبادرةً على بغل بسَرْج، فكانت أول إمرأة ركبت في الإسلام سَرْجاً! فوقفت فقالت: نحّوا ابنكم عن بيتي فإنه لا يُدفن فيه شيء ولا يُهتك على رسول الله حجابه! فقال لها الحسين ابن علي عليهما السلام: قديماً هتكتِ أنتِ وأبوكِ حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأدخلتْ بيته مَن لا يحبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله قُربه! وإن الله سائلكِ عن ذلك ياعائشة! إن أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول الله صلى الله عليه وآله ليُحدث به عهداً، واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله صلى الله عليه وآله ستره، لأن الله تبارك وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ، وقد أدخلتِ أنتِ بيت رسول الله صلى الله عليه وآله الرجال بغير إذنه! وقد قال الله عزوجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، ولعمري لقد ضربتِ أنتِ لأبيكِ وفاروقِه عند أُذُنِ رسول الله صلى الله عليه وآله المعاول! وقال الله عزّ وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ، ولعمري لقد أدخل أبوكِ وفاروقُه على رسول الله صلى الله عليه وآله بقربهما منه الأذى! وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله! إن الله حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياءً، وتالله ياعائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عليه السلام عند أبيه صلوات الله عليهما جائزاً فيما بيننا وبين الله؛ لعلمتِ أنه سيُدفن وإن رَغِمَ مَعْطُسِكِ! قال: ثم تكلّم محمد بن الحنفية وقال: ياعائشة! يوماً على بغلٍ ويوماً على جملٍ! فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوةً لبني هاشم! قال: فأقبلتْ عليه فقالت: يابن الحنفية! هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين عليه السلام: وأنّى تبعدين محمداً من الفواطم؟ فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر. قال: فقالت عائشة للحسين عليه السلام: نحّوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قومٌ خَصِمون! قال: فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر أمّه، ثم أخرجه فدفنه بالبقيع». [الكافي للكليني ج1 ص302]

وروى الذهبي وابن عساكر - واللفظ للثاني - عن الحسن بن محمد بن الحنفية في حديث شهادة الإمام الحسن عليه السلام: «وأبردَ مروان إلى معاوية يخبره بموت حسنٍ وأنهم يريدون دفنه مع النبي وأنهم لا يصلون إلى ذلك أبداً وأنا حي! فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احفروا ههنا، فنكب عنه سعيد بن العاص وهو الأمير فاعتزل ولم يَحُلْ بينه وبينه، وصاح مروان في بني أمية ولفها وتلبّسوا السلاح! وقال مروان: لا كان هذا أبدا! فقال له حسين: يابن الزرقاء! ما لكَ ولهذا؟ أَ والٍ أنت؟! قال: لا كان هذا ولا يُخلَص إليه وأنا حي! فصاح حسينٌ بحلف الفضول، فاجتمعت بنو هاشم وتيْم وزهرة وأسد وبنو جعونة بن شعوب من بني ليث قد تلبّسوا السلاح، وعقد مروان لواء وعقد حسين بن علي لواء، فقال الهاشيون: يُدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم. حتى كانت بينهم المراماة بالنّبْل»! [سير أعلام النبلاء للذهبي ج3 ص276 وتاريخ دمشق لابن عساكر ج13 ص291]

وتَرى أن هذه الرواية وأمثالها من روايات المخالفين قد أثبتت وقوع المراماة بالنّبل أثناء تشييع جنازة السبط الأكبر عليه السلام، بيْد أنها سكتت عن بيان مقدار إصابة النّبال للجنازة الشريفة، كما سكتت عن بيان أول من ابتدأ الرَّميْ وجرّأ القوم عليه، وما العلة في ذلك السكوت إلا محاولة حجب الجريمة الأقبح لعائشة وأبنائها! حين يظهر أنها كانت أول مَن رمى وتبعها على ذلك بنو أمية وعسكرهم الشاميّون حتى أصيبت الجنازة الشريفة بسبعين نبْلاً!

روى ابن شهراشوب عن ابن عباس في وصفه لمجريات الأمور آنذاك: «ورموا بالنِّبال جنازته حتى سُلَّ منها سبعون نبْلاً»! [المناقب لابن شهراشوب ج3 ص204]

وذكر الشهيد التستري أن عائشة «ركبت على البغلة مع مروان وجماعة من أتباعه للمدافعة حتى جرى بينها وبين ابن العباس رضي الله عنه ما نقلناه سابقاً، وآل الأمر إلى أن رموا جنازة الحسن عليه السلام بالسهام! ووصل النِّصال إلى بدنه الشريف»! [الصوارم المهرقة للشهيد التستري ص161]

أما فتح الدين الحنفي فقد نصّ على ثبوت منع دفن الحسن (عليه السلام) مع جده (صلى الله عليه وآله) وأن هذا المنع تضمّن رمي جنازته بالحجارة أيضاً! فقال: «واعلم أنه قد ثبت أن جنازة الحسن رُميت بالحجارة وغيرها ومُنع من الدفن»! [فلك النجاة لفتح الدين الحنفي ص55]

وكما كان الحال في يوم الجمل حين أشعلت عائشة شرارة الحرب بفتواها بقتل مسلم العبدي؛ كذلك جرى الحال في يوم البغل! فقد روى عماد الدين الطبرسي أن عائشة ابتدأت المناوشات بالنّبال حين «استدعت من مروان قوساً وسهماً ورمت بالنُّشّاب إلى جنازته! ثم رشق عسكر الشام بمتابعتهم»! [أسرار الإمامة لعماد الدين الحسن بن علي الطبرسي]

فعائشة إذن هي التي جرّأت هؤلاء على رمي الجنازة الشريفة، وكانت تلك نذالة منها تُفصح عن خسّتها وإجرامها ونُصبها، وأنها امرأة عديمة الضمير إذ تستهدف بالنُّشّاب الجثمان الشريف لسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة! وهو أمر لم يبدأه مروان نفسه وهو مَن هو في الكفر والإجرام! كما لم يتجرّأ أن يبدأه أحدٌ من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك الموقف، بمن فيهم عسكر أهل الشام في المدينة. أما عائشة فقد تجرّأت واستهانت إعلاناً منها أنها لا تقيم وزناً لأحكام الشرع مطلقاً، فإن الشرع يحرّم هذا الذي ارتكبته حتى لو كان الميّت كافراً! فكيف إذا كان فلذة كبد رسول الله صلى الله عليه وآله؟!

* منقول من كتاب (الفاحشة الوجه الآخر لعائشة) للشيخ الحبيب.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp